اختتام مهرجان حومتنا فنانة: فاح العنبر والياسمين وموسيقى المالوف أمتعت الجماهير

لك ان تغمض عينك وتشتم رائحة البخور الزكية وعبق العنبر والعود والياسمين، تشكيلة من العهطور التونسية المميزة فاح شذاها في بطحاء فضاء مسار، اربعون عازف وراقص على الركح او يزيد، تجمعوا ليحملوا جمهور حومتنا الفنانة الى موسيقى الاجداد، رحلة عبر الزمن انطلقت

من رائحة البخور وصاحبها اللباس فالنسوة لبسن السفساري ومريول فضيلة ولبس الراقصين «الدنقري» اما المغنين فجميعهم بالشاشية التونسية، اينما وليت وجهك عرفت انك امام عرض تونسي الهوى والروح والتقديم عرض ولد من رحم هذه الام تونس.
في اختتام تظاهرة حومتنا فنانة كان الاختتام استثنائي، اختتام عنوانه العودة الى الذاكرة والأصل مع عرض للمالوف انتاج جمعية سماع للموسيقى والنهوض بالفنون تقدم الفرقة الموسيقية عرض بعنوان» خوذو عيني”، اختتام احتفى بموسيقى المالوف والاغنية التونسية مع عروض راقصة، عرض عنوانه البهجة والفرح، العرض فكرة لعبد الكريم البناني و موسيقى لفخر الدين اليعقوبي و كتابة ركحية لتماضر الزرلي والانارة لمحمد حربي .

خوذو عيني... شوفو تونس
ليلة ليست ككل الليالي، ليلة عاد فيها الجمهور الى سنوات الزمن الجميل والاغنية الحلوة واللباس التونسي الاصيل، موعد يختلف عن غيره من المواعيد لقاء مع الحب و الاغنية التقليدية ولقاء مع الجمال الاناقة، شاشة كبيرة تمرر بعص الصور عنوتس الاربعينات والخمسينات، ، فتيات يتجولن وسط البطحاء يلبسن السفساري ويتغانجن، شباب انكب على صناعة عقود الياسمين وتقديمها كهدية الى الجميلات، أطفال يتضاحكون هنا وهناك، صورة وكانها صورة حية عن احدى المدن العتيقة في العشرينات، معهم موسيقى الكمان هادئة رقيقة تنادي الجمهور ان اقبلوا لتضربوا موعد مع المتعة.

الموعد كان امام بطحاء مسار بمناسبة اختتام مهرجان حومتنا فنانة، لقاء مع موسيقى المالوف، رحلة الى الاندلس وجولة في قصور قرطبة وغرناطة عبر الموسيقى، جولة في حدائق قرطبة الجميلة، لوحات وكانها جلسات زرياب ومعانقته لعوده ليمتع الحضور باجمل النوتات.
اللقاء الموسيقي المميز قدمته مجموعة نادي السماع للموسيقى العربية و تعتبر الحصة الموسيقية التي نقوم بها في نادي السماع للموسيقى العربية من اهم الحصص التى تعنى بمسالة المغنى في الطبوعات التونسية والمشرقية وهي ثمرة مجهود طويل وشاق يقوم به ثلة من خيرة المهتمين بالشان الثقافي في تونس اذكر من اهمهم الاستاذ عبد الكريم البناني رئيس جمعية السماع للموسيقى والنهوض بالفنون والاستاد خالد المعالي منشد وعازف الة الرق والاستاذ ايمن النقاش عازف الة الاورغ والاستاذ مروان الهمامي عازف الة الكمانجة حيث نهدف من خلالها اكساب الطفل التعبير الشفهي واكتشاف التراكيب الإيقاعية وكذا الإطلاع على التراث الأدبي والفني الذي يزخر به موروثنا الموسيقى التونسي والعربي ويهدف إلى تهذيب ذوق الطفل وإكسابه المهارة في الإنشاء والإنشاد من خلال الكلام المنظوم الجميل المناسب لقدراته العقلية والوجدانية والنفسية الفائقة على حد تعبير احد عناصر المجموعة.

