فلتكن للثقافة العَربية المعاصرة العامية والعالمة الشّجاعة الفلسفية لتنظر إلى نفسها في مرآة ماضيها وعصرها (جزء 2)

- من أجْل وعْيٍ فلسفي «أوركسترالي» جديد للإقامَة في العالم جماليا...- ( مُقاربة ذاتية وذاتية جدا..)


إهداء خاص : الى المشرفين والمشرفات على «النادي الثقافي» بمدينة «مطرح» بسلطنة عمان , إلى الأديبة عائشة الدّرمكي و كل الذين شرفوني من سائر العرب بخصورهم محاضرتى هذه وشاركوا بحيوية في هذه «الحوارية الحرة» إليهم أرفع هذه الورقة .

يا لحاور هو من أخطر الأمراض التي يمكن أن تعتور حضارة الإنسان كما السائد في الغالب بين العرب والعرب وبين العرب والعالم لقد حكمت الحياة العربية ولقرون باللغو والإلغاء... لذلك ربما نفهم تأكيد واحد مثل هيدجر على أن اصلاح اللغة هو المدخل الرئيسي للخروج من الأزمة المحدقة بالعالم الذي انتصرت فيه الفلسفة الهوبزية بنزوعتها الذئبي على الملائكية الإفتراضية الروسوية في ما يتعلق بطبيعة الطبيعة الإنسانية التي تؤكد كل الفلسفات على إعادة النّظر في شانها فلسفيا - أنروبولوجيا كما فعل ميشال فوكو وتشومسكي في زمن ليس ببعيد وادخار موران و بوريس سريلنيك حديثا؟ فهل أعادت الثقافة العربية المعاصرة النظر تدقيقا وتحقيقا في طبيعة هذه الطبيعة افنسانية التي تطبعت بثقافة القدامى التي ترى الزمن القيامي هو الخاتمة وفي الإنسان غير أفقه الظالم والظلامي وتصمت عن سائر الإمكانيات الممكنة التي تغفو في طبيعة هذه الطبيعة ونغفل فعلا على أن المجتمعات المختلفة تعلم أشياء مختلفة حتى في أكثر الإبعاد حميمية كما هوّ شأن الذكورة والأنوثة التي هي لعبة نتعلم قواعدها من المهد والمعهد . كم هي كثيرة مواطن المسكوت عنه والمكبوت النشيط سرا في ثقافتنا العربية المعاصرة رغم انخراطنا الفرجوي الإستهلاكي في الحضارة الرقمية الـمُترننة... وتمتّعنا بمزايا رسائل من يحلو لي تسميته حبريل الرقمي ومن أقصد غير المبجل «جوجل» ملاك الحساء الإفتراضي.

