العرض الفرجوي «وقت الجبال تغني»: «جبلنا هكاك مزيان مايحتاجش فوتوشوب»

بسطاء وتلقائيون، يغنون للحياة ويصارعون التهميش و التفقير يوميا بالغناء، زادهم «الطرق» ليقاوموا قساوة اليومي، منذ البدء وهم يغنون للحياة، متمسكون بالجبل بحلفائه وعرعاره وإكليله منه يعيشون واليه

يهربون حين تسودّ في وجوههم وتقسو عليهم الحياة، هم اصوات الجبل الاصوات الحقيقية الصادحة منذ الازل بأغاني الحياة.

«نحن ان قسى الجبل حرثناه، ان شحت الحياة حرثنا الجبل، ان ثار الثوار حرثنا الجبل، ان احترق الجبل حرثناه ايضا فالحرائق هنا تزهر زهرا بألوان زاهية وحرائق الجبل يفوح شذاها عطرا طيبا فهو رائحة الشيح والاكليل» هكذا تقول احدى اغنيات الجبل، اغنية تؤكد انههم متمسكون بجبلهم وبالحياة فيه كما غنت مجموعة اصوات سمامة ضمن اولى فعاليات «سمامة عاصمة الثقافة الجبلية»، عرض اسمه «وقت الجبال تغني» ابطاله من الرعاة من متساكني الجبل غنوا وعبروا عن تمسكهم بسمامة لانه وان احترق بالكامل سيحرثونه من جديد وسيزهر حتما.

جبلنا...مسرحنا والفن لن يبرحنا
«وقت الجبال تغني» تخر لها الجباه ساجدة للحياة ساجدة للأنفس المتمسكة بالحياة رغم قسوة الجبل، وقت الجبال تغني تذرف الدموع وتحترق النفوس والقلوب من شدة التأثر بطيبة وبساطة وصعوبة مراس سكان الجبل، وقت الجبال تغني يصبح صوت الرصاص كضحكة طفل صغير ويتحول ذاك الدخان الكثيف الى عطر مميز يستنشقه اهل المكان ويزهر الامل فيهم لمواصلة الصمود وقت الجبال تغني تستحضر الجربوعي وساسي الاسود والدغباجي وجامعات الاكليل وكل الصادقين الذين رووا سمّامة بدمائهم، وقت الجبال تغني تكون سمّامة قبلة عشاق الحياة.

وقت الجبال تغني يكتب سكانه ملحمة فنية فرجوية، وقت الجبال تغني تدندن «خالتي مباركة» اهازيج العشق القديمة، ويرقص الجمعي بتعابير وجهه الصارمة رقصة عاشق ازلي ويصدح الكامل محادثا صليحة بصوته الجهوري ورغبته المتشوقة الابدية للوصول الى «كاف الحمام» اعلى سمامة.

وقت الجبال تغني هو عرض موسيقي فرجوي يختلف عن غيره من العروض، عرض لم يكتب نصه في مختبرات كتابة او ورشات وإنما ولد من رحم الحقيقة، عمل ابطاله الرعاة غنوا وامتعوا الجمهور وحادثوهم بلغة الجبل،عرض هو إعلاء» لصوت أهالي الجبال، عرض يحاكي صمود سكان الجبل في وجه الظّالمين وهو سعي إلى التأريخ لهذه المرحلة المهمّة في حياة الجبال التونسيّة ولتحدّي الرعاة للخوف والإرهاب دون سلاح.

عرض ملحمي ابطاله (وعددهم أربعون)، ليسوا إلا رعاة لم يصعدوا فوق خشبة المسرح يوماً، وهم أشخاص بسطاء من سكّان جبل سمّامة لكنهم مبدعون وموهوبون وقد تمرّنوا على هذا العرض طيلة أسابيع ليقدموا لجمهور سمامة عرضا مميزا ينبعث من رحم المعاناة والحقيقة، عرض لنم يمثلوا فيه ادوارا بل قدموا ما يعيشونه يوميا، تحدثوا عن الجبل «جبلنا، ارضنا» غنوا للإرادة الدائمة لجمع الاكليل داخله، وراقصوا نغمات القصبة رفيقتهم في الفيافي وتحدثوا عن «الطرق» زادهم في البحث اليومي عن القوت « الطرق راهو ، الطرق راهو دواء، الطرق راهو سماء، الطرق، راهو طريق، الطرق هو جبلنا» كما تقول احدى الاغنيات.

