في فضاء القناع مسرحية «تحت السطح» لمختار الفرجاني: لنا المسرح لنشر ثقافة الحياة ...

ماهو الوطن وماهي العائلة ما معنى الحلم ومامعنى التعب حد الارهاق لتحقيق حلم ما ، وكيف تسرق الاحلام وتنهب الامال وتسكت الاصوات المنادية بالحياة، ماهي العلاقة بين الفرد والسلطة و هل يستقيم النقد تحت السقف ام فوقه؟ واي سقف وجب عدم تجاوزه

في النقد جميعها اسئلة طرحا مختار فرجاني وكريم خرشوفي ورحاب غرس و اوس ابراهيم وحامد سعيد ومحمد كواص في فضاء القناع.

عمل موجع حد الارهاق، نص مؤلم يدفع المتفرج للتساؤل عن الوطن الاكبر و الوطن المصغر العائلة، يدفعك لتسال عن الحب عن الحلم عن الامل وعن الكادحين، بديكور جد بسيط «ستائر سوداء» اختار مختار فرجاني الوصول الى المتفرج اينما كان لتقديم عمل مسرحي مختلف اساسه قدرة الممثلين على الاقناع.

لنا الحلم...لنعيش
تحت السطح مسرحية كانت من أولى الاعمال التي بعثت الروح في خشبة فضاء القناع بالمحرس، على الخشبة قدمت المجموعة عملا مقنعا موجعا يحلل الواقع بطريقة فنية مميزة، عمل دون ديكور، احدهم مرمي على القاعة وحوله امرأتان تنوحان ورجل يقرأ القرآن، وأول الكلمات هي «سافا باهية الحكاية» ليفهم المتفرج ان الوالد هو قارئ القرآن والآخرون بقية افراد العائلة في المأتم ينوحون وفي المحافل يطبّلون ويهللون وذلك عملهم وبين الترح والفرح امال ضائعة وأحلام تبحث عن موطن قدم لها.

ابطال الحكاية عائلة مكونة من الاب عمر و الابن الاصغر و الابنة وهرة والابن الاكبر الذي يريد العمل في الجيش و الاخر التلميذ الحالم بالدراسة في الجامعة، جميعهم يشتركون في حلم واحد هو جمع الاموال ولكل طريقته في صرف مايريدون جمعه.

تتصاعد احداث المسرحية، يتحركون على الركح بخطوات جد محسوبة، ما يثير الانتباه غياب الديكور فقط ستائر سوداء يحملها الممثل حين يخرج من الركح ليفسح المجال لزميله، طيلة خمسين دقيقة تحدثوا عن الوطن، عن الثورة عن الاحلام المسروقة وعن جدبروت الحاكم امام احلام الشعب.

في تحت السطح يمثل الاب السلطة الديكتاتورية، ويكون الابن التلميذ هو رمز للشعب الاول خامل يبحث عن المال ويريد اقناع ابنه المتعب ببيع محصول الحلفاء ليفتح الاب «كشكا» يحمل اسمه، بينما يجمع التلميذ الحلفاء طيلة العطلة ليبيعها وبثمنها يمكنه اتمام دراسته، بين قسوة الاول وطمعه وحلم الثاني ورقته تضيع الاحلام وآمال التلميذ فالأب يحرق الحلفاء بالكامل لحدّ أن يدفع بابنه الى الجنون وكأننا بالممثلين يشيرون الى حالة المواطن التونسي في علاقة مع الحاكم مهما كان اسمه او رمزه.

عمل قاتم يطرح العديد من الأسئلة عن الانا ودوره في الوطن، سؤال عن الحلم وكيفية العيش معه ومن خلاله سؤال عن العمل الشاق وعمن يقضون الساعات الطويلة في العمل المجهد مقابل دنانير قليلة، سؤال عن اللذين سرقت منهم اجمل سنوات الطفولة وسرقت احلامهم وهم منكبون في عمل يسرقه اصحاب القرار.
في العرض تكون النار الشرارة الحارقة تحرق المحصول والاحلام، نار كتلك التي اشعلت فتيل الثورة في البلاد.

ولكن للحلم بقية، فالابن التلميذ وبعد جنونه اختار «السطح» فضاء للعيش وأصبح يشكل شخصياته كما يريد، يتحكم بالعائلة ويبنى امال اخرى ربما لن تتحقق ولكنها تحدث سعادة داخلية بمجرد الوقوف عندها، تحت السطح عمل موجع يثير السؤال ولكنه يبعث في النفس الطمأنينة عمل يؤكد ان الثورة لازالت مستمرة «لم نجعل احدا يثور ولكن ذكرنا الناس بأن الثورة ليست كذبة ، بل موقف يحمله الثائرون، ويرضخ لذكره الذاكرونّ على تعبير مخرج العمل.

