الدكتور محمد علي كمون: لو أراد «أبولو» إرسال هدية الى «جايا» ستكون عطور محمد علي كمون ...

هل اتاك حديث الموسيقى الحالمة؟ هل سبق وان استنشقت «عطور تونس» هل اتاك صوت الحلم يهسهس ويدعوك ان تصحب الموسيقى في رحلة سرمدية استثنائية؟ هل لك برفقة النغم

والنوتة حد التماهي في عالم جميل؟ اليست الموسيقى حديث الملائكة وشدو الروح التائقة الى الحلم، و مطية السفر الى عالم سرمدي جميل قوامه زهور متناثرة وألوان زاهية تدفعك الى الابتسام عنوة، وهي الموسيقى حديث القلوب الشجنة و العاشقة.

موسيقاه عنوان للعشق وللحياة، عشق الانا والوطن والحلم، ان لامست اصابعه البيانو فتحضّر للرحيل، لك ان تنسى ما حولك، وتعطي لأحاسيسك الكلمة والسيادة دعها تنتشي بعطوره، دعها تلامس الخالق في المقدمات الموسيقية دعك ترحل وتهيم وتتجول بين الصحراء والجبل والبحر، لك ان تلامس «ريحة تونس» مع موسيقاه ستنتشي برائحة الشيح والاكليل وزعتر الجبال، وستستنشق عطر ملح البحر ورائحة الزهور البرية تلك التي قاومت الجفاف لتنبت في الصحراء معلنة ان على هذه الارض كل الحياة وتونس ولادة.

في تونس ولد الحلم...وان هاجرت تبقى المقصد دوما
«موزيكتي تشبهني» هكذا يقول ان سُئلَ عن نفسه، موسيقاه ساحرة مميزة تدفعك للحلم والرحيل، ترى تونس من منظار آخر تونس الرضيع الجميل صاحب الضحكة الحلوة كذلك هي موسيقاه، موسيقى الشجاعة والشهامة والتونسي «الرجّال»، هو محمد علي كمون دكتور في الموسيقى مختص في الموسيقى الكلاسيكية تحديدا ولكنه قرر الثورة والعودة الى نقطة البداية والبحث في الموروث التونسي.

« بعد سنوات من العمل في الخارج، تساءلت كثيرا عن الفرق بين من يقيم هناك في الخارج ومن يقيم هنا، ابتعدت عن تونس تماما واعدت طرح السؤال حينها عرفت الإجابة من يقيم في الخارج يسكنه شعور دائم بالطيران ولكنه لن يجد موضع قدم، بينما من يقيم هنا، يحلم قدماه مرتكزتان على الارض ويستطيع التحليق متى شاء، لذلك قررت العودة» هكذا يتحدث محمد علي كمون عن سبب العودة الى تونس وانجاز موسيقاه هنا.

في صفاقس تحديدا في المدينة العتيقة كانت البداية من هناك ضرب فنانا موعد مع الشهرة والحلم والفن، في صفاقس تتلمذ على يدي الحبيب الدرقاش وانطلقت المسيرة بأداء الموشحات والموسيقى التقليدية وعزف على الة العود، ثم في مرحلة ثانية كانت العاصمة والدراسة الاكاديمية في المعهد العالي للموسيقى واختصاص «البيانو الكلاسيكي» مع الاستاذ احمد عاشور «اختصاص جعلني انفتح على موسيقى العالم، اتشبع بموسيقى شوباخ وبيتهوفن وموزار، واعرف كل جزئيات موسيقى العالم» .

بعدها اختار صاحب اللمسات الانيقة والموسيقى الجميلة الجاز مسيرة له، عزف لعشر سنوات موسيقى الجاز، وكل هذه الموسيقات والأنماط «كو»ن عندي هاجسا كيف ألخص وأجسد هذه الذاكرة المليئة وهذا التراكم الموسيقي بداخلي ببصمة خاصة فأنجزت رسالة دكتوراه عن تأثير العولمة على الهوية الموسيقية التونسية، وقررت المضي في عمق هويتنا كباحث في الموسيقى».

