فلتكن للثقافة العَربية المعاصرة العامية والعالمة الشّجاعة الفلسفية لتنظر إلى نفسها في مرآة ماضيها وعصرها (الجزء الأخير)

• من أجْل وعْيٍ فلسفي «أوركسترالي» جديد للإقامَة في العالم جماليا...
( مُقاربة ذاتية وذاتية جدا..)

• إهداء خاص: إلى المشرفين والمشرفات على «النادي الثقافي» بمدينة «مطرح» بسلطنة عمان, إلى الأديبة عائشة الدّرمكي وكل الذين شرفوني من سائر العرب بحضورهم محاضرتى هذه وشاركوا بحيوية في هذه «الحوارية الحرة» إليهم أرفع هذه الورقة.
سليم دولة -الكاتب الحُر- تونس

لقد خرجنا من «عالم المطلقات» - أو هكذا توهمنا- ومرجعية الواحد الوحيد الأوحد تلك التي قدمت نفسها وفقا لمنطق خصوصي يحتكر لنفسه «المطلق» ويتسمى بحامل «الخير المطلق» و«الاسمي» وينسب نفسه «للكمال الإنسني» بلغة الفارابي.

وهذا الحكم على الذات تأسس علنيا وسريا على تحقير حقير للآخر المختلف نوعا وجنسا وجهة وهوية باُسم تصور مخْصوص خاص وخصوصي «للعقل» و«للثقافة» و«الحضارة» وللفلسفة بالذات, في مقابل القول «بدونية» وتدني الأغراب الذين لا يزيد مقامهم عن مقام «المتوحش» أو «البرابري» أو «المتخلفّ» وفي أحسن أحْسن الحالات نصفه «باللاّكتابي» و«اللاّديمقراطي». إن هذه النظرة الاستعلائية إزاء الآخر المختلفْ محليا وكونيا لم يــسلم منها كل الفلاسفة وكل على طريقته وذلك في شكل لوثة «اللأنانة الحضارية» بمركَزة الكل على الذات تكريسا لعقدة «المركزية الإتثنية» باستثناء عقول الآحاد من الفلاسفة - الحكماء التي تمرست بالتأمّل العميق في شأن شؤون الإنسان وإن هي تخوض الحياة مع العامة والعوام متعرضة إلي نزالات ونذالات الأخلاق السوقية غير أنها استطاعت قولا وممارسة أن ترسم لنفسها مسافة نقدية بينها وبين طوفان الاستهلاك الهلاكي اليومي المسكون بالجوع الموجع للملكية على حساب الكينونة والانتصار الإفصامي المرضي لصالح الذات على حساب «الصالح العام». الأمر الذي شخصه (هيجل) في أكثر من موضع أمام طلبته حول «فلسفة تاريخ الفلسفة». هل اختفت تلك التصنيفات العرقية المتعصبة والتي كنا نتوهم أنها زالت باشراقة «ثقافة الأنوار» واختفاء المطلقات..اذ أننا أصبحنا نعيش زمن العلاقات والعلائقي المتحول... وليس زمن الهويات «الجامدة» سواء منها «المتسامحة» أو «القاتلة», الهويات الانبساطية المرنة والفرحة التي تتأسس على «الغيرية» المحببة والإيثار الكريم وما يستتبع ذلك من سلوك أليفٍ للألْفة أو تلك التي تُبنى على ثقافة «الإنقباض» والضغينة والغُل والغيبة و الإغتيال والعُبوس وما يستتبع ذلك من استئثار وأنانية فاحشة الآثار على الآخر: الإنسان والطبيعة والحيوان كذلك وأيضا فكرة الله. هل قرأنا ( الإعلان العالمي لحقوق الحيوان ؟) هل حققت الثقافة العربية حقا وحقيقة منذ القَدامة... وصولا إلى «الحداثة» عُبورا إلى «ما بعد الحداثة» الحقوق الحيوانية للإنسان «لتتحدث عن حقوق الحيوان» وإن كان بعض الحكماء كما «إخوان الصفاء وخلان الوفاء» قد اهدوا الحضارة البشرية رسالة رائعة «في تداعي الحيوان على الإنسان»... لتعريّة «الظلم», أكبر رذيلة ارتكبها من إرتكبها... هل «الثقافة العربية المعاصرة تصغي لفلسفة عصرها بالتفكير والتدبير أم أنها تكتفي في الأغلب الأعم رغم خطورة التعميم» بالببغائية السمجة» و«القردية المسوخية» في التريد والتقليد الضريري الأعمي «لأقوال الفلاسفة». ما أبلغ حكمة الحكيم الصيني وهو يردد على الملأ السعيد حكمته «كلما أمعن قرد في التسلق بانت مؤخرته أكثر» .ألسنا في مسيس الحاجة كذلك وأيضا الى «علم في الإخَارة» (علم التأخر يـحَفر أرض ثقافتنا ويجهر بعيدا للبحث عن الأسباب العميقة المعقدة لتخلفنا) ليس بالمقارنة بمنجز سوانا فقط وإنما بممكنات العقل الممكنة التي عندنا وما أورثنا الحضارة العربية من أسباب انتصارات وانكسارات . آه ما أشد وحشة حياة من تفكر بنفسها ومن يفكر بنفسه في ديارنا وما أبلغ ما شرقت به روح مولانا جلال الدين الرومي: «ما أشد ضيقي بهؤلاء الرفاق ذوي العناصر الواهية». قال صاحب «يتيمة الدهر»:

