مسرحية «العنبر رقم 6» للسموءل سخية حين يصبح العقل عنوانا للجنون؟

ماذا يحدث لو أصبح الجلاد ضحية؟ كيف يشعر من سلبت حريته ونعت بالجنون ووجد نفسه ضحية الادوية والعقاقير ومعها سوء المعاملة وتحمّل مرض الآخرين؟ حين يكون المشرف مريضا هل يشفى المريض؟ وفي قانون الامراض النفسية أيهما الأكثر خطورة من نعت بالجنون ورمي

عنوة في احدى المستشفيات ام الجلاد المشبع عُقدا متراكمة يفرغها في المرضى؟ اسئلة كثيرة تابعها المتفرج اثناء مشاهدة العنبر رقم 6 بالمبيت الجامعي نهج مدريد بالعاصمة.
أسئلة حاول المخرج سموءل سخية تقديم اجابة عنها صحبة مجموعة من الممثلات وهن شيماء بلحاج و ريم حمدي وراضية غرسلي ومهى بنسلامة ونصاف عري وشذى المؤدب وسيرين بن جامع واماني بن حمودة، وسارة مفتاحي و ليلى هذلي، جميعهن عشقن المسرح وقدمن عرضا مميزا، كشفن من خلاله انهن قادرات على الابداع واصطحاب المتفرج الى عالم «العنبر رقم6».

المتفرج جزء من الحكاية
هنا تشعر انك جزء من اللعبة، منذ البداية تسكنك هالة من الرهبة، الحائط رمادي اللون يدفعك للسؤال حتما عن السبب وما رمزية ذاك اللون اهو العدم؟؟ اهو المطلق؟ ام الجنون والعبث؟ الصليب يتوسط المكان، رائحة البخور تفوح وينتشر شذاها كامل المكان، في المسرحية، مكن العرض امكنة، والحدث احداث والشخوص ايضا مختلفين ومتباينين.

قاعة مربعة الشكل الى يسارك مكتوب بالبنط العريض «العنبر رقم ستة» قبالتك صور للمسيح والقساوسة والرب القدس ولافتة كتب عليها الادارة بداخلها سيدتان تلبسان لباس الاخوات الراهبات لابسات الصليب يدوّن في اوراق بيضاء، الى يسارك غرفة كتب عليها العنبر رقم 4، دخان، الشموع تضيء المكان وفي انعكاس صفرة الشموع على اللون الرمادي الكثير من الحكايات وكانها تعكس جراح المرضى المرهقين.

في القاعة تسمع الصراخ، بعض النزيلات شعرهن اشعث، وبعضهن ملابسهن ممزقة، كرسي يتيم تجلس عليه احداهن بجوارها الجمهور فالمتفرج هنا جزء من الحكاية، ستسكنك حتما الرهبة، ستتامل المكان ستشعر حقا انك تدخل الكنيسة لزيارتها والتمتع بجمال زخارفها.
سترحل بعيدا وانت تحاول فك الشيفرات المكتوبة وتتامل ماكتب تحت الرسوم الى ان توقظك صرختان اولى على الباب من الدكتورة «روجينا» وثانية من احدى المريضات، فصوت ثالث يصرخ ويقول «أنهم يخدعونك ويخدعون انفسمهم، ما يقومون به من حفلات راقصة ومسرح وتمثيليات ورش للماء المقدس انه خذاع كمن يرش رائحة العطر على الجثة لتتحول الى اكثر عفن» .

هكذا تصرخ ايفنا احدى المريضات النفسيات، بعدها تصدح الموسيقى قوية وكانها تعبيرة عن غضب داخلي ثم صوت يتحدث عن مكان الاحداث وهو مستشفى يتبع الكنيسة في احدى القرى البعيدة، مستشفى بسيط لا تتوفر به ابسط الامكانيات، ولا مقومات العيش، وكل الاحداث ستدور في العنبر رقم ستة حينها تمسك الممثلات بايدي الجمهور ويصحبونهم الى رحلة داخل العنبر رقم6، خطوة فاثنتان فثلاثة، يطلب منك أن ترفع رأسك قليلا وتتأمل جيدا كلمة العنبر رقم 6 فمن دخل هناك لن يخرج الا الى القبر كما في رواية تشيخوف.

أيهما المجنون؟ فاقد العقل؟ ام فاقد الضمير؟
من الغرفة الخارجية الى العنبر رقم 6ستجدك امام فضاء قسم الى ثلاثة اجزاء، جزء الى يسارك به الغرفة الخاصة للطبيعة روجينا والأخوات والإدارة وهو أيضا مكان معاينة المريضات النفسيات وأمامك مباشرة غرفة خاصة للحارسة «نيكيتا» ثم الى يمينك العنبر رقم6، فضاء الاحداث اين تنزل خمس مريضات وجدن أنفسهن في مستشفى للمجانين و تحت سطوة من هن أكثر مرضا.

