سلسلة «دنيا أخرى» على الحوار التونسي: دنيا أخرى في السطحية والتهريج ...

يحدث ان تجتمع كل معالم السواد في عمل درامي، يحدث ان تنقلب الكوميديا الى تراجيديا ويحدث ان تسرق الضحكة وتعوض باشمئزاز وتساؤل عن مصير الكوميديا في تونس ويحدث ان تشاهد سلسلة «دنيا اخرى» في جزئها الثاني وتتساءل آلاف المرات احقا هي سلسة كوميدية

احقا هو سيدكوم يعالج او ينقد الواقع، هل واقعنا سوداوي إلى هذا الحد هل الواقع في تونس تتحد فيه كل عوالم الجريمة وهل العنف المادي اصبح جزء لا يتجزأ من المشهد الدرامي التونسي.
دنيا اخرى في جزئها الثاني سلسلة عن فكرة اصلية لسامي الفهري ونص وحوار لبلال الميساوي واخراج قيس شقير، تمثيل الصادق حلواس وكريم الغربي و نعيمة الجاني وحنان الشقراني وبسام الحمراوي وفيصل الحضيري وسامية الطرابلسي، سلسلة تميزت بجنيريك البداية جد المختلف وله طابع خاص واداء الصادق حلواس.

هل العنف يضحك؟
لم تخلُ حضارة من الحضارات من روح الدعابة التي تطورت عند بعض الحضارات لتصبح فنّاً مستقلّاً له أصوله وضوابطه، وبقي في حضارات وثقافات أخرى مجرد شذرات متناثرة في تفاصيل الحياة اليومية والقصص الشعبية، ولم تخل الدراما التونسية من الضمار والفكاهة والسيتكومات والسلسلات الفكاهية التي عادة ما تنتقد الواقع وتقدم النقد بطريقة ساخرة ومضحكة، ولكن في دنيا اخرى اعتمد اسلوب جديد للإضحاك هو العنف؟ فهل العنف اصبح مضحكا؟ هل الاعتداءات الجسدية والمعنوية اصبحت مضحكة وطريقة للسخرية؟ اسئلة قد تطرحها حين تشاهد سلسلة «دنيا اخرى».

ففي الجزء الثاني للسيتكوم وكالعادة نجد كريم الغربي (ممثل مبدع ومميز ووجه مختلف في المسرح) نجده في دور البطولة صحبة الفنان الصادق حلواس، كريم الغربي في دور صبري اكثر المعنفين في السيتكوم فمنذ الجزء الاول وهو المعنّف، شاب ابن حي شعبي غير مثقف يعيش على الماهية وفجأة يربح صديقه «البرنس» ورقة بروموسبور ويتعرض الى حادث سير لتؤول كل الاموال لصبري ومن الحي الشعبي يجد نفسه في حي فخم ومنزل غير المنزل وموضع غير الموضع وتكون وسيلة البرنس هي العنف دائما لمحاولة استرداد بعض امواله، النقلة النوعية من الفقر الى الغنى صاحبها الكثير من الخيانة ونكران المعروف والتنكر للحي الذي جاء منه واصدقاءه القدامى وغيرها من الصفات التي نقدت منذ اغنية الجنيريك « سبحان الله مغير الأحوال الجيعان صبح سلطان، بنادم دواه كي يشوف المال يولي خوّان» والاغنية من كلمات وغناء اكرم ماغ.

العنف في دنيا اخرى يسرح ويمرح ولا من سؤال، في كل حلقة هناك نسبة من العنف واكثر من 60 بالمائة ضرب وعنف جسدي ففي الحلقتين العاشرة والحادية عشرة على سبيل المثال هناك اكثر من 30 صفعة مع مشهد تعليق صبري و تهديد بالسكين واللعب ب ّمومو» مثل الكرة و البقية عنف لفظي ومنها الكثير من النعوت السلبية التي نسمعها في الشارع التونسي ففي الحلقة الحادية عشرة مثلا وفي حوار صبري وسمير (حوار مدته دقيقتان) هناك اكثر من ثمانية نعوت سيئة والفاظ جميعها تصب في خانة الثلب والشتم والتجريح ، ونادرا جدا ما تقدم حلقة دون ان تكون مشفوعة بما لذ وطاب من ضرب وتهديد ووعيد، فهل العنف اصبح وسيلة للاضحاك؟ هل بالتعنيف يمكن اخراج الضحكة وشد انتباه المتفرج؟ ربما نصفت نسب المشاهدة سيتكوم دنيا اخرى؟ ربما نصفه الاشهار والمادة، ولكن هل تغليف الكوميديا بالضرب والشتم والثلب امر مضحك؟ وهل اصبح استسهال الكوميديا عادة في التلفزة التونسية وهل ببعض التهديد والوعيد يمكن صناعة الفارق؟ وهل الصفع واللكم والخنق باتت عناصر لا محيد عنها ضمن الطبق الدرامي التونسي؟.
في دنيا اخرى يكون العنف هو الطبق الرئيسي، مواقف عنيفة ومشاهد اعنف والفاظ اكثر عنفا، جميعها اتحدت لتقدم صورة مشوهة عن الكوميديا التي عهدها التونسي تنقد وتضحكه وتزيل عنه ارق اليوم، قبح تشتت في السلسلة كما حبات الرمل حاول اللمخرج والممثلين جمعها لتقديم مشاهد بها الكثير من الضيم والعنف.