وفي رصيده العديد من الاعمال نذكر منها «جازنا» في 2010، و «كيف الدنيا» في 2010، و «تونوسيولوجيا» بين 2011 و2015، ومرقوم 2013 وطبع وحكاية 2014 - 2015 ولازالت الرحلة متواصلة.

ويضيف محمد علي كمون لكن»هناك نقص داخلي، هناك شعور بالاغتراب، الشهرة ولا النجاح لم يملئا ذاك الفراغ» ومن هذا الهاجس كان قرار العودة للبحث في الطبوع والنوتة التونسية والعمل في مخبر على الاغاني التراثية وموسيقانا «عطر تونس وروحها».

ويواصل الحديث بالقول «عندي القدرة على التعامل مع البيانو وهذا من ميزاتي فأنا متمكن من الموسيقى الغربية بدرجة متميزة، 10 سنوات في موسيقى الجاز، و 5سنوات في الموسيقى الكلاسيكية وطفولتي انطلقت بالموشحات.

المؤلم انني اعرف تفاصيل الموسيقى الغربية في حين «مانعرش نغني ركروكي بلادي» وهذا سبب العودة الى تونس، اليوم كموسيقي تريد ان تتموقع «يجب ان تعرف نفسك ضيعا حتى لا تشعر بالضياع» هي نصيحته الى كل التونسيين الحالمين بالنجاح في الخارج.

عطور محمد علي كمون... «اغمض عيناك واستنشق عطور تونس»
أيتها الموسيقى.. إن في أنغامك الساحرة ما يجعل جميع لغتنا عاجزة قاصرة، ايتها الموسيقى رويدك فقلوب المستمعين مرهفة ولازالت تبحث عن موطن للحلم، وموسيقى محمد علي كمون عنوان مكتمل للحلم، ان اردت الحلم فعليك بالعطور وان بحثت عن تنوع الالات وجودة الاصوات فدليلك العطور وان كنت عاشقا لجغرافيا البلاد فالعطور ستكون دليلك، فما العطور؟ ولماذا العطور؟.

سؤال يجيب عنه محمد علي كمون بالقول « عطور مشروع فني موسيقي فرجوي ، يعتمد على مخبر، و مخبر العطور هو عبارة عن قافلة اسمعها «قافلة الاربع وعشرين عطرا» نسافر في الجهات ونعمل على محور الحب» و الغزل، نطلب من الناس ان يقدموا لنا اغان عن الحب، تحديدا نعمل على بورتريه المراة التونسية».

في عطور ذاك العمل الفرجوي الذي امتع الجمهور في اكثر من مكان ستشعر ان الالهة تحييك، ستتجول بين النوتات وكأنك تلاعب الاطفال في عالم سرمدي جميل.

فتونس عطرة بطبيعتها عطرة بأناسها وبتراثها اللامادي، عطرة بشهدائها ودماء شهدائها، عطرة باختلاف أفرادها وعاداتها وتقاليدها، ألا تستحق منا جميعا أن نستحضر هذه العطور؟... ومن جهة أخرى العطر أوالعطور تستخرج من الزهور عادة وتركيبها ليس سهلا ومن هنا كانت فكرة العنوان والأربعة والعشرين عطرا، على حد تعبير محمد علي كمون.

وللرقم 24 الكثير من الدلالات، قد يكون «عيار 24» كما الذهب، او عدد ساعات اليوم، وربما عطور شوبان الاربع وعشرين او هي الاربع وعشرين ولاية تونسية او الاربع وعشرين نوبة تونسية المندثرة ، تختلف التأويلات ولكن الهدف الاوحد هو انها تمثل تونس.

وانطلق المخبر في فيفري 2016 انطلقنا من توزر، عملنا 20ورشة عمل وفي اكتوبر 2017 سيكون ختام البحث والقافلة وسنكون قد جلنا وتجولنا في كل ربوع الوطن.