بداية من الغرفة اليمنى، هناك تجلس الطبيبة للكتابة والقراءة وفي الغرفة مرآة كبرى تعكس الصورة لتشاهد كل أجزاء العرض، أما غرفة نيكيتا فبسيطة، الصليب أعلاها، كرسي صغير وبعض القطع الحديدية التي تعذب بها نفسها والنزيلات، كلا الغرفتين تفتقر إلى الروح الموجودة في العنبر رقم6 فهناك، نسوة عالمات ومتخصصات في السياسة والادب، هناك «الحكمة» فايفانا المريضة النفسية الوحيذة الذكية القادرة على النقاش والمحاججة.

عن نص لتشيخوف تدور الاحداث، في تلك الغرفة الضيقة هناك الآلاف من الحكايا والقصص التي دمرتها الحرب، هناك العديد ممن اثرت عليه المحور والحرب، ليجدوا انفسهم في مشفى كنيسة، الاستاذة ليليانا عالمة الاقتصاد المسيسة صاحبة حزب، و ايفانا الحالمة ابدا بعدالة الرب في الدنيا قبل الاخرة، سارة الافريقية تلك التي اضطرت الى قتل ابنها حتى لا تقتله الحرب الاهلية، واليهودية موسيكا صاحبة الصوت المميز تك التي قتل والدها فقط لانه يهودي واحد الاغنياء طمره في دكانه الصغير تحت قشور الجوز والموز واللوز

وتشيكيني الارنية التي هجرت بسبب محرقة من قبل الاكراد، خمستهن اثرت فيهم الحرب حد الجنون، لكن هل المجنون من فقد مداركه العقلية؟

ماذا عن فقد انسانيته؟ وماذا عمن فقد اخلاقه؟ وماذا عمن فقد ضميره امام سطوة المال؟ اليست الحارسة نيكيتا بمجنونة وهي التي تعذب نفسها وتعذب المرضى يوميا فقط انها تعرضت الى التحرش من قبل زميلاتها في الجيش؟ أليست كريستينا بمجنونة وهي الام في تلك الكنيسة ولكنها تحمل عقدة الفشل وباتت تخاف الكتب وترى ان وحده الكتاب المقدس يستحق الدراسة؟ اليست الاخت ايزابيل بمجنونة لانها ترى ان طب النفس شعوذة ووحده الماء المقدس هو الشافي؟ في العمل سؤال عن ماهية الجنون، صراع العقل واللّاعقل؟ كيف بايفانا ان تكون مجنونة وهي أكثرهن حكمة قدرة على النقاش والمحاججة وكيف لكريستينا ان تكون سيدة المكان وهي لا تعرف عن العلم لا الفلسفة شيئا؟.

التعصب الديني...واحد وان اختلفت الديانات
«من خالف النظام فقد كفر، من غير شيئا فقد كفر، من تحدث في شيء فقد كفر، ومن كفر كان ع الشياطين، اتعلمين ما نفعله بالشياطين نرسلهم الى الجحيم» هكذا تتحدث نيكيتا وهي تدق المسامير في احد الصناديق وعن نفس الحركة تكون احدى المريضات تضرب نفسها وكانها عملية جلد للذات او اشارة الى قسوة الجلاد فقد كانت ضرباته كما دقات المطرقة على المسمار.
عن رواية «العنبر رقم 6» التي كتبها انطوان تشيخوف خلال العامين 1890 - 1892.

تكون الحكاية وكاننا بعجلة الزمن تعود الى ذاك التاريخ، فالاخت في الكنيسة نجدها متشددة دينيا ترفض ديانة الاخر وتحاول بالقوة فرض الكتاب المقدس نصا أوحد لا يقبل التحليل وتفرض تعاليم الاخوات شيفرات لا يمكن تجاوزها، خطاب متشدد كما خطاب المتشدين السلفيين اليوم في تعاملهم مع خطابات الشيوخ التي يرونها تعاليم وجب تطبيقها وكما تعاملهم مع القرآن كنص لا يقبل التحليل او التأويل فقط يطبق، بين سنوات 1890 و 2017، تغيرت الكثير من الاحداث وتغير وجه العالم انهارت دول وظهرت قوى اخرى وحده الخطاب الديني المتشدد حافظ على وجهه السيء وتاثيره الاسوأ في المتقبل.

في العنبر رقم6 ابدع المخرج السوري سموءل سخية في التعامل مع نص صعب المراس وابدع في اخراج شحنة تسكن طالبات معاهد مختلفة وجعل منهنّ ممثلات مميزات على الركح، اقنعن الجمهور الحاضر، مبادرة مميزة لانها كشفت عن زاد فني ورغبة جامحة في الحلم تسكن الطالب التونسي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115