سخرية واستسهال حد السذاجة
هل الكوميديا سهلة؟ ام ان البعض يميل الى الاستسهال؟ هل الصفع يوميا مضحك؟ هل السبت والشتم واللطم مضحك؟ هل تعليم احد الاغنياء «البراكاج» و «النطرة» و«السرقة» مضحك؟» هل هروب سارق من كلب شرس مضحك؟ هل سذاجة سمير (بسام الحمراوي) وغباءه مدعاة للضحك؟ هل نعت لميس (حنان الشقراني) ب»السطافات» والشاحنة الثقيلة وغيرها من النعوت امر مضحك؟ واسئلة كثيرة تطرح مع سلسلة دنيا اخرى؟.

دنيا اخرى جمع ثلة من الممثلين التونسين ولكنهم لم يقنعوا ولم يبدعوا بل سقط اغلبهم في التهريج حد الابتذال فكريم الغربي في دور صبري ممثل يعرفه التونسيين جيدا ممثل «ضامر» له قدرة عجيبة على شد انتباه المتفرج ولخفة روحه حضورها الدائم ولكن في دنيا اخرى نجده مقلقا غير مضحك وأداؤه تراجع عن الجزء الاول.

ممثلة اخرى لها مسيرتها الطويلة في الدراما والكوميديا الممثلة نعيمة الجاني في دور منجية ام صبري، نعيمة الجاني في دنيا اخرى لم تقدم الاضافة للعمل ولم تقدم الجديد للمشاهد التونسي، ممثلة اخرى نجدها تائهة في السلسلة تعتمد بعض البسذاجة والاضحاك علها تقنع المتفرج، الممثلة حنان الشقراني في دنيا اخرى ربما اعجبت البعض ولكن الاغلب يرجح ان اداءها لم يكن مقنعا وبعيد كل البعد عن الكوميديا فالأكل الكثير ولا السذاجة ولا التلقائية المبالغ فيها باتت تضحك التونسي.

دنيا اخرى صنف على اساس انه عمل كوميدي ، غابت عنه الكوميديا، عمل انخرط في سباق الاشهار ونسب المشاهدة متناسين ما يقدم وتأثيره في المشاهد كبيره وصغيره، سيتكوم او سلسلة ضعيفة النص وربما استسهلوا الكوميديا حد السقوط في فخ استبلاه المشاهد، في دنيا اخرى لا وجود لانموذج سلوكي يمكن اتباعه، فهل البراكاج والتعنيف والسب يمكن ان يتبعهم الصغير؟ وهل السخرية من مرض احدهم وجسده سلوك جيد ولم كل تلك النمطية والسلبية في تصنيف المرأة فهي اما خائنة وطمّاعة كما شخصية زهرة او غبية وساذجة كما شخصية لميس او ام لا مبالية كما شخصية «ام موم» او شخصية متصنعة كما منجية؟ فهل التصنيف السلبي وحده يمثل المرأة التونسية.

دنيا اخرى سلسلة كوميدية اساسها العنف، ربما نقدوا بعض المظاهر السلبية وأهمها كيف تغير المادة الانسان ولكن النقد لم يرتقي الى درجة الابداع واكتفوا في السلسلة بالعنف بكل اشكاله وألوانه، عنف لا مبرر له في الكثير من الاحيان عنف يطرح سؤاتل هل الكوميديا فقط عنف واستسهال وهل اصبحت الكوميديا مجرد سكاتشات تقدم في برامج قناة الحوار ثم يتم تجميعها وتلصيقها لتصبح سيناريو لسلسلة كوميدية تائهة المضمون والشخوص؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115