يسكن الثقافة العربية في عمومها صمت غريب عن ما يمكن تسميته لي تسميته النضال الميكروسكوبيكي - المجهري في مقابل اعتناء غوفائي بالقاضيا المصيرية الكبرى كما التحرر الوطني وذهلنا عن القضايا الصغري كما الصحة العاطفية لدي الصغار أو الإنهمام الجمالي بالعش المشترك الايكولوجي وما يمكن تسميته شعرية الحياة وفق تصور انبساطي مع الذات ومع الآخر شريكنا الأرضي على هذه الأرض . نسيا - وكم ننسى - أن احتلال الأرض من قبل الغزاة هنا وهنا في الموجوع والموجع في بالجيش والطائرات والدبابات قد مهد له المحتل بإنهاك الذات ثقافة وقيما وتصورا للعالم ورؤية للحياة. ثقافة الشعوب إنما هي اسمنتها المسلح ضد الدمار و الانهيار. قد تهزم الشعوب لأصالتها وعراقتها وقد تتنصر شعوب أخرى لحداثتها ولقاطتها اذ لم تع هذه الشعوب المهددة بالحاجة المتجددة لمراجعة ارثها وتراثها ورؤيتها لذاتها... وللأخر وللمكن مستحضرة رأسمالها المغفول عنه من الأخطاء والحماقات التي ارتكبتها سلالتها وهو رأسمال ثمين جدا يفيد الصحة الحضارية للأمم في الحاضر اكثر مما تفيدها ناحاتها في الماضي. ما أدق وأقسى وأقصى عبارة صاحب كتاب العبر وهو يعزي العرب حين غروب شمسهم بقوله .يقول كأن لسان الكون ناداهم: أن أدبروا فاستجابوا له . ما يعنيني أن الفلسفة كانت دائما مقترنة بالوعي بالأزمات تصغي للصائت والصامت في المجتمعات والحضارات.هل هي صامته اراديا الفلسفة في راهن حضارة العرب...؟ أم هي مجبرة على الصمت ..؟ هي هذا وذاك وياللمفارقة .يكتب أحد متفلسفة العرب وعلى طريقته ...الفلسفة هي التي سوف تنقذنا مثلما أنقذت حضارتنا سابقا وجعلتها أعظم الحضارات في العصر الذهبي المجيد من تاريخها ولن يصالح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ألا وهو الجمع بين ثلاثة أطراف دفعة واحدة : الدين والعلم والفلسفة .. هكذا كتب صديقي المترجم و المتفلسف والمقيم في بلاد الأنوار هاشم صالح في كتاب الإنتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ ص234 دار الساقي الطبعة الأولى 2013 ) ليقول مشخّصا أحوال ديارنا الثقافية في مكان أخر من كتابه ... ماذا تريد أن تعطيه مجتمعاتنا المعاصرة في الحالة الراهنة للأمور ؟ أصغر شيخ في أصغر قرية أهم من أكبر مثقف في تونس أو دمشق وكلامه معصوم ..هذه حقيقة .يكفى أن يتمتم ببعض التسبيحات والبسْملات حتى يغلبك في أول مناظرة تلفزيونية بل وبقضي عليك بالضربة القاضية... ليضيف بنبرة لا تخلو من يأس ... أعتقد شخصيا أن جيلنا عاجز وحده عن تحقيق هذه المهمة العظيمة . بل ولا حتى في الجيل الذي سيليه.. (ص 316) . شخصيا لو كنت يائسا لما كنتُ كتبت ما كتبت منذ الثمانينات كتابي الجراحات والمدارات الذي احتفى به كتابيا شقيقي الحبري الرائع هاشم صالح بالذات . ..ولما كنت أتيت من تونس إلى عمان .. وان أنا أعلم علم المحزونين والمحزونات أن في التعبير عن اليأس أحيانا بعض الشفاء كما صرخ شاعرنا أبو القاسم الشابي شاعر إرادة الحياة على طريقة الشاعر الطّرماح قبله بقرون وقرون . كتب الشاعر التونسي إني يائس من المشاريع التونسية...

لا بد من الارتفاع بهذا الصّمت إلى مستوى الخطاب إذ الصّمت كما تقول اللغة العربية العَذْبة والمعذّبة والمغذَّبة إنما هو انقطاع عن الكلام بالرغم من المقدرة عليه ... الذي يعنيني في الثقافة المعاصرة عربيا وكونيا تحيين تعاليم الحكمة الخالدة بتبئتها محليا كأن نقوم بمحاولة سَقْرطة الفلسفة ( نسبة إلى سقراط الحكيم الشعبي وجوّاب الساحات والمطارح العمومية ) سقْرطة تلك الفضاءات العمومية المحلية عن طريق النوادي التي يجب أن تتحوّل تدريجيا إلى أغوراهات متنقلة جوالة بما تنظمه من حوارات ثقافية حرة بعيدا عن التصوّر المعالم أو الغوغائي الدّهمائي للثقافة بالمعنى الأنتروبولوجي الشاسع الواسع للكلمة للمساهمة في تكوين أجيال تتدرب بوعي على أن المجتمعات المختلفة تعلم أشياء مختلفة وأن كل الثقافة إنما هي مجموع التدابير والمهارات والتقنيات والإجراءات الإحْتفالية والجنائزية لسياسة اللذات والآلام وتدبير شؤون الجسد والروح , شؤون الحياة والممات... ويكون حب اللغة الأم ذلك الذي اسماه أهل اليونان الفيلو - لوغوس دونه لا يمكن تدشين قارة الفلسفة ولا ممارسة التفلسف دون عشق اللغة الأم المرضعة الحقيقية للحضارات ولا بتجاهل سائر اللغات الممكن حِذقها ...عن ظهر عقل.