لنا الجبل... سنحرثه وسط الحرائق وسيزهر
في مسرح حفرته حضيرة الجبل وبنوه حجرا حجرا متحدين صلابة الجبل، وعلى ركح فرش بالإكليل والشيح والزعتر وتوار الحارة والجرجير فاتحدت العطور التي امتعت انوف الزائرين، امام جمهور مكون من الفي طفل ويزيد توافدوا من الشرايع والسلاطنية ومشرق الشمس وريف المثنان وغيرها من ارياف الجبال غنوا للحياة ورقص الاطفال رقصة النصر وقدموا عرض «وقت الجبال تغني».

مصطفى الذيبي وكامل الهلالي وصليحة الهلالي والأمجد الدبابي مباركة بنت عبد الله ومحمد بن حسن والجمعي الهلالي وحسن دبابي وسيرين بن عباس واحمد بن المكي الدبابي هم ابطال ملحمة وقت الجبال تغني، رعاة حفظوا الجبل وأهازيجه، لكل مناسبة اغنية ولكل حدث شعره وطرقه، مجموعة اصوات سمامة كما سماها عدنان الهلالي في اطار التجديد الثقافي.

وقت الجبال تغني عرض فني حضر فيه الرقص والغناء والأشعار والارتجالات الفنية، عرض اشرف عليه موسيقيا محرز العبيدي وعبد الدايم الهلالي والفنان مقداد الصالحي اشرف على التوظيب الركحي للعرض والكوريغرافيا لمجموعة غار بويز.

عرض ولد من حب السكان لجبلهم، على الركح تغنوا بجماله، ذكروا الحضور بتاريخ الجبل، اعلنوا عن تحديهم الابدي للـ»البوم» (الارهابيين الذين استوطنوا الجبل) وأكدوا انهم متمسكون بحقهم في الجبل لو عششوا فيه لسنين فمصيرهم الرحيل.

هناك في ركح مسرح الفلاقة غنوا للأمل، اعلنوا تحديهم لجميع المخاطر ليعلنوا عن تمسكهم الابدي بسمامة، هناك تساءلوا في سخرية عن الدولة التي «نساتنا من وقت الشعبة» وهناك من سفح سمامة اعلنوا مقاطعتهم لكل الاحزاب «قررت نصوت للذربان ومانصوتش للحزاب» هناك حيث صوت دوي الرصاص داخل الجبل ورائحة احتراق الصنوبر هناك غنت مالية الهلالي جامعة الاكليل التي فقدت عينها انها مازالت حية ومازالت تقاوم ومازالت متمسكة وسكان الجبل بحقهم في جبلهم.

وقت الجبال تغني، اصوات سمامة اطربت الحضور فتخمر وانتشى وبكى وغضب وشفق على الدولة وكره الساسة والأحزاب ورفعوا شارة النصر عاليا، الرعاة الذين استماتوا في الدفاع عن جبلهم استماتوا ايضا في الدفاع عن اغانيه

الرعاة الذين «حرثوا وزرعوا وجمعوا الاكليل ونوار اللوز واقتلعوا الحلفاء على مقربة من الموت المحدق، صرخوا جميعهم ان الجبل جبلهم، والفن اداتهم للايصال أصواتهم هناك مبدعون حقيقيون لم يتدربوا في دور الثقافة ولا المراكز الابداعية وإنما علمتهم قساوة الحياة كيف يغنون وينشدون اناشيد كشفت عن إبداعهم المتجذر في عمق الأرض و متفرع في وجع الحياة الجبلية وجمالها، قلوبهم المتعلقة بالجبال ترجمت لنا اليوم معنى أن تصمد في وجه الإرهاب ، ملحمة جبلية علمتنا معنى الانتماء لتراب تونس بعيدا عن نفاق السياسيين وضيق المقرات وعصابات الأحزاب، من هناك صنعوا الملحة التي انطلقت من حبهم لجبلهم.
«وقت الجبال تغني» أولى عروض سمامة عاصمة الثقافة الكونية، عرض اتحدت فيه كل مقومات الفرجة وتماهت داخله فنون مختلفة، عرض قدم بشعار «جبلنا عاصمة تناطح السحاب وتكنس الذئاب والذباب والضباب» فهناك صنوبرهم مكابر ومقاوم اصيل وغنائهم قتال.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115