مهرجان مسرح التجريب بمدنين: مسرحية «رايونو سيتي»... المسرح صوت المستضعفين

إلى المعدمين المفقرين، إلى من نسيتهم الدولة والسلطة والحكومة إلى الذين يعيشون على الهامش وعلى فتات «الكناترية» أهدى مركز الفنون الركحية والدرامية عمله الجديد، «الرايونو سيتي» مسرحية تنطلق من الضيّق إلى الرحب من حومة الرايونو لتغوص وتقدم مشاكل الأحياء الشعبية

في دول العالم، شخصيات ليس كالشخصيات التي نعرفها ونعايشها يوميا نراها ونحادثها وربما نهابها جميعها وجدها الجمهور على الرّكح.

مسرحية «رايونو سيتي» إنتاج مركز الفنون الرّكحية والدرامية بمدنين للمخرج علي اليحياوي وتمثيل كل من فرحات دبش ولطيفة القفصي وعواطف العبيدي و كيلاني زقروبة وضو حمزة خلف الله و حمزة بن عون و نادية تليش ولسعد جحيدر وعبد العزيز التواتي وشوقي العجيلي وأسماء بن حمزة ، و جهاد الفورتي و إدريس عبد القوي و مكرم السنهوري ومساعد مخرج البشير يحي . ، هي صرخة ضد التهميش صرخة ضد النسيان صرخة تريد زعزعة الأركان الهادئة والصامتة!.

وهل يحلم الفقراء؟
«الرايونو»، إسم لحي شعبي يوجد في مدنين، منه انطلقت رحلة علي اليحياوي للغوص في مشاكل الاحياء الشعبية ومعاناة ابنائها، الرايونو حي شعبي هو انموذج اختاره اليحياوي ليسلط الضوء على وجيعة المهمشين في المعمورة، في «الرايونو» نجد شخوصا نعرفها ونعايشها قدمها علي اليحياوي بذكاء ليمس المتفرج ويزعزع بعض قناعاته.

الوان داكنة يلبسونها على الركح، ديكور اساسه القنطرة، نقطة عبور جامعي البلاستك و»الكناترية» هي الرمز والفيصل في مسرحية «رايونو سيتي» ، فوقها تنطلق الاحداث وتحتها تحبك الخيانات.

في الرايونو نقل لحياة المهمشين المفقرين «مهذب» (فرحات دبش) الكادح العامل جامع البلاستيك العامل الذي لا يعرف طريق الراحة فقط ليجمع بضعة ملّيمات لإعالة زوجته هو انموذج التونسي او الانسان المفقر المنهك هو أنموذج الكادحين في هذا الوطن الذين نسيتهم الأغاني والكتابات والسلط، مهذب في «الرايونو» لا يعرف معنى الحلم فقط يعرف أن عليه أن يعمل ليعيش، صورة تعكس وجيعة المنسيين فهم محرومين حتى من الحلم.

و«عواطف» المرأة الباحثة عن حياة افضل المرأة الي وجدت نفسها متزوجة من رجل لا يشبهها ولكن شبح أن تغدو «بايرة» يخيفها فتتزوج وفي الوقت ذاته تحب الاخر الشاب وتسرق معه لحظات من العشق والسعادة المؤقتة المحكوم عليها بالموت قبل ولادتها.
وباولو الشاب الحالم بالهجرة الى روما شان الكثيرين نجده في المسرحية أنموذجا لمن يسكنه هاجس الهجرة حتى يعجز عن العيش في مدينته او قريته ويحلم دائما بالجنة الاخرى تلك التي يرونها خلف البحار، شخوص المسرحية يعرفها المتفرج لانها قريبة من الواقع الذي يعايشه، شخوص قدمت صورة عن حياة المهمشين المحرومين من الحلم، قدموا قبح التهميش والتمييز، قدموا لجمهور مدنين بعضا من وجيعة المنسيين الذين يكتفون بالفتات فقط ليواصلوا حياتهم، شخصيات قدمها ممثلون اعتمدوا على براعتهم في الاداء وقدرتهم على شد الانتباه.

الرايونو... احذروا ثورة الجياع
هل يولد الانسان لينا ام الحياة تجبره على الخنوع والطاعة؟ هل يقبل الانسان بالهزيمة الابدية ام هناك شرارة داخلية ربما تدفعه لردة الفعل؟ هل امام الفقر تنعدم ملكة التفكير عند البشر؟ وكيف تكون ردة فعل من استيقظ حيوان الشر داخله؟ جميعها اسئلة نجدها في مسرحية «الرايونو سيتي».