سوف أكون مخلصا لعَادتي الكتابية و أستحضر في ورقتي بعض شَذارات من أشقائي في المعنى والمحنة - والمعنى من كلّ شيء مِـحْنته كما تقول حكمة العرب اذُ ما من ذات كاتبة إلاّ وهي مُكوّنة جينيالوجيا نسابيا من ذوات أخرى ... وأن الأنا أفكر إذن أنا موجود الديكارتي . ذلك الكوجيتو مُدشن الحداثة في الفلسفة الغربية تم تفكيكه لنكتشف فلسفيا وشعريا أن لا معنى للحديث عن الذات المتفلسفة , الذات العاقلة دون استحضار آخرها: المجنون .. والفوضوي والكسول و القاتل وأن فكرة الشفافية المطلقة ( ثقافة عامة , دينا , عرقا وجهة وجنسا قادت وتقود إلى العُنف والفاشية وكل ضروب الإنغلاق والدّغمائية والإستبداد بالمعنى اللغوي : اسْتبدّ جعل من نفسه بدا : أي ربا مقّدسا, إذ ما منْ عنْفٍ أعْنف من ذلك الذي يَرتكبه الإنسان المسلح باسم مقدس ما , ديني هذا المقدّس أو دنيوي فهل من سبيل الصُّدفة الخالصة أن تتحدث الحضارة المعاصرة الغربية عن الآله الكروي ( عنوان كتاب ) وعن كون الله امريكي ( عنوان كتاب ) أو أن يلهج جورج بوش الابن بعبارة مثل قوله (لأول مرة أشعر بأن الله في البيت الأبيض) . المهم عندي حين هذا الحين التنبيه مرة أخرى إلى أنّ الذوات الإنسية الفردية والحضارية إنما هي ذوات مركبة من أرومة معرفية و عرقية ...ورمزية متشابكة ومُعَقدّة ...وهو ما من شانه أن ينسّب أحكامنا القطعية حول ذواتنا وحول الأخر المختلف المحلي والكوني القريب والبعيد ويفتح بابا ملكيا لثقافة التسامح و الكرامة والضيافة الحاتمية والكرم... في زمن استفحل فيه ما يسميه فيلسوف الوجودية الشهرزادي التونسي مصطفي كمال فرحات البُخل المروزي.

إن كوجيتو الحداثة فلسفيا وحضاريا تمت مراجعته نقديا تأزيميا باُسم الوعي البيئي الايكولوجي فالوعي الأخضر أصبح في يومنا الحضاري يقرأ الكوجيتو الديكارتي, الأنا أفكر إذن أنا موجود سليل الشّك المنهجي على أنه بيان حرب ضد الطبيعة وبالتالي ضد الإنسان ذاته ... إذْ جعل من الطبيعة موضوع عزو واقتحام حين رفع شعارا أثيرا على مَشْرع الحداثة ومشروعها : يجب أن نجعل من الإنسان مالكا للطبيعة وسيدا عليها. هذه النزعة البروميثوسية تمت مساءلتها باسم كرامة الذات الانسانية وباسم حقوق الحيوان والشجر... وقداسة الغابة ألم يتم عزو الإنسان الأقرب ما يكون للطبيعة باسم أنموذج اقتحامي خصوصي للنور والأنوار باسم ما يمكن لي تسميته و عود التقدّم ضد خيبات القدامة ... وباختصار أن إنسان الحداثة هو في مقام الإنسان المبتور, كأنما هو قد استطاب نومه على سرير قاطع الطريق اليوناني بروكيست: فإما هو حارث للسماء تقوده نقمة منقطة النظير على الأرض ... أو هو مُنغرس في لحم الأرض وأطيانها دون مُقدرة على رفع الرأس والنظر إلى كتاب السّماء .. إما منتميا للحداثة الدونجوانية دون انتباه إلى ما في القَدامة من مكاسب أقلها وأثمنها على الإطلاق في رأيي ما يمكن لي تسميته.

