Print this page

طريق الجنّة: سبل نيل الجنة

إن المؤمنين هم وحدهم يفقهون حقيقة دنياهم الفانية، وآخرتهم الباقية بما يعلمون من كتاب الله وسنة رسوله، فيحسبون الحساب الأكيد ليوم الوعيد، ويتزودون له بخير الزاد من أجل أن يكونوا من أهل الجنة، أهل الفوز الأبدي: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (الحشر: 20).

وإذا كان كل من يؤمنون بيوم القيامة، يتشوقون إلى الجنة ويرجونها، ويسألها من يسألها إلحاحا في الدعاء، فهل كل الناس يعملون من أجلها ويجدون ويتنافسون، كما يجدون ويتنافسون في متاع الدنيا الفاني؟.
فمن أجل الدنيا للدنيا يسهر أكثر الناس ويفكرون ويخططون ويتعبون ويضحون ويكيد بعضهم لبعض أو يبيد بعضهم بعضا.

يفرحون لنيلها ويتحسرون لضياع متاعها، لكن أين من يعمل للآخرة بمثل ذلك من الطموح والعزم والحزم والجد والتضحيات، إلا قلة من العقلاء الموقنين بما ينتظرهم لما بعد الموت ويرجون النعيم الأبقى في الجنة، يعملون لها بما هم مأمورون به في دنياهم، ولا يفرحون إلا لما نالهم من فضل الله -تعالى- في الطاعات والقربات: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس: 58).

فالجنة سلعة الله الغالية، فيها من النعيم المقيم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومهما اتسعت طاقات الخيال في تصور نعيمها، فإنه أوسع وأسمى، لا تحيط به الأوصاف، إلا ما أخبر به الله -عز وجل- ورسوله مما أعد - سبحانه - لعباده المتقين  فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة: 17).

وإذا كان العمل للجنة مطلوبا بالتأكيد، وذلك أساس التدين كله: وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (التوبة: 105).
فلا معنى لرجائها بغير عمل، والله - تعالى- يقول: وَتِلْكَ الْجَنَّة الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الزخرف: 729.

لكنها مع شرط العمل، لا تنال إلا بفضل الله -تعالى- ورحمته وإحسانه، حتى لا يغتر العاملون بأعمالهم وينسون فضل الله عليهم وهو الذي لولا توفيقه إياهم لصالح الأعمال في طاعته ما اهتدوا إليها ولا تيسرت لهم.
فمهما كانت أعمال الطاعات، فلا ينبغي الاعتقاد بأنها وحدها تفضي بصاحبها حتما إلى الجنة، وإلا فإن أعمال طاعاتنا كلها لا تساوي من النعيم المقيم شبر مكان ولا دقيقة زمان.

حسبنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أفضل العابدين وإمام المتقين، وأكرم الخلق على الله أجمعين، وقد كانت حياته كلها طاعة وعبادة وذكرا، ودعوة وجهادا وتضحيات من أجل دين الله -تعالى-، وهو الذي يقوم بين يدي الله ليلا حتى تتفطر قدماه، وتشفق عليه زوجه عائشة، فتقول: هون عليك، أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول:» أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!» «رواه الشيخان.

ومع كمال عبوديته وعبادته - عليه الصلاة والسلام -، ما كان يطمع في الجنة بعمله، وإنما يرجوها بفضل الله ورحمة، وفي ذلك يقول - عليه الصلاة والسلام -: «لنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ» قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ منه وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ؛ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ»الشيخان.

ولو كانت الجنة بالمقايضة مباشرة، لما استطاع أحد بطاعات العمر كلها ولو طال، أن يفي بواجب الشكر لنعمة واحدة من نعم الله التي لا تحصى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا (النحل: 18).

المشاركة في هذا المقال