«معادة الكتاب ليست من أفعال ذوي الألباب وأن مماراتهم ندامة ومسالمنهم سلامة ( ...) وما ظنك بقوم يملكون أزمة المنى والمنايا بحسن ملامهم ويريقون دماء الأعداء بأسنة أقلامهم وقديما أغنت كتبهم عن الكتائب ففي سواد مدادهم بياض النّعم وحمرة الدم».

إذا كان كما هو كائن في الآن الحضاري: ليس للفلسفة من وطن إذ كل الشّعوب قادرة على الفلسفة و فعل التّفلسف فإن للفلاسفة أوطانهم وأممهم التي أنجبتهم وان هي شردتهم أو اذلتهم أو قتلتهم فلي وطني وأمتني ... وقديما قال الشاعر - الفيلسوف: مخاطبا أهله حين محنة: «دافعوا عن عقُولكم كما لو أنكم تدافعون عن حصون مدينتكم».

أقول لي وأقول لكل حرّ وحرة من الأهل في هذا «المراح» من المنتظم الحضاري العربي ما قال الشاعر العظيم طاعون لنفسه قبل سواه: «إذا كنت تبْكي لأنّك لم تر الشّمْس فسوف تفوتك رؤية النجوم» فشكرا «للحب» «حب الفلسفة» و«فلسفة الحب» التي وفرّت لي فرصة السّفر من «تونس الوطن» إلى وطني «عُمان» .ويبقي مرة أخرى وما يليها :
المجدُ» لواهب العقل»،
المجدُ» لواجِب الوجود»,
« المجدُ لممكن الوجود»,

المجدُ للكريمات والكرماء وللحرائر والأحرار أهل «الجُود» قيمة وممارسة وتشقيقا إرتوازيا سَقْويا فلاحيا «لمعنى الحُبّ». لقد كان «ايروس رب الحب» فيلسوفا يصارع الإله الموت «تاناطوس» شقيقه الأبدي فلتكن للثقافة العَربية المعاصرة «العامية» و«العالمة» «الشّجاعة الفلسفية» لتنظر إلى نفسها في مرآة ماضيها وعصرها عسى أن نقـتـصد في أسباب الشقاق بين «الأشقاء», وفي تبذير الذكاء ونعمل سويا على فلاحة معارفنا وعواطفنا .فمزيد من الحب , وحب الحب . إن جرعة أخرى من الفلسفة تزيد من تأمين الوضع الصحي للثقافة المعاصرة في المنظم الحضاري عندنا نحن العرب.

أورد من حُرقّت كتبه في الأندلس ضمن من حُرقت كتبهم ابن «حزم الظاهري» عن واحد من اسمه «عثمان» وهو من كبار المتصوفة , قد كتب على باب داره بالأحرف الكوفية, كتب: «يا عثمان لا تطمع» فَكتبت أنا حين عزلة «فلسفية» على باب شقتي في تونس العاصمة أسوة بهذا المعلم « يا سليم ولد دولة لا تطمع » . فتحررتُ.. غير أني هنا في « عُمان » و مدينة « مطرح » .هنا بينكم طامع في محبتكم .. سلامي واحترامي لكل الذين جعلوا هذا اللقاء ممكنا, واحدا واحدة . دمتم أحرارا و حرائر ... واني على يقين أن « عُمان » أرضا وشعبا .. وأفقا حضاريا وردة شوق في الوجدان والمجدُ مرة أخرى وأخرى وما يليها المجد « لواهب العقل»,
المجدُ» لواجِب الوجود»,
« المجدُ لممكن الوجود»,
المجد لهذه الأرض ولناس هذه الأرض.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115