اختتام أيام الفداوي في تكرونة: «تكرونة...اللّي يزورك مرّة يحصل»...

هناك في أعلى الجبل، لاتزال صامدة تحيّي المارة وتغريهم بالزيارة، تناديك ان تقبل عليها لترحل مع جمال شمسها وعظمة حجارتها وهدوئها واستنشاق عطر الطبيعة لتنتشي بموسيقاها، هي عروس الجبال وأميرة القرى الجبلية في النفيضة سوسة تدعو الزوار ان اجتهدوا قليلا واصعدوا الجبل

فهنا الشموخ وهنا الجمال ولن تندموا على الزيارة، هكذا تحاكيك قببها ومآذنها وحجارتها اثناء مرورك، فهي القرية الشامخة ابدا.
تكرونة هي الجبل، هي الريف، هي الجامع والزاوية والمقبرة، والصخور المتناثرة بين المنازل تذّكر أهل القرية بالشدّة والصلابة التي جبّلوا عليها مع الأنفة وعزّة النفس.. والشموخ.. تكرونة هي المنبت.. هي الذكرى.. ووالدي –رحمه الله – هو الأصل.. هو المدرسة.. هو الذي علّمني الحياة» هكذا قال عنها ابنها الكاتب الطاهر قيقة في مقال نشر بمجلة المسار عام 1990وفي تكرونة كان لقاء الجمهور مع حكايات الحكواتيين في اختتام ايام الفداوي.

تكرونة الملقى والملتقى
تكرونة هي قرية بربريّة قديمة، تقع على بعد 100 كم جنوب العاصمة تونس، و45 كم شمال مدينة سوسة،و 5 كم غرب مدينة النّفيضة (من ولاية سوسة). تفتح تكرونة على خليج الحمّامات وهرقلة وسوسة وجبل زغوان والقيروان، ممّا جعل منها مسرحا لعديد المعارك خلال الحرب العالميّة الثّانية. .
بُنيت تكرونة فوق جرف صخريّ مغطّى بالصّبّار، قد يعود عهد تكوّنه إلى فترة الميوسين (حوالي 22 مليون سنة) من العصر السّينوزي (الحقبة الجيولوجيّة الثّالثة)، ويعلو حوالي 200م عن مستوى سطح البحر. وقد بُنيت القرية من منازل حجريّة تعكس هندستها طريقة البناء البربريّة الأصيلة : فناء يتوسّط الدّار تحيط به الغرف المقبّبة.

واليوم، بقيت ستّ عائلات فقط من أصل بربريّ إضافة إلى عائلة قمش (غوماز) من الأصل الأندلسيّ (هاجرت من الأندلس في 1609) تقطن تكرونة. وتنقسم القرية إلى أربعة مستويات : فبينما تحتلّ عائلة قمش المستوى الرّابع، يسكن البربر سفح التلّ، ونجد مقام سيدي عبد القادر المشيّد في القرن الثّامن عشر في المستوى الثّالث..

و بعد أيام بين الحكايات والورشات والندوات العلمية، اختتمت اواخر الاسبوع في تكرونة الجبلية فعاليات الدورة السابعة عشرة لمهرجان «أيام الفداوي» الذي انطلق يوم 5 ماي الجاري بالمتحف الأثري بسوسة.

وهناك في قمة الجبل كان اللقاء مع ثلة من ابرز الحكواتيين والفنانين الذين لازالوا يؤمنون بأهمية الحكاية وتأثيرها في المتلقي و شارك في اختام الدورة عدد من الفنانين، بينهم وحيدة الدريدي وعماد الوسلاتي ومجموعة من الشعراء الشعبيين، وفرقة «طبّالة قرقنة» التي قدّمت فقرات موسيقية راقصة من عمق التراث التونسي بالإضافة إلى «الإدّبة» الذين قدّموا مجموعة من الفقرات التي أمتعت الجمهور الكبير الذي تجمّع في القرية البربرية «تكرونة» ليعيش أجواء رائعة زادها جمال الطبيعة بهاءً.

ففي قمة الجبل كان الموعد مع السحر لان تكرونة تسحر الالباب وتدفع النفس الى عشق الحياة، هناك على الجبل يمكن للزائر ان يصرخ ويهتف باسم الحياة، في تكرونة يمكن للمرء ان يتحدى الالم والموت ويصرخ باسم الامل صراخ سيتردد صداه في الحجارة و المنازل المهجورة ليزداد ارتفاعا وتكون عزيمة الانسان في الحياة كالنسر الشامخ وما اختيار منظمي المهرجان لتكرونة كنقطة الختام الا دعوة متجددة للحلم وللزيارة.. زيارة المهرجان والمكان مرة اخرى.