والعطور مخبر متجول يتنقل الى ولايات الجمهورية وقراها وجبالها وسهولها للبحث عن اغنية مميزة تتغزل بالمرأة و اثناء عملية البحث اكتشفت أن اجدادنا جد رومنسيين، ويتغزلون بالمرأة وكل تفاصيليها ويختلف الغزل من الشمال الى الجنوب ومن المدينة الى الريف.

في البحث اكتشفت مخزونا ايقاعيا جد مميزا، مخزون لحني والكثير من اللهجات الموسيقية، فالشمال الغربي لهجة، وتونس لها لهجة موسيقية خاصة تمتد الى الوطن القبلي وتستور وجزء من الشريط الساحلي، اللهجة الثالثة لهجة المثاليث في الساحل وجبنيانة، و للواحة لهجتها و لسكان الجبال والمرتفعات لهجة خاصة بهم، كذلك الجزر لها لهجة موسيقية مختلفة، جميعها اثرت في اللهجة الموسيقية التونسية وساهمت في ثراء المخزون التراثي الذي تبحث فيه قافلتنا» كما عبر محمد علي كمون.

بالنسبة للعملية الابداعية والأغاني التي تقدم في عرض عطور ليست ببسيطة، اذ تكون البداية اولا بالبحث في خصوصيات تلك الجهة، ثم البحث عن امرأة عجوز تتقن الغناء «لان النسوة المتقدمات في السن الاكثر صدقا، ولم يصلهن فيروس التلفزة والعولمة» و ان لم نجد امرأة نبحث عن رجل «يحفظ على النساء» مثال محمد صالح العيساوي في الكاف الذي تلقن الغناء عن نسوة اولاد عبيد، نسمع الأغنية اقوم بالتدوين، ثم اعود الى مخبر تونس وهناك تنطلق العملية الابداعية مع المحافظة على الكلمة واللحن الاصليين، ويقول محدثنا «في عطور لا اعمل فقط كموزع بل ملحن وباحث وتقدم الاغنية في اطار مجموعة، لست ممن يحبذون العمل لوحدهم لان متعة المشاركة مع الاخر لها سحرها».

من توزر الى نفطة فالكاف وربع سليانة وسوسة وتمزرط والقرى البربرية ، ولازالت الرحلة متواصلة وستكون الوجهة القادمة الرقاب في سيدي بوزيد وأم العرايس، رحلة مختبر

العطور «أنا عندي حلمة لاكتب 24 عطرا لتونس» كما يقول محمد علي كمون ويضيف:
«أريد أن أقدم أوبيرا بعرض العطور، أوبيرا كبيرة وجميلة كما تونس» وسيحقق الحلم قريبا لاني اعمل بشعار «موسيقى دون تضحية، معادلة غير ناجحة، ونحن ضحينا لنكمل وصفة العطور».

المقدمات الموسيقية...ثورة الالة واللحن
مازلت اتعلم، اؤمن انني تلميذ نجيب، اؤمن بتونس وبتميز الموسيقى والتراث التونسي» هكذا يجيبك بهدوء ان سألته عن مسيرته الفنية والسنوات الطوال التي امضاها يكتب ويلحن.

غير بعيد عن العطور هناك المقدمات الموسيقية، هي فسحة للآلة بعيدا عن الغناء، ربما تبدو جديدة عن المتفرج التونسي ولكن فنانا يعمل بالمقولة الشعبية «شوّق وبعد ذوّق» ويعتمد اسلوب مميز يجعل المتفرج يقبل على عرض الاتي دون غناء، فأغنية «هزي حرامك» تلك التي يتفاعل معها الجمهور، يسبقها الفنان بمقدمة»نفطة» مقدمة يرحل فيها الناي بعيدا الى غياهب الصحراء وصفرة رمالها، ستجدك تبحث في ذاكرتك عن تفاصيل الطفولة والحنين الى الأماكن ومن استمتع مرة سيحضر بقية المقدّمات، وكتابة المقدمات ليست بالأمر السهل « ندخل في الحكاية «تمرض بيها» حتى اكتب لها مقدمة موسيقية جميلة» كما يقول صاحب العطور.