رأسمالنا العربي الإسلامي من الحماقات والأخطاء التي يجب وجوبا حضاريا وأخلاقيا وجماليا الاستفادة منها لئلا نكررّها تلك الأخطاء و الحماقات . كأن ندرك أن أردأ الأدب ما كان وسطا ( فلا نقمع الإعمال الإبداعية بأية تِعلّة كانت ) مثلا لذلك استحضرت بكل وضوح وتميز بعض شذارت حكميّة لبعض أهْلي من مَشارب شتى استحضار غير بريء أصلا بل هو استحضار آثم عن وعي بالمعنى المعرفي: - وأني لأعذر العوام وأمثالهم العَارين من الحكمة أن يغلطوا في تدابيرهم الفاسدة (...) ويخفى عليهم وجه الصواب... فيرومون الحلّ بما يفسد ,بما يخالف الواجب لخفاء القوانين العلمية عليهم وأمّا أن يـجمع الواحد بين حكمة العلماء وتدابير الجُهّال فهو أعجب العجب ...

( الطغرائي: حقائق الإستشهاد رسالة في الكيمياء والرد على ابن سينا ).

فماذ فعلت نخبنا العالمة فلاسفة وشعراء ومؤرخين... بالسّاسَة عندنا غير أن:
قبّحت الجميل فينا وجمّلت القبيح منا . مع احتراماتي الشاسعة للمخلصين والمخلصات ... تعودنا أن نلقي باللوم و الهجاء ... وعلى مر التاريخ الطويل على العقل في استعماله السياسي وفي استعماله المالي المصرفي - الإقتصادي ونَسْكُت عن فضائع و فضائع العقل في استعماله الثقافي ... و خيانة النّخب .. فلنفرك أعيننا ونقلّب الأمر جديا وخطريا ولو مرة واحدة في التاريخ لنؤرخ لرذائلنا الحقيقية كنُخب دون أن نلقي بكل أسباب الغمة التي لحقت الأمة للطغم السياسية ... عندها وعندها فقط نوفر شرطا من شروط امكان فلاحة حديقتنا وفق المأثور الفرنسي ,هل نجرؤ على القيام بطقوس الحداد وتجاوز الميت فينا ؟ أطرح سؤالي وأمر إلى شذرتي القادمة - سوف تكون من رسالة الحكيم ابكتاتوس والتي جعلتها حِكمة من حِكم حُكماء حياتي حين يمر وطني وأصدقائي وصديقاتي بمحنة ما من المحن : إذا كان عليك إن تخاطر بـِحياتك من أجل صديقٍ أو من أجل الوطن لا تسْتشر الآلهة في شأن ذلك حتى وان هي حذرتك من فأل سيئ , انه لمن الواضح أن ذلك إنما يعني حتفك أو تمزيقك أو نفيك حتى في مثل هذه الحال فإن العقل هَاهنا ليأمر: أن أَجِرْ صديقتك وخاطِر بحياتك من أجل والطن...

