Print this page

حدائق القرآن: الفرق بين معاني الفؤاد والقلب والصدر في القرآن الكريم

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  (القصص: 10). هذه الآية الكريمة هي الوحيدة التي جمعت الفؤاد والقلب معاً ، ونجد ما قلناه عن معنى الفؤاد ومعنى القلب واضحاً جداً فيها ، فالفؤاد هو القناعة العقلية، والقلب هو الأفكار والسلوك

المرتبطان بالمشاعر والأحاسيس. وتقول الآية إن القناعة العقلية التي نتجت عن وحي الله إليها بإلقاء ابنها في اليم فؤاد أم موسى ، تراجعت واختفت فارغاً تحت تأثير مشاعر الأم وأحاسيسها القلب، وكادت تعترف لآل فرعون بأنها أم الغلام لولا أن ربطنا على قلبها أي منحناها رباطة جأش وصبر جعلها تحافظ على كتمان الأمر.

مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى  (النجم: 11). أي أن ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك المشهد لم يكذبه عقله بل أصبح عنده قناعةٌ عقلية بصحته . ويجدر بنا أن نذكر أن كلمة رأى برسمها هذا قد وردت مرتين فقط في القرآن الكريم في سورة النجم لتعبر عن الرؤية بالفؤاد لا بالعين ، بينما وردت في باقي المرات جميعاً برسم رءا للرؤية بالعين .


وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ  (هود: 120 ). أي أننا نقص عليك من أنباء الرسل ما يدعم ويعزز قناعتك العقلية بصحة ما أرسلناك به نثبت به فؤادك .
ثالثاً – الصدر

ورد تعبير الصدر ومشتقاته في القرآن الكريم في 46 موضعاً ، ومن عجيب القرآن الكريم أن قيمة كلمة صدر بحساب الجمّل القرآني هو 46 أيضاً ، حيث ص = 22 ، د = 16، ر = 8 ، فيكون المجموع 46 مساوياً لعدد مرات ورود الكلمة ومشتقاتها في القرآن كله .
وفيما عدا الآيتين يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ  (الزلزلة: 6) .
وقَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ (القصص: 23).
فإن المعاني التي حملها تعبير الصدر تنحصر في معنيين اثنين هما مستودع الأسرار والنيّة، والحالة النفسية . وسوف نضرب لكلا المعنيين أمثلة من ثلاث آيات كما يلي :

• الآيات التي تشير الى كون الصدر مستودع السر والنية :
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِين (العنكبوت: 10).
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (غافر: 19).


قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: 29). الآيات التي تشير الى كون الصدر معبّراً عن الحالة النفسية :
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ  (هود: 12).
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون (الأنعام: 125).


يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ  (يونس: 57) .
وإن تتبعت جميع الآيات الباقية التي ذكر فيها الصدر لوجدتها جميعاً لا تخرج عن هذين المعنيين معنى مستودع السر والنيّة ، ومعنى الحالة النفسية .

المشاركة في هذا المقال