فالمقدمات هي موسيقى آلاتية تتضمن سفرا ذهنيا خاصا حول ما يجري ببلادنا، وفكرة هذه المعزوفات كانت في إطار هذا السفر الذهني المتحدث عنه».

ويمكن الاشارة الى ثلاث مقدمات موسيقية لثلاثة عطور فاحت باسم الحرية وتغنت بتونس من خلال ايقاعات تدفعك عنوة الى التفكير في هذا الوطن الحالم، ثلاث مقدمات نادت بالحرية وتنفست عبق الثورة وهي «لقصبة» و «باردو» و»القصرين»، مقدمات فيها دعوة الى السير رفقة شهداء الوطن مصحوبة بصورة لفرحات حشاد مبتسم مع موسيقى رقيقة كانها تراتيل كنائسية وكأننا بالشهيد يقول «احبك يا شعب» وتلك هي رسالة محمد علي كمون الى من يحافظون على التراث التونسي ولازالوا يتغنون بالكلمة التونسية الانيقة والجميلة.

يقول الناي...ما يعجز عنه البيانو
مزاوجة غريبة وممتعة يشاهدها من يحضر عروض محمد علي كمون او يعود في الارشيف الى اعماله السابقة، في موسيقاه هناك ثنائي عجيب يمتعك يبكيك ويفرحك، كل الثنائيات ستعيش معها، موسيقى وكأنها رسائل حب يبعثها أبولو إله الفنون الى جايا الام، او هي صوت بوسيدوس إله البحر مناجيا آسيس إله الانهار.

موسيقى الناي الرقيقة من مقومات اعمال محمد علي كمون نغمات لها رائحة الورود والرياحين قبيل انبلاح الصبح ، وحين يسال عن سر اختيار الناي لتحاور البيانو يقول « اشعر ان الناي يكملني، وحدود البيانو يكملها الناي» ولأنه يؤمن ان العمل تشارك او لا يكون يضيف صاحب العطور « من حسن حظي انني عملت مع مدرستين في الناي، هشام بدراني ونبيل عبد المولى» ولو سٌئل عن أقرب المقطوعات الى نفسه سيجيب «كيف الدنيا» تلك المقطوعة الممتعة التي يعجز عازفو الناي عن اعادتها فقط لأنها كتبت لهشام بدراني وليس للناي.

محمد علي كمون صاحب العطور، تونسي الهوى والروح والانتماء والعزف، دكتور في الموسيقى لازالت رحلة بحثه في التراث متواصلة لأنه يؤمن ان تونس غنية وتراثها يستحق البحث هو فنان حالم امن بتونس فهل ستؤمن به تونس؟

الدعم ...
في حديثه عن الدعم يقول محمد علي كمون كنت اتمنى أن تكون معنا التلفزة الوطنية للتوثيق لان العطور هو ذاكرة تونس وتمنيت ان تكون معنا وزارة السياحة لان العمل يقدم سياحة بديلة لم يتعودها السائح.
وعن المؤسســـــــات الاستشهارية يقول «كلما زرت أحدهم يقول «مشروعك جيد ولكنه ياسر ثقافي ما يوكلش ياغرت».

هن الذاكرة ...
هناك نسوة هن ذاكرة حية وجب ان تلتف اليهم الدولة والمهتمين بالتراث والذاكرة وفاطمة عوّام في الذهيبة احداهن.

صوت الصدى ...
من اللحظات المؤثرة التي تتجاوب فيها الطبيعة مع الموسيقى، واذكر مرة منذر الجبابلي الصوت الجبالي الكافي وقف قبالة الغرف التي ترجع الصدى ، انطلق في الغناء ولان الصدى يتردد سمعنا أحدهم يجيبهم، ربما فلاح أو مغني الى أن أصبحت معركة غنائية.
تمنيت لو تمكنت من تسجيل تلك اللحظات انذاك لانها رائعة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115