فماذا تفعل معظم نخبنا العالمة: شعراء وفلاسفة ومؤرخين بأوطانها في الحاضر الحضاري غير عرضها في المزاد العلني في سبيل تربـّحها الشخصي... مع احتراماتي الشاسعة للمخلصين والمخلصات للبوصلة العاطفية للوطن . إذا لم يكن للفلسفة من وطن فان للفلاسفة أوطانهم التي من واجبهم الأخلاقي و الجمالي الدفاع عنها ... لا كما يفعل معظم فلاسفة الزور والبهرج وفق لغة الفارابي الشائقة في ثقافتنا العربية المعاصرة فإما أنهم يصمتون حيث يتوجّب الكلام أو يتكلّمون حيث يتوجّب الصّمت وفق معُجم بول نيزان في كتابه الجَسور كلاب الحراسة أو هم يدّسون رؤوسهم المفكرة تلك في إعمال هايدجر أو ميشال فوكو أو راولز ... أو جاك ديريدا أو حتى في مؤلفات برنار هنري لفي فيلسوف الخراب العربي ...دون انتباه كاف لمشروع فيلسوف معاصر مثل ميشال أونفري الذي عمل ويعمل على تعقل ثقافتنا باستحضار تاريخ ثقافته...وفق نقد مزدوج قابل للمراجعة النقدية... دون تبْخيس أو تقديس . آه ما أشد غربة الفيلسوف الإناسي الشامل بيننا أقصد المفكر الكبير شخصا ونصا العالي المعرفة والهمة علي زيعور مُعلمي الذي لم ألتق به أبدا . وبناء عليه وتأسيسا عليه : إن كل من يستطيع أن ينتج سنبلتين من القمح أو نصلين من العشب في مكان كانت تنمو فيه سنبلة واحدة أو نصل عشب واحد يستحق من الإنسانية جزاء أوفى من الجزاء الذي تستحقه طغمة السياسيين ويؤدي لبلاده خدمة ألم من خدماتهم . هكذا كتبت في تسعينات القرن الآفل في خاتمة كتابي كتاب الجراحات والمدارات وأكثر: اذا لم نقو جميعنا بألواننا الإيديولوجية المتعددة على وضع حدّ لحرث السماء فإنني أجدني مضطرا لتريد العظيم الشاعر الإرلندني العظيم سوفيت وبكل أحبلتي الصوتية وفي كل الأماكن العمومية. لقد فعلــتُها ... عند غروب الألفية الثانية ولسوف أفعلها..الآن في الأوين الحضاري هذا ..ومن أعجبه فقد أعجبه ...

هذه شذرات من شانها أن تشير دون تلبّك أو رَمْرَمَةٍ الى الخلفية الإيستيمولوجية و الابسْتسميّة العامة وروح العصر التي أصدر عنْها شخصا ونصا على مستوى الممارسة نظرية ( الفلسفة ) يقول الحكيم الأندلسي من أكلت السنة النار كتبه وألسنة الناس سيرته بالطعن في سريرته:

- وإني لا أبالي فيما أعتقده حقا عن مخالفة من خالفته لو أنهم جميع من على ظهر الأرض واني لا أبالي أهل بلادي في كثير قد تعوّده لغير معنى فهذه الخصلة عندي من أكبر فضائلي التي لامثيل لها ( ابن حزم الأبدلسي : مداواة النوس ).

- هل تسلح فلاسفة عصرنا في ديارنا بمثل هذا الإصرار وهذه الإرادة لقول الحقيقة و لسياسة الحقيقة ؟ أن ما يدعونا للتفكير المغامر في هذا الأمر هو أننا لم نفكرّ فيه جديا.
يعنى فعل التفلسف ضمن ما يعني به أساسا الوعي الإشكالي بالمفارقات المتصاعبة من ذلك اناقتحام الانسان التكنولوجي والطبي التجريبي المخبري للامتناهي في الكبر كسمولوجيا - كونيا واللامتناهي في الصغر خلويا وذريا ونوويا( نانو علوم - نانو تكنولوجيات) قد جعل الانسان يوشك على تحقيق مطمح فيلسوف الكوجيطو العقلاني ديكارت مكتشفة قارة الذاتية والمتمثل في جعل الإنسان بمثابة مالك الطبيعة والسيد عليها مجسدا بذلك أكبر وأعظم وأخطر الإنتصارات المعرفية والعملية التي طالما جلمت بها الميثولوجياتوالاساحير وسائر خرافات الشعوب قاطبة : التكنولوحيابمعدا المعنى انما هي تحيين للميثولوجيا.

