في افتتاح الندوة العلمية الدولية «النص والسياق» بالقيروان: حضور لافت ومساهمات مميزة

وسط متابعة مكثفة من الطلبة والاساتذة وتحت إشراف نائب رئيس جامعة القيروان ، انطلقت امس بقاعة الاطروحات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، فعاليات الندوة العلميّة الدوليّة «النص والسياق» التي تولّت تنظيمها مدرسة الدكتوراه بالمؤسسة، وتتواصل لمدة ثلاثة أيام بمشاركة

اكثر من خمسين استاذا وباحثا من تونس والمغرب ولبنان ومصر و الجزائر.

تضمنت فعاليات اليوم الأول، أربع جلسات علمية ادارها الأساتذة: محمد الشاوش وجليلة طريطر ومنجية عرفه منسية والطاهر بن يحي ،كما أثث مداخلات هذه الجلسات ستة عشر استاذا وباحثا على غرار مداخلة د. محمد خطابي من المغرب بعنوان «نجاعة السياق في الفهم وحدوده» ،وانطلقت من بعض الحكايات خاصة مدحيّة زهير بن كعب في الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي قصيدة غدت ظاهرة في تاريخ الشعر العربي عارضتها مئات القصائد وترجمت الى لغات حية عديدة وانتجت عشرات المؤلفات ليطرح من خلالها الخطابي سؤالا محوريا :لماذا تمكنت هذه القصيدة دون غيرها من القصائد المدحية تحديدا، من إطلاق هذه الدينامية؟ بالإضافة لعدّة أسئلة إلام تعود هذه الدينامية؟ إلى القصيدة؟ إلى النص؟ إلى الخطاب؟ هل نفسّر هذه الظاهرة بمقام قولها؟ بسياق قولها ؟..اما مداخلة الأستاذ حسين حمّودة من مصر فعنونها بـ «تحوّلات السياق واختبار حدود النوع الأدبي»، واهتمت خاصةّ بالسياق غير اللغوي على حساب السياق اللغوي في مقاربة الأشكال الأدبيّة ، كما نبّهت إلى الحراك الدائم في اجتياز الحدود بين أشكال أدبية متعدّدة في ثقافات متعدّدة داخل دائرة الأدب العربي..

دور المقام في الكشف عن المعنى: الخطاب الاشهاري انموذجا»
تدخل د. عبد الرحمن التمارة من المغرب في موضوع «إنتاجية التأويل بالسياق: قراءة عبد الفتاح كيليطو للسرد التراثي» وخلُص الى إنّ كشف إنتاجية التأويل بالسياق، من خلال التجربة النقدية لعبد الفتاح كيليطو المُنصبّة على دراسة التراث السردي العربي، يتأسس على ثلاث مقولات مترابطة؛ الفعالية المنهجية، ودينامية السياق، والإنتاجية المختلفة لهذا، تظهرُ المقولة الأولى مقترنة بالتأويل باعتباره آلية منهجية لدراسة النص السردي التراثي العربي، وكشف ثرائه الدلالي، وتتجلّى المقولة الثانية متّصلة بتنوُّع التأويل وغنى أدواته في القراءة والتحليل، ومنها السياق الذي يسعف في توليد دلالات متنوعة وأبعاد مختلفة للنص السردي التراثي وتبرز المقولة الثالثة مرتبطة بتجربة نقدية ساهم مؤسّسها في بناء خطاب نقدي تحكه خلفية معرفية واستراتيجية تنظيمية وآليات منهجية ومنظومة مفاهيمية خاصة، مما ساهم في إنتاجية نقدية مغايرة للمألوف في قراءة الأدب السردي العربي التراثي..يرتهن إبراز مظاهر التأويل بالسياق، إذاً، في قراءة النص السردي التراثي، بكشف وظيفته الإنتاجية في بناء أبعاد متعددة ومتنوعة للنص السردي التراثي، كما يبيّنها المنجز النقدي لعبد الفتاح كيليطو..إنّ دراستنا لهذا المنجز، تقوم منهجياً على محورين اثنين: المحور الأول يتصل بالتّصوّر النظري للتأويل بالسياق، والمحور الثاني يرتبط بمقاربة تحقق التأويل بالسياق.. وفي ورقته الموسومة بـ«دور المقام في الكشف عن المعنى، الخطاب الاشهاري انموذجا» ، تناول د.عبد الكبيرعلاوي من المغرب أهمية المقام في بناء المعنى والكشف عنه من جهة، والاستلزامات السياقية في الخطاب الاشهاري من جهة اخرى، فالمقام هو الاساس الذي ينبني عليه الوجه الاجتماعي من وجوه المعنى، وهو الرصيد الحضاري للقول، لان القيمة الفنية قيمة سياقية تبرز من تلاحم عناصر النص وتماسكها ونظمها... وفي الدراسات الحديثة ترتبط السيميائيات بالتداولية وبخاصة في الخطاب الاشهاري ، الذي يعتمد على إيصالات تواصلية واقتضاءات معرفية واستلزامات منطقية واستدلالات حجاجي وفي تمرير رسالته، وقد مثلت لذلك بالصور الاشهارية باعتبارها مكونا من مكونات الخطاب الاشهاري واختار د.علاوي نماذج من كتاب تفكيك رموز الاشهار للكاتبة» ليز والز» ليخلص الى ان الخطاب الاشهاري نسق لغوي وغير لغوي مقامي مشروط بسياقه، يتوقف تحققه على تحقق تواصل تفاعلي بين طرفيه..