الفداوي فرصة اللقاء والتواصل
مهرجان الفداوي في دورته السابعة عشرة يؤكد ان الخرافة (الحكاية الشعبية) تمثّل إحدى أهمّ، وربّما أذكى، بنية ذهنيّة صاغها الإنسان، استمرّت أجيال الرواة تنقلها عبر القرون، ويتلقّاها الكهول والأطفال، على حدّ السواء، للإمتاع والمؤانسة، ومعينا للقيم وللعبر.
وللخرافة، بالإضافة إلى أنّها مكوّن من مكونات الذاكرة الجمعيّة، وظائف متنوّعة تتعلّق بالمعارف وتقنيات حذقها وبمنظومات القيم والأخلاق التي تميّز بعض المجموعات الإنسانية بعضها عن بعض. ولها أيضا وظائف أخرى، فنيّة وبلاغيّة تستثمر التقنيات السمعيّة البصريّة ووسائطها، من مذياع، وسينما، وتلفزيون، والمستحدثة، الرقمية والافتراضيّة. وإذ تمكّنت الخرافة من تطويع هذه الوسائط لحاجتها فلأنّها، كما قال ميشال هندنخت، «حلم يقظ يستنسخ نفسه باستمرار، ولأنّها حكاية قصيرة حبلى بالخلود» ولضمان بقاء الخرافة وسيلة للمعرفة والتربية يأتي مهرجان الفداوي.

وقد استضاف المهرجان الذي تنظّمه جمعية أحباء المكتبة والكتاب بسوسة بالاشتراك مع المكتبة الجهوية تحت إشراف المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالجهة عددا من الحكّائين أو الحكواتييـــن التونسيين فضلا عن عدد من الأكادميين لتشريح واقع الحكاية من الجزائر ومصـــر والســودان والمغـــــرب وايطاليا وليبيا...
وكان مهرجان «أيام الفــداوي» قد انطلق يوم 5 مــــاي بعرض ضخم احتضنه المتحف الأثري بسوسة وشارك فيه عدد من المبدعين بعروض حكواتية أمّنها الفنّانون الشاذلي الورغي والصادق عمار وهدى بن عمر بمرافقة فرقة السطمبالي، حيث راوح الممثّلون في تقديم قصة «بوسعدية» كلّ بطريقته الخاصة به.

أينما وليت وجهك..اعترضتك الحكاية
ضمن فعاليات مهرجان الفداوي خرج الحكواتيون من الجدران والقاعات المغلقة وتجولوا في الشوارع قاربوا الجمهور وخاطبوه ففي قسم «حكواتي البطحة» تجوّل عدد من الحكّائين بين الناس في الشوارع وشهدت ساحة الفنون وساحة المدن المتوأمة مواعيد طريفة مع الفنانين عماد الوسلاتي والعروسي الزبيدي وطارق الزرقاطي، هذا بالإضافة إلى ورشات أمّنها مبدعون مختصّون في فنون الحكي وهي ورشة الإلقاء والتلفظ في فن الحكي تأطير هدى بن عمر بالمركز الثقافي بسوسة، وورشة تحويل الحكاية الى صور متحرّكة تأطير جلال بوزرارة بالمركز الثقافي بسوسة، وورشة بيداغوجيا الحكي بالمدارس الابتدائية تأطير نعيمة محايلية ( الجزائر ): بالمكتبة الجهوية بسوسة، وورشة رسم الحكايات والأساطير تأطير ياسين الليل: بالمكتبة الجهوية بسوسة.

كما تمّ افتتاح معرض «ومضات من الذاكرة» للفنان التشكيلي المنصف مشيش بالمكتبة الجهوية بسوسة فضلا عن المعرض الجمـــاعي للفنــون التشكيلية «محاكاة» بالمركز الثقافي بسوسة، وانتظمت بذات الفضاء الدورة الرابعة لتظاهرة «الحكواتي الصغير» وفيها مسابقات في فنّ الحكي تشمل أطفال المدارس الإبتدائية والمكتبات العمومية بالولاية، فطيلة ايام المهرجان كان اللقاء مع الحكاية وفنونها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115