فلم يعد هذا الكائن المسقام المريض بداء ذاته وفقا للغة نيتشة يكابد أشكال التصحّر والنّدرة ظاهريا على أقل تقدير وإنما أصبح يعيش مركبا أزمويا يتمثل في فائض الحريات وفائض الإعلام والإعلان والحقوق والمؤسسات والضمانات وفي الآن نفسه , في نفس الآن يكابد جلدا أخطر الإختراقات في مجموع جوامِع جُماع القيم التي كانت الإنسانية وعلى رأسها رأسا الأنبياء والرسل والفلاسفة و متصوفة الحُرقة كلهم يسعون إلى تحقيقها ضمن أفق إنسي أُنسي إيناسي بلغة صاحب كتاب راحة العقل أحمد حميد الدين الكرماني. وهي قيم : العلم والعدل والحب والحرية

الفعل الفلسفي إذن - هو ماهية جوهر تدخّل نقدي لتشخيص أعراض أمراض الحاضر حسب عبارة أركيولوجي المعرفة وحفارها (فوكو) وفق الدلالات الطبية - السريرية والعيادية - الكلينيكية للعبارة باعتبار أن الفلاسفة الجديرين بالانتساب السلالي لسلالة ( الفيليا والصداقة) بمعني المحبة , انما هم أطباء الحضارة وخبراء طب المعاشرات وفق العبارة الأنيقة لصاحب حكمة تدبير المتوحد .ومن أقصد غير ابن باجة الأندلسي التى تقول الحكاية بكونه مات مسموما ..وكل ما أنتجوه على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم بتناقضاتها وتحالفاتها السرية والعلنية ان ما انتجوه وفقا لموقف من الإنسان . ولم يكن فيلسوف النقدية النسقية الألماني كانط اعتباطيا في رده على الأسئلة الحاسمة في الفلسفة الأنوارية: (ماذا يمكنني أن أعرف ؟ ما الذي يجب علي أن أفعل ؟ ماذا يجوز لي أن آمل ؟) أسئلة واضحة تُرد جميعها إلى سؤال محوري رئيس وهو : ما الإنسان ؟ وتبعا لذلك يكون كل الخطاب فلسفي بهذا المعنى خطابا اتنتروبولوجيا - ايناسيا . وليس في ذلك مطعنٌ ولامغمزٌ ضد الفلسفة وجلال الفلاسفة .هي خطاب في الانتروبوس وامتحان نقدي عميق وعسير لأنماط إقامته في العالم وهو ما يشرّع تركيزنا على تشخيص أحوال دارنا المعمورية وبيتننا الأنطولوجي معرفيا ووسياسيا وعاطفيا بمعزل عن جميع أشكال التعصّب لللونأوالدين أو الجنس أو الجهة _ الموطن .أو لأي طراز من أطرزة معاشرة الوجود : جغرافيا أو تاريخيا باعبار أن زهرة المدن و حبابة محبة الحكمة كما تعلمنا من الدرس السقراطي هي على أقل تقدير إخلاص للحقيقة وإخلاص للمدينة والمدنية ضد السماجة والهمجية وقلة الحياء أو انعدامه أصلا بتخجيل الإستبداد وفقا للمنطوق اللغوي : (استبد جعل من نفسه بدا أي ربا لا أقل من الرب ..كما ورد الأمر في بد العارف للمتصوف المنْحور أو المنتحر بمكة المكرمة) والظلم والذي يعني وضع الشيء في غير موضعه والكذب الذي يعني وضع الكلام في غير موضعه والعبودية التي تعني ضمن ما تعنيه التقهقرالموحش والفاحش بالذات الإنسية - الإنسانية الناطقة إلى ما دون المرتبة الزولوجية وما أبلغ عنوان كتاب ابن المرزبان فصل الكلاب على الكثير ممن لبس الثياب حتى وإن تعلق الأمر ببعض الفلاسفة الذين يخونون بلا حياء الحب والصداقة والعدل والحكمة مقبحين الحسن ومحسنين القبيح وبذلك بستحيلون الى مجرد بياعة كلام وأوهام في وسائل الإعلام , عبيدة مناكيد للكَسْب على حساب الحقيقة,,والتنفّع الشخصي الفاضح على حساب الخير العام فحق فيهم حقيقة حكم الفارابي عليكم بكونهم مجرد ذرات راغبة , مجرد هباشة مال وجاه ومجد مزيف , فلاسفة الزور والبهرج، إن النّوابت فاسدة وأخطر ما فيها على الصحة العامة للحضارة قدرتها على التناسل..

