مهرجان ليالي الصالحية بالمركز الوطني للاتصال الثقافي: ريحانة إحسان العريبي تفوح في المدينة العتيقة

لاني احب الحياة كثيرا، اعشق شارعا لم تصله الأغاني، سوف اقاوم موتي وفصل نسيان النساء، لاني اخاف الوداع كخوفي على الاصدقاء من الاصدقاء سأعبد ظلي اقيم صلاتي لكل بلاد رعت جسدي من

رياح الشتاء» هكذا غنى احسان العريبي في عرض «الريحانة» فوحدها الموسيقى قادرة على شحن الروح للمقاومة ومواصلة مشوار قد يبدو مرهقا ومتعبا.

في المركز الوطني للاتصال الثقافي فاح شذى ريحانة احسان العريبي، تعطر المكان بعطور النغمات الزكية وتشبعت الاذن بارقّ المعزوفات والمقطوعات، في ليالي الصالحية كان اللقاء مع هدوء عود احسان العريبي وجنون ايقاعات لطفي صورة و سحر قيثارة عزيز الشريف وبراعة عزف حاتم اللّجمي رافقهما صوت رفقة بلطيفة .

الموسيقى نشوة الروح
هدوء يعمّ المكان ربما محاولة للهرب قليلا من ضجيج الشارع فالمدينة العتيقة تكون جد مكتظة في شهر رمضان ولكل نهج سهرته الخاصة وجمهوره الاكثر خصوصية، في المركز الوطني للاتصال الثقافي وسط مقولات لأولاد احمد و مصطفى الفارسي وبشيرة بن مراد والكاهنة البربرية وعلي الدوعاجي ووسط رسومات لبلال روايحي وغرافيتي عن الفن والجمال كان الموعد لاستنشاق عبق الرياحين والموسيقى الهادئة والاستمتاع بشدو الالات وهي تناشد الحلم.

يمسك عوده بهدوء، يحيي جمهوره ثم يأخذ ريشته وينطلق في ملامسة العود لتخرج الموسيقى هادئة رقيقة تسحر العقول والقلوب، يداعب عوده كمن يداعب طفل صغل صغير، يمرر اصابعه برقة فيتجاوب العود وتكون الموسيقى الجميلة، علاقة احسان العريبي بعوده كعلاقة طفل بأمه يعشقه ويراه ذاته، يتماهى معه ومع موسيقاه تماهي الوليد مع والدته.

يصمت العود تاركا المساحة لآلة اخرى لها حضورها وسحرها ونافسته السيادة في الريحانة، الة الإيقاع لطفي صوّة يعزف برقة وهدوء يداعب آلاته الايقاعية بكل لطف فتخرج الموسيقى رقيقة وأنيقة، وتكون اولى المعزوفات «سور المدينة»، ترتفع النغمات حد تماهي العود والإيقاع ليصطحبوا الجمهور في جولة استكشافية لأجزاء المدينة العتيقة من باب بحر الى باب سعدون و باب الجزيرة، جامع الزيتونة والخلدونية والصادقية، نهج الباشا ونهج سيدي بن عروس وساحة التريبونال قصر خير الدين و دار الاصرم وغيرها من معالم المدينة العتيقة جولة مطيتها الموسيقى واداتها العود والإيقاع.

للموسيقى سحرها والقها ورموزها ولكل رمز حكاية، لكل نوتة رمزها الخاص ولكل اسم رمزيته ولكل شيفرة مفرداتها المختلفة، تنخفض ايقاعات العود وتهدا حركات العازف لتتكلم القيثارة وتدندن بأجمل النوتات والألحان ثم سيتحدث العود من جديد ويدخل مع القيثارة في حوار ثنائي رقيق تتغنج فيه القيثارة كعاشقة ويسمعها العود اجمل الاشعار يتحادثان ربما لفك شيفرة الموسيقى في مقطوعة «رموز».

«في ثناياها» تكون الجولة اجمل، في ثنايا الموسيقى يزهر الحلم وتتفتح رياحين الجمال، في ثنايا الابداع يحلو السهر وتحضر المتعة، في ثنايا الموسيقى يكون اللقاء مع الجمال لقاء حميمي ، لقاء مع الحلم لقاء تتماهى فيه الذوات وتمحي معه كل الحدود والحواجز فالموسيقى لغة الشعوب لغة القلوب عاشقة الحياة والانفس التواقة الى الحب، ثناياها مقطوعة موسيقية اثثت جزء من سهرة ريحانة لاحسان العريبي.

