مسرحية حديث الجبال للهادي عباس في مهرجان مسرح التجريب: «يا جبل هزّ راسك وانفض الغربان إللّي سكنتك»

هم الدرع الاول للدفاع عن الوطن، بعيدين هناك صامتين يعملون في صمت يعايشون بؤسهم ويتناسون تجاهل الدولة لهم، من شقائهم خلقوا بساطتهم للعيش

والمواصلة، وآخرون هم ايضا الدرع الأول للدفاع عنا منتشرين بين الجبال يريدون طرد الغربان منها حتى تعود اليها الحياة، بين الجبل والقوات العسكرية تدور احداث القصة، قصة تونسيين صادقين يدفعون دماءهم لنعيش.

ولان المسرح فن لتخليد الاحداث وحفظها كان اللقاء في المركب الثقافي بمدنين ضمن فعاليات الدورة الحادية والعشرين لمهرجان مسرح التجريب مع مسرحية «حديث الجبال» العمل الذي كرم سكان الهامش وكرم القوات الحاملة للسلاح عمل مليء بالشجن موجع يدفعك للسؤال والتفكير لم تاكل الدولة أبناءها؟ عمل قدمته كل من دليلة المفتاحي وايمان مماش ومحمد السعيدي وحسن ربح ولسعد حمدة ومساعد مخرج محمد علي احمد.

نحن الهامش، نحن الصدق والوطن
حجارة متناثرة على الركح أمكنة جرداء لا حياة فيها كانه جبل عرباطة، امراة وابنتها تجمعان الحطب، ظهر مقوّس، ملابس مهترئة وآهة تصدر من قلب مرهق ومثقل بالالام، الام جامعات الحطب و الاكليل الام نسوة يعش على الهامش، هي «هنية» امرأة لم تعرف الهناء يوما ترملت صغيرة وتحملت عبء تربية فتاتها الوحيدة، وابنتها «زهرة» ، زهرة لم تزهر يوما بسبب البطالة وسياسة الدولة فالفقراء لا يعملون والفقراء محرومون من أبسط الحقوق، كلتاهما تسند الاخرى منذ البدء، موسيقى الناي الحزينة تلف المكان وكانها صرخة زهرة تطلب الرحمة ممن لا يهدأ ولا ينام.

هو «ضو»»محمد السعيدي» شاب لم يعرف للضوء طريقا، درس الفلسفة حلم كغيره من شباب الوطن و لكن «اش تعمل الكبيرة في بلاد البيبان المسكرة؟»، افنى سنوات شبابه في الدراسة ثم ماذا؟ البطالة ولا شيء غيرها يجد نفسه في حضن من استوطنوا الجبال في غفلة من الجميع.

و اخر «مصباح» «لسعد حمدة» تونسي لم يكمل دراسته مقتنع بما حوله فقط يريد الزواج، يبدو ساذجا وغبيا ولكن حين طلب منه الارهابي طلبا توجه مباشرة الى الجندي، جميعهم يعيشون من الجبل وتحته جميعهم يحمونه من نفسه وممن يريدون افتكاكه منهم، تحت الجبل تدور أحداث المسرحية، نص موجع يتحدث عن علاقة سكان الجبل بموطنهم، اولئك المنسيين الذين يعيشون على الهامش، الذين نسيتهم الدولة ونسيتهم السلطة نجدهم أول المدافعين عن الوطن وما قرار «هنية» بإرسال ابنتها طعما للأمساك بالإرهابي الا دليل على وطنية سكان الهامش الذين كرمهم العمل وقدم صورة حقيقية عن دورهم في هذا الوطن لكسر تلك الصورة التي الفها المواطن في الدراما التونسية اين يكون ابن الريف مدعاة للسخرية، في حديث الجبال كرمهم مخرج العمل قدم صورة عن تضحياتهم وهم الذين تتذكرهم الدولة وقت الرخاء وتتناسهم في التنمية.
الى سكان الهامش كانت التحية الى سكان الارياف وجه الممثلون تحية صدق وهم الذين سيكتبون التاريخ الحقيقي لأنهم الاكثر شجاعة فالحياة كلمة وموقف و الجبناء لا يكتبون التاريخ ، التاريخ يكتبه من عشق الوطن وقاد ثورة الحق وأحب الفقراء.وهل هناك من يحب الفقير غير فقير مثله؟.