هي المراة...والوطن
هل تستقيم الحياة دونها؟ قطعا لا فالثورة أنثى والبلاد أنثى والمحبة أنثى والسعادة أيضا ولأنها سر التوازن جعلها المخرج مختار فرجاني محور العمل «وهرة» (رحاب غرس) الفتاة البسيطة التونسية الحالمة بغد أفضل للمرأة الصامتة والصامدة، تتحمل قسوة والدها وتزرع البسمة والأمل عند شقيقها الاكبر وتسرق لحظات من الحب تبعثها في روح شقيقها التلميذ وتقاوم رغبتها المتواصلة بالهرب من ذاك المكان، هي امرأة قدمها المخرج في صورة الفاتنة الجميلة قوية الشخصية، هي انموذج عن المراة التونسية التي تظهر القوة بينما حقوقها مسلوبة في بلد له العديد من القوانين التي تحمي المرأة ومكتسباتها.
«وهرة» هي الثورة الكل يريدها، الكل يريد ان تكون لصالحه، الكل يريد ان يشكّلها كما يريد، «وهرة» أيضا هي الوطن لكل منا طريقته الخاصة في رؤيته و التفيكير في اعادة تركيبه دون السؤال عما تريده «وهرة» لم يتجرا اي كان هلى طرح السؤال؟ ما الذي سنقدمه للوطن؟ ما الذي سنفعله ليكون الوطن أفضل لماذا نتعامل بأنانية ونفكر في مصالحنا الضيقة ونتناسى مصلحة الوطن الأكبر ورحاب غرس ابدعت في تقمص شخصية وهرة فكانت صورة للمرأة التونسية الكادحة صورة للطفلة الحالمة وصورة للوطن الرافض للموجود، صورة لثورة مشتعلة لن تخفت هي صورة للمراة التونسية التي لم تمر بالصدفة من عليسة الى الكاهنة الى كل المناضلات جميعهن احدثن الفارق في تاريخ تونس.
«تحت السطح» لمختار فرجاني صورة اخرى عن الوطن المصغر، مسرحية تطرح السؤال عن الثورة والثوار والحق والواجب، مسرحية عن الامل والألم عن السلطة والشعب قدمها ممثلون جد محترفين زادهم حبهم للمسرح وإيمانهم بصدق رسالتهم.

كريم الخرشوفي.. فنان مختلف


ممثل مختلف، مبدع يقنعك في كل أعماله كلما صعد الخشبة الا واقنع المتفرج بادائه، كريم الخرشوفي الممثل الصاعد له قدرة عالية على تقمص الشخصية لحدّ التماهي يشعرك بصدقه امام المتفرج، وفي «تحت السطح» اكتشف الجمهور صوته الجميل لأنه يتقن الغناء جيدا خاصة تراث الجنوب وهو ابن بني خداش من ولاية مدنين، صلب كما حجارة تلك المناطق متمسك بالحلم شان اترابه ممن يقطنون تلك المناطق البعيدة، يبحث عن الاختلاف والتجديد في ادواره وكلما شاهدته تشعر انك تكتشف الشخص والشخصية للمرة الأولى فهو حالم ومتمسك بحلمه واستطاع ان يفتح (فضاء ثقافي خاص) في مدنين سماه «مسرح الجيب» ليكون فضاء بديل يمارس فيه كل فنون الحلم وأشكال بناء الأمل.

مختار الفرجاني مخرج «تحت السطح»
نريد مسرحا لكل المواطنين


عن المسرحية تحدث المخرج مختار فرجاني واكد ان «تحت السطح» عمل وليد ظرف، كمتخصص في قطاع المسرح ارى المسرح ضرورة خاصة لأولئك اللذين لا يملكون الوسيلة للذهاب الى قاعات العروض، ومن هناك انطلق البحث لنحاول تقديم نوع من المسرح يتماشى مع كل البنى التحية، لتكون تحت السطح مسرحية يمكن ان تقدم في كل الفضاءات مهما كانت البنية التحتية او التجهيزات التقنية».

واضاف محدثنا «اشتغلنا على قاعة متنقلة واستعملنا الكواليس المتحولة التي يبنيها الممثل ثم يزيلها، فحين تشاهد المسرحية في قاعة بالعاصمة او قاعة داخل الجمهورية تجدها نفسها لن يحدث تغيير المكان فارقا في العمل».
مشيرا الى ان تحت السطح حكاية تلميذ من مدينة فقيرة يريد الدراسة في العاصمة يجمع الحلفاء ويبيعها لتغطية مصاريف الدراسة ولكن الوالد يريد استغلال المحصول فيحرقه ليخسر الجميع، ما أردنا قوله ان قمنا بثورة فيجب ان نسعى جميعنا لتحقيق اهداف الثورة لأنه في حالة نسيان المواطن للأسباب التي ثار من اجلها ستضيع حقوقه هدرا.
في العمل نشجع على العمل ونريد ان نذكر ان السلطة لازالت تفتك حقوق المواطن وربما يعود الى حالة اسوأ مما كان عليها ان واصل الصمت.
وأكد مختار فرجاني ان حضورهم للعرض في القناع هو «واجبنا تجاه كل الصادقين، وجب ان يكون لكل المناطق فضاءات ثقافية مقاومة قريبة من المواطن فنحن في موجة فنية تؤمن بضرورة العمل لافتكاك الحقوق».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115