ان السائد الحضاري عند فجر الألفية الثالثة يتسم بانفجار جُماع المكبوتات المركبّة بأطر اسنادها المرجعية المتقادمة والتقليدية وحتى الحديثية والموغلة في ما بعد الحداثة أصلا والتائهة جميعها في هذا الحساء الرقمي وسديم الشبكيات المعلوماتية ,مما يجعلنا نعيش كوبيا ضروبا من الطيش معرفي والعاطفي والتاريخي الى الحد الذي اعلنا فيه انبعاث كل شيئ وموت كل شيئ في مفس الآن . في الآن نفسه . كأنما الإنسانية استعادت في هذا الحين الحضاري زمنية تذكر بفوضى البدابياتشواشية - الكاوو- لوجية غير أنه في الآن الحضاري السبيرنطيقي تجد الانسانية نفسها مدججة و مسلحة بأخطر وسائل الفكتك النسقي, الفتك بالمعبود التويوس الالوهية والفتك بالأنطوس( الوجود ) و الفتك بالكسموس ( الكون ) والفتك البيوس( الحياة ) والفتك بما تبقى من الاتروبوس جملة وتفصيلا فمات ايروس – الفيلسوف العاشق ابن الفقيرة بينيا والموسر الثري البذخي بوروس . أليس الحب إنما هو أول موضوع يدور حوله الحديث وآخر مادة للاستهلاك و أوّل جنون يقع فيه الإنسان وأخر حاجز يقي الانساتنية من السقوط.

لقد خرجنا من عالم المطلقات -أو هكذا توهمنا - ومرجعية الواحد الوحيد الأوحد تلك التي قدمت نفسها وفقا لمنطق خصوصي يحتكر لنفسه المطلق ويتسمى بحامل الخير المطلق و الاسمي وينسب نفسه للكمال الإنسني بلغة الفارابي وهذا الحكم على الذات تأسس علنيا وسريا على تحقير حقير للآخر المختلف نوعا وجنسا وجهة وهوية باُسم تصور مخْصوص خاص وخصوصي للعقل و للثقافة و الحضارة وللفلسفة بالذات , في مقابل القول بدونية وتدني الأغراب الذين لا يزيد مقامهم عن مقام المتوحش أو البرابري أو المتخلفّ وفي أحسن أحْسن الحالات نصفه باللاّكتابي و اللاّديمقراطي . إن هذه النظرة الاستعلائية إزاء الآخر المختلفْ محليا وكونيا لم يــسلم منها كل الفلاسفة وكل على طريقته وذلك في شكل لوثة اللأنانة الحضارية بمركَزة الكل على الذات تكريسا لعقدة المركزية الإتثنية باستثناء عقول الآحاد من الفلاسفة - الحكماء التي تمرست بالتأمّل العميق في شأن شؤون الإنسان وان هي تخوض الحياة مع العامة والعوام متعرضة إلي نزالاتونذالات الأخلاق السوقية غير أنها استطاعت قولا وممارسة أن ترسم لنفسها مسافة نقدية بينها وبين طوفان الاستهلاك الهلاكي اليومي المسكون بالجوع الموجع للملكية على حساب الكينونة والانتصار الإفصامي المرضي لصالح الذات على حساب الصالح العام . الأمر الذي شخصه هيجل في أكثر من موضع أمام طلبته حول فلسفة تاريخ الفلسفة .هل اختفت تلك التصنيفات العرقية المتعصبة والتي كنا نتوهم أنها زالت باشراقة ثقافة الأنوار واختفاء المطلقات..اذ اننا أصبحنا نعيش زمن العلاقات والعلائقي المتحول... وليس زمن الهويات الجامدة سواء منها المتسامحة أو القاتلة, الهويات الانبساطية المرنة والفرحة التي تتأسس على الغيرية المحببة والإيثار الكريم وما يستتبع ذلك من سلوك أليفٍ للألْفة أو تلك التي تُبنى على ثقافة الإنقباض والضغينة والغُل والغيبة و الإغتيال والعُبوس وما يستتبع ذلك من استئثار وأنانية فاحشة الآثار على الأخر : الإنسان والطبيعة والحيوان كذلك وأيضا فكرة الله . هل قرأنا (الإعلان العالمي لحقوق الحيوان ؟).

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115