لأول مرة في ساحة القصبة: الزيارة تكتسح القصبة والموسيقى تعوض الاعتصامات

هي ساحة القصبة كما لم ترها من قبل، «اتجمعوا العشاق» فيها قادمين من أحيائها المجاورة ومن كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم بذكر الله ومدح رسوله الكريم.

20 ألف تقريبا سدّوا منافذ الساحة من أجل أن يتمتعوا بالعرض الصوفي الفريد «الزيارة» لسامي اللجمي في عرضها رقم 130 تقريبا، عرض مختلف شكلا ومضمونا عما قدّم من قبل، يكدح فيه صاحبه كدحا ليلاقي جمهوره بأفضل ما لديه.

قد نجحت الشركة المنتجة مع إذاعة «IFM» التي تحتفل كل عام باليوم العالمي للموسيقى، في «تغيير صبغة» المكان ولو لزمن قليل بعد أن كان فقط مركزا للسيادة والسياسة وفضاء للاحتجاجات والاعتصامات على امتداد السنوات الفارطة، هو اليوم فضاء كبير للموسيقى والحلم وبصفة مجانية.

يستمد العرض أنفاسه الروحانية وقبساته الصوفية من عادات المريدين في زياراتهم لأولياء الله الصالحين، وما يصاحب ذلك من ذكر لله ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وغيرها من عادات التونسيين التي تعود لقرون، معتمدا في ذلك على الموروث الموسيقي للطريقة العيساوية نسبة لسيدي محمد بن عيسى والمعروف باسم والي مكناس والشيخ الكامل، والطريقة العامرية لصاحبها ومؤسسها سيدي عامر المزوغي القرشي.

كما تعود «الزيارة» لأصول الطّرق لتعتمد على الشّاذلية (الطريقة الأم للعيساوية والعوامرية) لتفتح بذلك فضاء أرحب يتّسع لجميع أقطاب تونس كالسيدة المنوبية وسيدي أبو علي النفطي السنّي وأم الزين الجمالية وغيرهم من أعلام التصوّف التونسي.
يخرج الموسيقيون وسط هالة من الضوء البنفسجي يرحبون بالزوار ويقرؤون بعض الادعية قبل الجلوس في أماكنهم ويغنون « نا جيت زاير زاير للشيخ بابا» اغنية يصحبها التصفيق ومنذ البداية يقبل الجمهور على الرقص، يخرج سامي اللجمي ب «الدنقري الاحمر» يتجول بين عازفيه كقائد جيش ينظم صفوفه قبل انطلاق حرب حامية الوطيس حرب النوتة والموسيقى التونسية المميزة، جاب كل ولايات الجمهورية تقريبا فكلما اكتسح الركح الا وربح النزال.

في الزيارة تحضر كل معالم الفرجة، عرض متكامل يقدم النغم والرقص والحضور الركحي المميز للمؤدين والراقصين، بسفساري تخرج أحداهن تحمل المشموم توزعه على العازفين وآخر يحمل قلة الماء ليروي ظمأ المؤدين صورة لما يحدث في الزوايا، وكلما تقدم الوقت تصاعدت النغمات وارتفعت الألحان وتماهت كل الآلات.

البداية كانت للطبل والدربوكة والآلات الإيقاعية، آلات صنعت ألقاها وافتكت مكانتها في زيارة سامي اللجمي صوت الدربوكة وكأنه صرخة الحياة ودقات الطبول كما الأرواح الهائمة الثائرة الباحثة عن مكان دافئ آمن تشعر فيه انها بخير، موسيقى قوية كما النفوس التائة للحرية والمتشوقة لملاقاة امل ساكن بين شقوق الحجارة،بعد صولة الآلات الايقاعية يكون الموعد مع الحلم، موسيقى الكمان الرقيقة تصاحبها نوتات القيثارة الساحرة موسيقى هادئة وكأنها تجسيد للحظات النشوة والمتعة لحظة ارتخاء أعصاب الجسد وانعدام الشعور بالخوف لتحل السكينة في النفس وتشعر الروح انها بخير هكذا كانت زيارة سامي اللجمي مراوحة بين الموسيقى اقوية والنغمات اللينة الرقيقة للنحت في الذاكرة صور ونغمات لن ينساها المتفرج.

في الزيارة سامي اللجمي اختار اللون الصوفــــي وطوّره موسيقـيا وفرجويا وكان جــــد موفقا هو وكامل الفريق الذي صاحبه وتجاوز ال 15 عنصرا على الركح أدوا جميعهم الصوفي واستطاع التوزيع الموسيقي أن يخلق أجواء من الانتشاء لدى المتابعين للعرض، نشوة وكانها خمرة الحياة، الزيارة العرض التونسي الاول، عرض جاب كل ارجاء الجمهورية وكل العروض لاقت حضور جماهيري هو الاكبر، الزيارة عرض تونسي التقديم والروح عرض يغوص في الموروث الصوفي التونسي سحر زوار القصبة في سهرة رمضانية استثنائية.
يحاول اللجمي استغلال كل الفضاء المتاح ليقدم إضافة إلى الأناشيد، لوحات راقصة وكوريغرافيا جسدت حلقات الذكر واجتماع المريدين حول شيخهم ففي الزيارة أعطى سامي اللجمي للجسد حقه، لم يكن الرقص مجرد زينة او تتمة للعرض بل هو جزء أساسي له خصوصياته وله حضوره المميز، فتيات باللباس التونسي لباس اختلف عن العروض السابقة في اطار ميل المخرج الى التجديد في العرض فلكل عرض لباسه المميز كي يزيد من معالم زينة العرض ومؤثراته ويخلق بعض التجديد والاختلاف، يرقص بشعورهن ويتركن لاجسادهن حرية التعبير تمحي القيود و النواميس ليرقص الجسد ويتغنى بالزيارة وينتشي بها. ، ليضيفوا بذلك رونقا على العرض الذي شدّ الجماهير ولا يزال في كل العروض التي تم تقديمها في مختلف الجهات، خاصة وأنها تعود هذه السنة بتوزيع موسيقي مغاير لمجموعة من الأعمال بالإضافة إلى الأزياء الجديدة التي مثلت أحد نقاط قوة هذا العمل.

عرض الزيارة بالقصبة والذي تواصل لساعات الليل المتأخرة عرف نجاحا تنظيميا كبيرا، حيث لم تتخلله أية مشاكل ولم يشهد أيّ إخلال، أمر يحسب أولا للجمهور المتحضّر ولقوى الأمن والهلال الأحمر التونسي وكافة المتدخلين الذين ساهموا في إنجاحه، خاصة وأنه يعتبر تحديا أقدمت عليه ولاية تونس التي منحت التراخيص وتعاونت مع المنظمين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115