عروق الرمل في مهرجان الحمامات الدولي : الصحراء وطن... فانصتوا لأهازيجه ...

الى عالم الصحراء تكون الرحلة، غوص في مفهوم الوطن وتحليل لمعطياته وتقاسيمه ومحاولة رسم عالمه الكوني بلغة الجسد، في الركح شاهد الجمهور بعض ملامح الصحراء رسمتها اجساد راقصين عشقوا لغة الجسد فتماهوا مع الصحراء وحكاياتها ، في الحمامات كان اللقاء الاستثنائي مع عروق الرمل لحافظ زليط، عرض تماهت فيه الروح مع الجسد واتحدت الاشارات لكتابة

ملحمة فنية قادها شباب مؤمن بلغة الجسد ..
عروق هو مشروع بحجم الصحراء، وأسرارها، وألوانها، التي تتعدد فيها ألوان الحياة بين الميثولوجي و الطبيعي والتاريخي و الجمالي. طبقات فوق طبقات.. وهو ما يحتاج معه الأمر الى أن تتحوّل المغامرة الى فعل بحثي و فني راقص ملموس.
دعوة إلى التّجوال في فصول عرض راقص معاصر الذي تتراكم فيه طبقات التاريخ الثمودي، وجماليات المكان، وتنوّع ألوان الحياة على رماله وفي شقوق صخوره.. عرض يؤكّد أنّ الصحراء تضمّ في أغوارها أسرارا لحضارات مضت.. آن لنا ان نكشف عن أعماقها و خباياها.

«عروق الرمل» الجسد لغة البقاء والتجديد
لا شيء يساوي الصحراء سوى البحر، لا شيء يضاهي امتداد البحر غير شساعة الصحراء ولا شيء يضاهي سحرهما غير اجساد عاشقة للفن، يقول ابراهيم الكوني: «الصحراء بحر من الرمال والبحر صحراء ماء. كلاهما يعدان بشيء واحد هو الحرية» وقبالة البحر الممتد صاحب الاسرار نفثت اجساد الراقصين بعض اسرار الصحراء وحكاياتها..
تخرج الاجساد تتدحرج على الركح قوام الحركة اليدان والرأس وتتزايد سرعتهم كلما زاد صوت الريح، لوحة اولى تمهد للجولة في صحراء حافظ زليط، الصحراء ذاك المكان الذي نظنه ارض موت ولكنه يخفي بين كثبانه ارواحا مشتعلة وملتهبة الى الحياة وكما صفرة الرمال الذهبية كذاك ارادة الجمال عندهم.
الى هناك حيث تبلغ وحدة الأشياء أوجها و كل شيء يأنس بالآخر ذلك أن الإنسان يأنس بالنجوم، والكواسر تأنس بالصّخور، والرّمال تأنس بالماء الى حيث يصبح الإنسان أكثر قربا من ذاته وكأنه يتأكد من وجوده على صفحة مرآة كبيرة حيث يدقّق النظر، ويصغي الى دقات قلبه» الى المكان الذي ندمن فيه معرفة ذاتنا و المكان الذي نتماهى فيه مع انفسنا ونكون

كمرآة تعكس حقيقتنا الى الصحراء بكل جزئياتها حمل السبعة راقصين الجمهور لرحلة عنوانها «رحلة المتعة و الخلود» رحلة انطلقت مع نغمات الناي وهل هناك الة تقدر على مجاراة حزن الرمال وغضب حيوانات الصحراء كتلك الآلة؟
تتدحرج الاجساد على الركح وكأنها تأخذ المتفرج الى اغوار الكثبان الرملية، صوت الناي وأصوات الرياح وبعض اصوات غامضة ربما تكون لحيوانات تسكن ذاك المكان تكون الرحلة.

منذ الاسم يعرف المشاهد انه سيكون بين عالمين عالم تحت كثبان الرمال وآخر فوقه، فالعنوان مقسوم الى نصف «العروق» او الجذور أي ما خفي عن العين المجردة، عالم له نوامسيه وأحكامه، عالم ما تحت الكثبان يكون فيه الصراع متواصلا والبقاء للأقوى، بضوء اصفر خفيف وموسيقى الحضرة والايقاعات القوية تحملنا اجساد الراقصين الى الجذور الى الأعماق هناك يجد العقرب و الافعى و سيد المكان «الورل» وصراعات كثيرة تنقلها اجساد الراقصين مع موسيقى تشعرك انك جزء من الخصام.