عن الخنوع والطاعة الابدية كان مهذب وجامعي البلاستيك نقطة المحور والبداية، منهم تنطلق الرحلة واليهم تعود؟ مهذب ورفاقه من المعدمين، نراهم يحملون الأثقال فوق القنطرة وينزلون تحتها اين يقيمون فيجدوا العدم والفقر والتهميش.
في «الرايونو» يحفر المخرج داخلنا يطمس تدريجيا كل الاقنعة التي نرسمها على وجوهنا، اقنعة المدنية والتحضر والحياة الجميلة والعمل و الدولة والديمقراطية وحقوق الانسان، بحركات مضطربة ونص موجع يمحي المخرج تدريجيا كل الاقنعة ليغوص في دواخلنا ويخرج كل ما نعيشه ونعايشه، بطريقة ذكية يقدم الى المتفرج الحقيقة دون تزيين.

تتواصل رحلة المخرج فيقدم للمتفرج مدينة تبدو من الخارج جميلة، ثم يقترب تدريجيا كما الكاميرا ليكشف اغوار ذاك المكان ويسقط الطلاء المزيف فتجدك وجها لوجه امام مدينة لا تمتلك من المدنية الا الجدران فحي شعبي مسحوق تحت عجلات قاطرة التهريب والظلم والتمييز.

في العمل تنبيه من ثورة المستضعفين وردة فعلهم، فمهذب الخانع دائما نجده في آخر العمل المسرحي يتحول الى قاتل وببرود يقتل حبيبته وزوجته بعد ان اكتشف خيانتها، مهذب وكان بالمخرج يوجه نداءه الى السلطة ان احذروا المستضعفين فحين يقررون الخروج من صمتهم تكون النتائج متعبة ومرهقة وقد تقلب راس السلطة.

«الرايونو سيتي» عمل مسرحي يفتت النفس البشرية ويغوص في جزئياتها وشواغلها، عمل عن المهمشين وعن وصرختهم للحياة، عمل وان كان قاسيا سوداويا لم تغب عنه مشاهد الفرح وقد تولى نقله نقله المخرج في لحظات الحب المسروقة ومن خلال لوحة راقصة كان الراقصون فيها يرقصون على الحان الوجيعة وموسيقى العدم ليخلقوا منها نوتة للمقاومة.
عواطف العبيدي، جريئة ومميزة.

الممثلة عواطف العبيدي التي جسدت شخصية دليلة هي الاخرى من رموز القوة في مسرحية «رايونو سيتي»، ممثلة جريئة ومختلفة على الركح قدمت دور المرأة الخائنة تلك التي تجد نفسها مقسومة إلى نصفين بين واجبات الزوج والحبيب، بين ما يريده قلبها وما يفرضه المنطق والعقل، من خلال نظراتها ضحكتها وطريقتها وفي الحركة تقمصت عواطف دور دليلة واقنعت المشاهدين، هي جريئة لان المشهد الاخير من المسرحية يتطلب الكثير من الجرأة للنجاح في أدائه، من واد خضرة إلى الرايونو ومن القصرين الى مدنين تنجح ابنة مدينة الرقاب في صنع شخصية مختلفة وتؤكد أن للمرأة قدرتها على صناعة عالم خاص بها عالم تكون سيدته الأبدية فإرادة الحياة عندها تحطم كل أنواع اليأس والموجود.

فرحات دبش: مبدع حد الاقناع ...
مهذب الشخصية المحورية في مسرحية الرايونو سيتي، شخصية لرجل خانع مستسلم جبان لا يعرف معنى كلمة «لا» بسيط حد السذاجة لا ينطق الحروف جيدا، منكس الرأس شخصية مركبة تتطلب الكير من التركيز والعمل ابدع الممثل فرحات دبش في تجسيدها حد ان اصبح الجمهور يناديه بمهذب خارج المركب الثقافي، فرحات دبش ذاك الممثل الجريء والمحختلف هو ابن مدنين ومن شموخ جبالها وقساوة مناخها تعلم ان يكون قويا صامدا لا يعرف معنى المستحيل في العمل المسرحي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115