اليوم الثاني لمهرجان ليالي الصالحية: عرض «طبايع ونفوس»... حين يٌبدع شباب حلّقوا بحلمهم

جميل ان يتصالح الشباب مع موروثه الموسيقي، والأجمل ان يتشاركوا الحلم في صناعة موسيقى تمثلهم وتكون جزء من تاريخهم، في ليالي الصالحية ضرب الجمهور موعدا مع الحلم مرة اخرى حلم قاده الشاب،

شباب عشق الفنون وآمن بالموسيقى فكانت دينه وديدنه، شباب حلم وأراد ان يشاركه الجمهور حلمه.

في المركز الوطني للاتصال الثقافي ضربت مجموعة «طبايع ونفوس» موعد مع جمال الموسيقى والكلمة التونسية الغزلية الحلوة، لقاء او رحلة قادتها كمنجة غسان الرياحي وعود نجد بونوارة و ناي صاليح الجبالي وايقاعات هشام سعيد مع سحر صوت خولة الطاوس وجمال صوت يوسف الوسلاتي.

بين العود والكمان تكون الرحلة
نغماته رقيقة هادئة وكأنها حديث الروح او شجن القلب، موسيقاه ممتعة ساحرة تجعلك تحلم وتصاحبها في رحلة وكانها الفردوس، لصوته الهادئ الاف الشيفرات، شيفرة للحلم وأخرى للسعادة وثالثة للامل، موسيقى عود نجد بونوارة كانت عنوان الرحلة الموسيقية مع طبايع ونفوس، الى جانب العود الة الاخرى هي بدورها كانت عنوانا للمتعة والحلم، تلك الالة الساحرة القادرة على اضحاكك ودفعك للبكاء او التامل، جميعها احاسيس وحدها كمان غسان الرياحي قادرة على توليدها، بين رقة العود وسحر الكمان تغني الجميلة خولة الطاوس مجموعة من اغاني المالوف التونسي، تلك السمراء كالشوكلاطة ترحل بالجمهور الى اغاني الثلاثينات والاربعينات، تغني تونس كما تراها وتمتع الجمهور بصوتها الجميل وغنجها اثناء اداء الاغاني وتقدم اغاني مثل «نظرة من عينيك» و يا هاجرة و «جسمي بعيد» اغان يحفظها الجمهور ويرددها اغان لها مذاقها الخاص وروزنقها وسحرها، اغان هويتها تونسية بادرت مجموعة طبايع ونفوس بإعادة تقديمها ومشاركة الجمهور حيز من المتعة والحلم
فالموسيقى تبعث في النفس الإلهام وقد توقد أيضاً نيران الحب أو الغضب. أما بيانها الساحر فله القدرة على تحريك الناس بطريقة غامضة لا طاقة لهم على مقاومتها وهل يوجد من يقدر على مقاومة غنج الكمان ورقة تغمات العود تلك الالة العربية المنشإ والروح، وكلمة «عود»، كما ورد في القواميس العربية، تعني العصا أو الخشب..

وفي مواقع موسيقية كتبوا ان بداية ولادة آلة العود تعود إلى آلة كانت تدعى «الجنك». وآلة الجنك البدائية هي آلة وترية فيها عدة أوتار طليقة يعطي كل وتر منها صوتا واحدا. لعل ولادة العود القديم من رحم هذه الآلة أسس، بحق وجدارة، لمرحلة جديدة ومهمة في تاريخ الموسيقى وصناعة الآلات الموسيقية. بفضل صغر حجمه وخفة وزنه، فاق العود ذو الوتر الواحد في بداياته والذي يمكّن من الحصول على عدة نغمات، الآلاتِ الوتريةَ التي كانت موجودة قبل ولادته.

و يعدّ العود، أبا لكل الآلات الموسيقية العربية وملك التخت الشرقي دون منازع. يستخدم العود كمرافق للمطربين والملحنين. وفي الفترة الأخيرة، نستطيع أن نجادل، بأنه أصبح آلة مستقلة وقادرة على أن تقوم بعمل منفرد على خشبة المسرح وفي ليالي الصالحية ابدع نجد بونوارة في العزف على العود وامتع جمهوره بموسيقاه المميزة كما نغمات المالوف.