اما فوق الكثبان فللحكاية ابواب عديدة، فهناك صراع «الودان» مع الصقر، وصراع النعامة لحماية صغارها من صقر جارح لا يعرف طريق الاستسلام، وصراع بين الحيوان والإنسان، صراع الحياة والبقاء جسدت في لوحات كوريغرافية ومشاهد عددها سبعة.
في حركات الاجساد اعلان متجدد عن الولادة، من الرمال تولد الحياة من العدم يولد الجمال ومن اللاشيء يولد الشيء ويترعرع ووسط الرمال الصفراء توجد الواحات الغناء هكذا هي رموز و شيفرات الراقصين السبع في عروق الرمل فالصحراء رحم كل حياة انجبت كل الألوان صنعت الماء الثرثار من لعابها، ونسجت الكائن اللعوب من أنفاسها وصهرت القصدير في موقدها وطهت الجان والانس في ماعون واحد» كما يقول ابراهيم الكوني في روايته «السحرة».
على الرّكح تنفض الاجساد تنادي الكل ان هناك في الصحراء توجد العديد من الأسرار اجساد تناشد ان تأمّلوا جيدا اسرار الصحراء وحكاياتها اجساد تناشد الحياة.

صراع الصحراء والمدينة
عروق الرمل وحكايات الصحراء واسرارها، رحلة هلامية تقودها اجساد الراقصين، رحلة نحت معالمها كتابيا ابراهيم الكوني ثم خاط تفاصيلها مسرحيا حافظ زليط، موسيقى مميزة طيلة العرض بها الكثير من البحث في اغاني الصحراء واهازيجها، صراع البقاء والحياة اساس الحكاية، في عروق الرمل اشارة الى صراع الصحراء والمدينة وتوهان الصحراوي بينهما.

في اللوحة الرابعة يظهر الانسان، لابسا الابيض في رمزية اللون الابيض للسلام والمهادنة، يحمل بين يديه 7حجرات، في رمزية الى البناء والتشييد وإدخال المدنية الى الصحراء، يضع حجراته وينتفض مع الموسيقى يرقص حد الانهاك وكأننا بالمخرج يقول ان الصحراوي غير قادر على ترك صحرائه ولا قساوتها، رقصة على ايقاع نغمات عبيد قبنطن تقدم سر تمسك الصحراوي بصحراءه.

اذ لا بديل للصحراوي عن قارته ولا حياة له خارجها . يضيق بالجدران والاستقرار وتسجنه المدن ويشقيه التملّك، ومع ذلك لا ينزع لغيرها ، وحدها قمم الجبال تنافس الصحراء على قلب الصحراوي حيث « يتحرر من البدن ويصبح بمقدوره أن يمد يده ويقطف البدر أو يجني النجوم» هكذا هي الصحراء عند ابراهيم الكوني وعلى الركح شاهد جمهور الحمامات هذا التعلق من خلال اجساد الراقصين، يترك الانسان حجارته ويغادر ليعود الصراع بين الحيوانات، صراع ينتصر فيه الحيوان اخر الحكاية، فملك الصحراء وسيدها «الورل» نجده في اخر مشهد يرقص رقصة النصر وسط الركح يتحرك بحرية ثم يهدم الحجرات ويسقطها ارضا ومعها تكون نهاية الحكاية وكأننا بالمخرج يشير الى ان الصحراء وطن وان ضاق، وطن يرفض الصحراوي مغادرته وان قست طبيعته».

اذ يرفض الكوني النظرة التقليدية للصحراء، بوصفها فراغا وخلاء، ويندد بمن يقترح الصحراء مكانا لدفن النفايات أو التفجيرات النووية. كيف يحدث هذا في مكان يراه الروائي وطن النبوءة، في الصحراء الكامنة على غنيمتها الأولى فطرة الإنسان وبداية مغامرته مع اللغة. المكان يتحول في الليل إلى محجّ للبحث عن الحقيقة والتأمل، المكان الذي يغيب فيه الزمن التقليدي الزائل ويحل محله الزمن الأبدي، صحراء الحرية، صحراء ابدعت اجساد الراقصين في تشكيل حكاياتها.
عملا بمقولة «الحقيقة خارج الكلمات، لا يمكن الوصول اليها الاّ بالإيماء».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115