خوذو عيني شوفو بيها، هو اسم العرض عرض ينطلق بموسيقى رقيقة ثم طفلة تتحدث بلهجة تونسية انيقة وتبحث عن غالية «غالية، وينك، هيا نرجعو لايام زمان» وكانها تنادي الجمهور ليستعد الى العودة الى سنوات خلت ليعايش تلك الفترة ويستمتع بموسيقاها.
بعدها تتحدث الكمنجات معلنة عن موعد الرحيل الى عالم جميل، عالم ميزته النوتة الحلوة والكلمة الانيقة وتنطلق النغمات هادئة رقيقة تمس القلب وتشحن الروح بعبق الحياة، مع الكمنجات يتحدث الناي بانينه الرقيق الموجع لحظات من الهدوء والرقة مع موسيقاه الساحرة وكانها استحضار لناي خميس الترنان احد اشهر شيوخ المالوف في تونس وكلما استمر نشيد الناي كانت صور الترنان تمرر تباعا و خميس ترنان نشأ في عائلة ذات أصول أندلسية, استقرت في بادئ الأمر بالجزائر ثم انتقلت إلى مدينة بنزرت أين توارثت صنعة الحياكة وفن مالوف الجد فلقبت بالترنان. وبعد أن درس القرآن الكريم دخل المدرسة الابتدائية وتتلمذ على يد الأستاذ عبد الرحمان قيقة الذي يقول عنه انه اشتهر بالعزف على الشبابة، إحدى أشكال آلة الناي، أثناء الراحة بين الدروس، كما كان يتردد رفقة والده على حلقات الإنشاد الصوفي و الطرقي حيث تعلم على عمه محمد الترنان شيخ عمل الطريقة العيساوية ببنزرت. ثم شارك في المجموعات الصوتية للمدائح (المولدية والقادرية والسلامية ) حوالي سنة 1908.

إثر ذلك استقر بالعاصمة ليحترف الغناء في المقاهي و مجالس الفن الخاصة و العامة, و قد كان ميالا إلى الغناء الشرقي من جراء تأثره بما تروجه الأقراص المصرية من قصائد و أدوار و مواويل. في الأثناء اتصل بكبار شيوخ الفن فتعلم العزف على آلة العود العربي و برع فيه حتى تفوق على معاصريه و اتصل كذلك بكبار شيوخ المالوف و تتلمذ عليهم، أمثال الشيخ البشير خلاص والشيخ أحمد الطويلي الذي ضمه إلى جوقته التي تكونت بمقهى المرابط بالمدينة العتيقة من سنة 1919، و استمرت إلى ما بعد الثلاثينات و قد حازت على شهرة كبيرة و أصبحت مقصد أقطاب الفن، وبين الصورة والناي كانت العودة بالذاكرة الى الترنان واغانيه، وكانه ينادي التونسيين ليروا تونس كما كان يراها مدينة فن وحياة..

سهرة الابداع
تتتحد النغمات، تتسابق الايقاعات ومعها حركات الراقصين واغناني المغنين، كل المؤشرات تدل على سهرة تونسية عائلية، سهرة جمعت كل الاجيال تقريبا، سهرة في بطحاء فضاء مسار شارك بها قرابة 40فنان قدموا وصلات موسيقية يحفظها الصغار قبل الكبار، وقدموا النوبة من الاستفتاح الى المصدّر فالابيات و البطايحي والتوشية الى البراول و الدرج و الخفيف فالختم، مكونات النوبة التونسية ابدع في تقديمها اطفال لم يتجاوز بعضهم العاشرة ولكنهم غنوا بحرفية واتقان وثقة.
وعن العرض قال صاحبه لقد مثل عرض خوذو عيني للنادي التابع لجمعية سماع للموسيقى والنهوض بالفنون نقطة تحول كبيرة على جميع الاصعده ففي ظرف وجيز اصبحت للعناصر القدرة على التمكن من الحضور الركحي وهذا لعمري شيء صعب زيادة على اتقان الغناء وخاصة الاداء للخصوصية الموسيقية في الطبوع التونسية.

أمام مسار تجمع عشاق الحياة والفنون، جمهور من مختلف الاعمار جاء ليستمتع بموسيقى المالوف، فانتشى بموسيقى العود و سحرته نغمات الناي وأسرت روحه نغمات الكمنجة واذهله صوت المغنين صغار السن وشارك الفتاة بحثها عن غالية ليكتشف ان غالية جزء منه ومن هويته وروحه وانتمائه فغالية هي تونس بكل تجلياتها.

اختتمت دورة اخرى من حومتنا فنانة، دورة شعارها الثقافة للجميع، دورة جمهورها قار قدمت له عروض تلبي كل الاذواق، دورة كشفت عن اهمية الفضاءات الثقافية في الجهات والاحياء لانها اقرب الى المواطن، دورة اثبت ان الثقافة حق و انجاز مهرجان محترم يتطلب محبة الابداع قبل توفير الدعم، حومتنا فنانة اختتمت فعالياتها بالمالوف ملبية رغبة واذواق ابناء باب سعدون وحومة بالدوف وصغار مسار وكل عشاق الفن والحياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115