«التونسي والبدوي.. حكاية وعشقة»
.هل يقبل التونسي على الموسيقى البدوية؟ هل يحب التونسي استهلاك تراث الاجداد وحكاياتهم؟ وهل يرغب التونسي في الاستماع إلى نمط موسيقى بدوي الكلمة واللحن؟ الاجابة كانت «نعم» في مهرجان ليالي الصالحية، فبعد المالوف وسطوة العود على الحفل كانت الكلمة في الجزء الثاني للموسيقى البدوية سأقدم لكم مجموعة من الأغاني التي نسميها في تبرسق القصابة، أغان لم تولد من الفراغ، لكل منها قصة وحكاية” هكذا قال يوسف الوسلاتي وهو يقدم الجزء الثاني من الحفل.

يصمت الجميع، تصمت الالات وتنسحب تاركة الفرصة للناي ليشجن ويرحل بجمهوره يصالحهم مع ذواتهم ويدفعك للسؤال اين نحن من هذا الجمال، موسيقى ناي صاليح الجبالي كأنها انشودة للحياة تدخلك في عالم سرمدي قد تضطرب قليلا ثم تعود الى واقعك محملا بترسانة من اسلحة الامل.

يوســـف وســلاتي صاحب الجمهور الى مدينة تبرسق الجميلة، هناك اين تشبع منذ طفولته بأغاني المالوف والاغاني البدوية، وفي الحفل تحدث عن حكاية كل اغنية قدمها، غنى عن مدينته تلك المدينة الصغيرة التي ترتفع 400 متر عن البحر، مدينة ضاربة في التاريخ والقدم

اذ تستمد مدينة تبرسق اسمها العربي من اسمها الفينيقي القديم وهو تُوبُورْسِيكُومْ Thubursicum ويعني سوق الجلود .

وقد ساهم تواجد الماء بكثرة الى جانب قرب تبرسق من الطريق الرومانية الهامة قرطاج – تبسة في شد السكان كما مثلت ظهيرا زراعيا هاما (أهمية المجال الزراعي ) .حينها انتقلت تبرسق من وضعية «بلدية» الى وضعية « مستعمرة رومانية» في عهد غالينوس سنة 261 م ثم تحولت الى وضعية «مدينة رومانية« في عهد سيديم سيفار ‘ امبراطور روماني من أصول افريقية.

أما الحضور البيزنطي فقد بدأ في عهد حنبينيا نوس سنة 533 - 534م وخوفا من ثورة الأهالي المحليين أقام البيزنطيون شبكة من الحصون وقد مثلت الاثار الرومانية المواد التي أقيمت منها هذه التحصينات ومنها خاصة الحصن البيزنطي بتبرسق الذي تقدر قياساته بــ 150 * 14م أي حوالي 2 هكتارات أو أكثر بقليل ويسميه الأهالي بــ«القصر» وقد بني فوق سور روماني به بابان الباب الأول نجده بالشمال والثاني نجده بالشرق على طريق الحدائق الجديدة .

وتم تشييد الحصن في عهد توماس وقد بنيت المدينة داخل الحصن وأحيطت بسور قوي منذ منتصف القرن 6م بصفة عامة وخلال العهد البيزنطي عاد الاستقرار والتطور والازدهار بتبرسق بفضل التحصينات الهامة بها، كما تطورت الحياة الدينية اذ تم تشييد كنيسة مسيحية، وبالموسيقى تمكن الجمهور من معرفة القليل من تاريخ تبرسق.

ليوسف الوسلاتي صوت مختلف وحضور ركحي مختلف ايضا، غنى البدوي او «القصابة» كما يسمونه في تبرسق، تحدث عن «حبيبة» و تغزل «بحمة» الاسمر كما تراب الارض وحكى قصة «كسّار الحجر» فأمتع جمهور المدينة العتيقة جمهور جاء لاكتشاف طبايع ونفوس.

في المركز الوطني للاتصال الثقافي حضرت المتعة والموسيقى الجميلة ومعها رحلة حضارية عبر آلات الناي والكمنجة والعود لاكتشاف جزء من هذا الوطن، فالموسيقى ليست فقط للمتعة بل هي رافد من روافد الحضارة ودرس في التاريخ أيضا، درس قدمه شباب عاشق للفنون جمعتهم الموسيقى والحلم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115