غنيّ...احلم... تونس حلمة حلوة
تتواصل الرحلة الموسيقية ويتواصل الابداع في عرض ريحانة، تتواصل الجولة المشوقة مع الموسيقى، لينفرد احسان العريبي بالجمهور في معزوفة فردية تدك النفس و تجعلك تتساءل آلاف المرات عن الموسيقى وجمالها وقدرتها على التاثير في النفس البشرية، مقطوعة حزينة اثرت في جمهور ليالي الصالحية ابدع في تقديمها احسان العريبي الذي ذاك الطفل الذي تعلم ابجديات الموسيقى في نادي الموسيقى في المكنين وكان اختيار العود صدفة لتولد قصة حب من النظرة الاولى بينه والته الجميلة او معشوقته الفاتنة، ثم كانت الدراسة في المعهد الجهوي للموسيقى بالمنستير قبل ان يكون الحلم دخول المعهد العالي

للموسيقى بتونس.
من باب الصدفة ولدت الحكاية ومع الكثير من الجد والاجتهاد تمكن الفنان من تقديم عرض الريحانة.

لاننا نحب الحلم ولان التونسي يحب الغناء غنت له رفقة بلطيفة اغنية «غني» من كلمات الشاعر الطيب بوعلاق اغنية تقول فيها « غَنِّي خلّي الكلمة تسافرْ بيني وبينك .. مِثْلْ عْصافرْ مِثْلْ خْطاطيف التّرحالْ وذكّرني فِلّي مازالْ من كاسي الِّي ما شْربتوشْ ومن عمري الِّي ما عشتوشْ ومالحلم إلّي بيني وبينكْ ؟»، وفي ليالي الصالحية غنت المجموعة للحب للحلم ولامل متجدد في قلوب عشاق الحياة.
تندفع النغمات هادئة ثم اكثر قوة وكانها في رحلة البحث والسؤال، سؤال عن الريحان والرياحين، سؤال عن ماهية الحب والحياة، موسيقى هادئة وكانها قولة الشاعر في وصفه للريحان :

سأجمع اليوم الورد
إلى عينك
أم خديك أهديه
لا تخجل فالورد أنت
وحدائق الورد في خديك

ثم تصبح الموسيقى اكثر قوة وكانها رحلة بحث عن مفهوم الحياة والحب وكاننا بصوت العود يذكر الحضور بصوت ابو هريرة في بحثه عن الجسد واضطراباته واكتشافه لعالم الشك واللذة، وتصبح الموسيقى كانها الارض تريد الاخصاب ويكون العود وسيلتها الى ذلك فمن ريحانة ابو هريرة ولد اسم العرض وكما حيرة ابو هريرة نجد حيرة احسان العريبي امام الموسيقى ورغبته المتواصلة في البحث.
الزين الصافي...الحاضر الغائب.

يقال ان العظماء لا يموتون واصحاب الكلمة الصادقة واللحن المميز ان غابت اجسادهم تبقى ارواحهم تنير دروب رفاقهم، والزين الصافي شعلة أمل لا تعرف الافول مطلقا وفي مهرجان ليالي الصالحية حيّا احسان العريبي رفيقه الزين الصافي بالموسيقى وللجمهور غنت رفقة بلطيفة «بحارة بحارة» اغنية لها سحرها وميزتها اغنية كانت دوما شعار الحالمين والكادحين.

و تجربة احسان العريبي في الفن الملتزم ولدت في الالفينيات عن طريق الشاذلي الخمسي الذي فكر في مشروع غنائي مع الزين الصافي لتكوين مجموعة «وتر وكلمة» واشتغلنا في العديد من التظاهرات واشتغلنا على غناء من اشغال الزين الصافي والشاذلي الخمسي تجربة اضافت لي الكثير في مسيرتي. على حد تعبير الفنان الذي اتخذ من المبدع رضا الشمك قدوة له.

فاحت الرياحين واستنشق الجمهور عبق الموسيقى الصامدة والرافضة للاستسهال موسيقى لها سحرها وميزتها امتعت جمهور ليالي الصالحية وكان اللقاء مع ريحانة احسان العريبي لقاء مع الحلم والحمال والموسيقى البديلة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115