جنود الوطن، لكم التحية
كيف يقضي الجندي يومه؟ كيف يشعر وهو بعيد هناك وزوجته تحت فراش الموت؟ ما الذي يخالجه حين يرزق بطفل لا يشهد ولادته؟ ما احساسه حينما يجد نفسه مجبرا على الاختيار بين عائلته ووطنه؟ اسئلة كثيرة سلطت الضوء في مسرحية حديث الجبال على الجانب الانساني للجندي، فالجندي ليس حامل سلاح فقط، هو انسان يحب ويعشق ، يبكي ويفكر، يهمّ باحتضان أمه، ومغازلة زوجته، ولكن الواجب يجبره على البعد.

في المسرحية نجد الاضاءة خفيفة تغطي نصف الوجه وكأننا بالمخرج لا يريد كشف الحقيقة كاملة او يريد ان يخبئ دموع الجندي وخلجات روحه لنراه قويا ومبتسما دائما.

في حديث الجبال كرم جنود الوطن بعمل غاص في الجانب الانساني للجندي، ذاك المواطن الذي نراه صارما وحازما يصادم الموت وهو انسان عاشق يبكي لفقدان محبوبته، حديث الجبال كما قال مخرج العمل الهادي عباس تكريم للمؤسسة العسكرية انطلاقا من ملحمة بن قردان تلك الملحمة الي اثبت فيها الجندي التونسي انه يخير الشهادة على الانسحاب، ملحمة انتصرت فيها الوطنية وارادة الحياة على اسلحة الباحثين عن حور العين.

«الماجدات نساكم ....الشامخات نساكم»
هن الحياة، هن الحلم والأمل، هن الكادحات الصادقات، هن رمز الصبر والوطنية، في «حديث الجبال» حديث عن كادحات الوطن، امرأتان كانتا عنوانا للكدح، الأولى أم صادقة «دليلة مفتاحي» تجمع الحطب لتدرس ابنتها امرأة لم تتعلم ولكنها تعرف اهمية الثقافة في الحياة.
والثانية شابة في مقتبل العمر واسمها زهرة «ايمان مماش»حلمت كغيرها من اترابها بحياة اجمل ومنزل صغير يقيها القرّ والقيظ، درست وتخرجت من الجامعة ثم اضطرت لتجمع الحطب هي الاخرى، كلتاهما رمز للتضحية وكلتاهما قدمت صورة عن المرأة الصادقة المحبة لعملها وان كان ثمنه ملاليم قليلة.

«حديث الجبال» عمل عن المنسيين عن الصادقين المبعدين، اختار مخرجه أن يكون عمله موجها للجميع ولا يقتصر على النخبة فحسب، كما اختار أن تكون الرسالة الموجهة بصفة مباشرة بعيدا عن الترميز والتشفير، في نقل معاناة الأهالي في المناطق الوعرة، محملا الدولة مسؤولية تقصيرها تجاه هذه الشرائح الاجتماعية التي لم تقتصر معاناتها على الفقر والبطالة والتهميش، ليزيد الإرهاب في تعميق هذه المأساة، عمل كرّم ابناء الريف الذين كانوا ولازالوا سند الجبال.

لسعد حمدة: الممثل الاجمل
صارم حينا، مضحك حينا آخر، ابكى الجمهور وأضحكه، جعله يشفق عليه في شخصية الجندي ويتعاطف مع عبراته التي ملأت مقلتيه، وأضحكه في دور مصباح السكير الباحث عن انثى ليسكت نداء الجسد، لسعد حمدة الساخر الباكي كان عنوان نجاح مسرحية حديث الجبال، ممثل صادق ومبدع احبه جمهور مدنين وتفاعلوا مع ادائه المختلف عن ادواره الاخرى، لسعد حمدة استاذ التربية المسرحية هو مناضل ثقافي يعمل بصمت وتلاميذه الاكثر دراية بما يقدمه لهم من تظاهرات مسرحية ولقاءات لتطوير خبراتهم، لسعد حمدة الممثل الاجمل كان لصدقه الوقع الجميل عند جمهور مسرح التجريب.

ايمان مماش: الفراشة الثائرة

هادئة هي كنسمة صيفية، اما على الركح فلبؤة ثائرة وامراة لا تهادن، فراشة مركز الفنون الركحية والدرامية بقفصة، ايمان مماش كانت عنوانا للفتاة القوية في مسرحية «حديث الجبال»، قوة تشكلت في ملامح وجهها حين تخاطب رشاش الارهابي وتخبره عن تاريخ هذا الوطن، ايمان مماش الفراشة التي شاهدناها في مسرحية «النجدة» وغيرها من الاعمال بدت مميزة قادرة على شد انتباه المتفرج لصدقها في الاداء، الفراشة المتمردة الحالمة كانت عنوانا لارادة ابدية بالنجاح.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115