بمناسبة الاحتفال بشهر التراث حضارة عريقة... خارطة أثرية مبعثرة ... وتنمية مفقودة !

في مثل هذا الشهر من كل عام تلبس تونس ثوب الاحتفال بشهر التراث وهي بلد 3 آلاف سنة من الحضارة وربما أكثر... وأمام ثراء حضاري عريق وتراث أثري ثمين يبقى البون شاسعا بين القيمة الكبيرة لهذه الثروة الوطنية وبين مدى الحفاظ عليها وتثمينها وحجم استغلالها وحسن استثمارها لدفع عجلة التنمية...

كالمعتاد في كل عام تمّ وضع برنامج خاص بشهر التراث في دورته 26 التي ستنطلق فعالياتها بعد غد أي يوم 18 أفريل لتتواصل إلى غاية 18 ماي تحت شعار «التراث، حضارة وتنمية» فإلى أي مدى يستقيم هذا الشعار؟

ثغرات في مجلة التراث وقصور في هياكل الإشراف
يشكو قطاع التراث من مشاكل عديدة وصعوبات متشعبة ومعقدة، فأزمة التراث ليست أزمة ظرفية وليدة الساعة بل إن أصولها عميقة انطلاقا من خور في الهيكلة مرورا بضعف في التشريعات وصولا إلى نقص في الموارد المالية والبشرية...
ولعلّه من أوكد مطالب القطاع مراجعة مجلة التراث حتى تواكب مبدأ اللامركزية وحتى تتطابق مع واجب الدولة في حماية التراث الوطني. فلم تعد مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية الصادرة بتاريخ 24 فيفري سنة 1994، قادرة على الاستجابة إلى الحد الأدنى المطلوب لحماية التراث الأثري والتاريخي، فضلا عن الغياب التام لأي إجراء يخدم التراث الثقافي غير المادي.

وإن يقوم المعهد الوطني للتراث بوصفه مؤسسة علمية وفنية بإحصاء التراث الثقافي والأثري والتاريخي والحضاري والفني وصيانته وإبرازه والتعريف به، فإنه لم يعد قادرا منذ زمن على مواكبة متطلبات القطاع خاصة مع عدم وجود تمثيل جهوي له ...فبالمقارنة مع ثراء المخزون التراثي وإمكانيات الاستثمار فيه فإن عدد المعالم والمواقع والمتاحف المستغلة لا يتعدى الـ 50 %. كما تشكو المعالم الأثرية من اختلال التوازن بين المناطق الساحلية التي تستأثر بـ 87 % من الزوار والمناطق الداخلية التي لا يتجاوز عدد زوّارها 13 %.
كما لم يعد خافيا أن وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية لم تعد قادرة على تقديم تصورات ومشاريع وفق متطلبات المرحلة. وبسبب الأزمة التي تمر بها البلاد من حيث تقلص عدد السيّاح فقد تفاقمت الإشكالات المادية لهذه المؤسسة وأصبحت عاجزة حتى عن خلاص أجور موظفيها، وبالتالي تعمقت أزمة التراث أكثر فأكثر...

مشروع «تونس مدن الحضارات» والإصلاح الموعود
«مدن الحضارات» هو مشروع جاء به وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين بهدف تثمين التراث الوطني في بعديه المادي واللامادي بوصفه رصيدا متنوعا متعددا يمكن اعتماده منطلقا للتجديد والابتكار والمغامرة في أبعادها الإبداعية والتنموية ... وقد تم رصد كلفة تقديرية لهذا المشروع تقدر بـ 2 مليون دينار. وفي هذا السياق تعمل سلطة الإشراف على إبرام 50 عقد استغلال للمعالم والفضاءات الثقافية والتراثية وفقا لتنصيصات مجلة حماية التراث ولمقتضيات المردودية التشغيلية والاقتصادية المأمولة وذلك بإمضاء عقود لزمات مع مستثمرين خواص قصد استغلال مجموعة من المعالم التاريخية وبعث مشاريع ثقافية بها مع التكفل بترميمها وتهيئتها تحت إشراف ومراقبة المعهد الوطني للتراث. كما أنه من المنتظر دعم حوالي 50 جمعية ثقافية تنموية في مجال تثمين الذاكرة والتاريخ والتراث وفي مجالات تنظيم الزيارات للمتاحف والمعالم والمواقع الأثرية والتاريخية.

فهل سينجح فعلا مشروع «مدن الحضارات» في مصالحة المواطن مع تاريخه وذاكرته الجمعية ومع مصادر ثقافته بمختلف مكوناتها وفي كسر الهوة بين الموروث والمغامرة الإبداعية المحلية والإنسانية من جهة والمبادرة الاقتصادية من جهة أخرى ؟وفي ظل غياب خطة وطنية لحفظ التراث وتثمينه واستثماره...هل يحق لنا الاحتفال بشهر التراث في شهر وحيد من العام لنتناساه ونهمله في باقي فصول السنة؟

155 بناية فوق أراض أثرية في قرطاج !
استنادا إلى معطيات المعهد الوطني للتراث فقد تم تشييد 155 بناية فوق أراض أثرية بمنطقة قرطاج في اعتدا ء صارخ على تاريخ البلد. وإن تمّ في غضون الشهر الجاري تنفيذ 26 قرار هدم ضد من تعمدوا البناء الفوضوي بمنطقة أثرية بحي محمد علي بقرطاج دون رخصة، فقد أفادت بلدية تونس أنها ستنفذ في الأيام القليلة القادمة قرارات هدم أخرى بالمنطقة نفسها ... فهل ستفي البلدية بما وعدت في تحرير الأراضي الأثرية من البناءات العشوائية؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115