طريق الجنّة: رضا الله تعالى

فالطريق إلى الجنة إذن يمر عبر رضا الله تبارك وتعالى، ونيل عفوه ورحمته.

فمن نال من الله -تعالى- الرضا بعد العمل فهو من أهل الجنة، ولا ينال رضاه إلا من طريق طاعته وطاعة رسوله، بالاستجابة له سمعا وطاعة كما أمر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (الأنفال: 24).

وهو الطريق الذي بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إلا مَنْ أَبَى، قَالُوا: وَمَنْ يَأْبَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»صحيح البخاري.
ومعلوم أن طاعة الله - جل وعلا - هي في طاعة رسوله والاقتداء به؛ لأنه المبلغ عن ربه وصاحب الأسوة الحسنة للمؤمنين بالمنهج الرباني الوحيد الذي ارتضاه الله ويرضاه في الإيمان والعبادة والأخلاق: من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً  (النساء: 80).

ومسلك هذه الطاعة وبرهانها في التقوى والاستقامة على صراط الله المستقيم إيمانا وعملا؛ كما هو أمر الله: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَهود: 112 وهو السبيل الوحيد الذي وجهته إلى الله -تعالى-، لا يتعدد ولا يتغير، ولا اعوجاج فيه ولا التواء؛ لأن عليه سكة قطار التوحيد، قاطرته الرائدة «لا إله إلا الله» تمتد انطلاقته من لدن آدم -عليه السلام- إلى قيام الساعة، ويتعاقب عليه الأنبياء والمرسلون إلى أن انتهت قيادته الأخيرة إلى محمد خاتم النبيين، وكانت عربته المميزة والممتازة لأمته، أمة الخيرية.

قطار من ركبه في كل زمان ومكان نجا من الكفر والضلال وكان من الفائزين بالهداية في الدنيا، والرضا والرضوان يوم القيامة، ومن تخلف عنه فهو من الهالكين.

يقول ابن مسعود رضي الله عنه عن تشخيص نبوي مبين: «خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطًّا ثُمَّ قَالَ هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ. ثُمَّ قَرَأَ: «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

وإذا علمنا حقيقة طريق الجنة، وأن الآجال محدودة، والأعمار معدودة، فأولى لنا أن نسارع ونبادر إلى نيل عفو الله ومغفرته ورضاه الذي هو مفتاح الجنة، كما يحضنا ربنا على ذلك ويرغبنا: سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ‏ (آل عمران: 133 - 136).

تلك صفات أهل المغفرة والرضا الذين يفوزون بنعيم الجنة، وذلك أجر العاملين المسارعين والمبادرين الآجال والموانع بالطاعات والقربات: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء  (آل عمران: 134) ابتغاء وجهه الكريم، إنفاق المال وصالح الأعمال، والذين يكظمون الغيظ بحلمهم فلا ينفذونه وهم قادرون، عملا بقوله - عليه الصلاة والسلام -: «ليس الشديد بالصرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»متفق عليه.

والذين هم أهل العفو والصفح في معاملة الناس ولو نالهم منهم الظلم؛ لأنهم يرجون بذلك عفو الله: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم (النور: 22).
وهم أهل محبة الله لأنهم محسنون: إحسان الإيمان والتوحيد، وإحسان العبادة والأخلاق والمعاملة، كما يحسنون بالبذل والعطاء: «والله كتب الإحسان على كل شيء».

«والذين إذا فعلوا فاحشة» بجهالة أو ظلموا أنفسهم بالمعاصي، عجلوا بالتوبة النصوح والإنابة والاستغفار والإصلاح ولا يصرون غافلين ولا مستكبرين، فيتوب الله عليهم، وقد يبدل سيئاتهم حسنات  إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (الفرقان: 70).

فلنبادر - إلى العمل بكل ما يرضي الله -تعالى- عازمين صادقين، مقتدين برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، غير متقاعسين ولا مسوفين، فإن إحسان الظن بالله وحده، والاتكال على عفوه ورحمته بغير عمل جهل واستخفاف وركون إلى الأمل العقيم وليس ذلك من خصال المؤمنين: ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (الحجر: 3).

أما أهل الرضا والرضوان ونعيم الجنان، فهم على الإيمان والاستقامة، يتلقون من ربهم هذه البشارات العظيمة  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (فصلت: 30 - 32).

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115