نحو مقاربة مندمجة للسياق
قاربت مداخلة د.علوش كمال من الجزائر موضوع «فاعلية السياق وحيز المعنى عند ستيفن أولمان» وتطلعت الى مقاربة مفاهمية للسياق عند ستيفن أولمان وفاعليته في المعنى المرتبط بحيز زماني ومكاني هو جزء من هذا الاخير ، ولذلك فإن هذه المقاربة تمت على مستوى اساسيات نظرية السياق التي قدمها أولمان ضمن كتابه «دور الكلمة في اللغة « من خلال بعض اجزاء فصول بحثه ، ومنها ما سماه بمنطق المعنى او جغرافيا المعنى وتغيير المعنى وتعدده ووضوحه وغموضه، والذي لا شك فيه ان هذه الطروحات لفاعلية السياق في المعنى عند اولمان تسجل لدارسي السياق مرحلة اساسية في اكتمال بناء نظرية السياق ، ومن ثمة يمكن البحث فيما قدمه اولمان لهذه النظرية التي ارتقت وتطورت تدريجيا مقارنة مع ما قدمه مؤسسها جون فيرث ..؟ أما أ. صبحة ساسي فتدخلت في موضوع «أثر السياق في توجيه المعنى ، المقاربة التداولية أنموذجا « وتعرضت خاصة الى المباحث التداولية من خلال ثلاثة نماذج :العمل اللغوي، اللبس والغموض في الخطاب والاستلزام المحادثي ،كما بينت أن السياق لم يعد معطى خارجيا تتنزل فيه المعطيات اللغوية بعد اكتمال خصائصها النظامية بل هو جزء أساسي من ذلك النظام الذي لم يعد منغلقا وأصبح يحتوي السياق. مضيفة أن السياق يبني الخطاب ويُبنى به ، فالعلاقة بين النص والسياق علاقة جدلية تفاعلية كما للسياق دور في ضمان التفاعل وتواصلية الخطاب وانجاح التواصل ،هذا و اوضحت ساسي ، ان النظرية النحوية العربية قائمة في جزء منها على نظامية السياق وقابلة لإعادة النظر فيها في ضوء المفاهيم التداولية.. في حين قدمت د. منية عبيدي مداخلة معنونة بـ»نحو مقاربة مندمجة للسياق» التي تتنزل في اطار المدرسة اللسانية الحديثة وبالتحديد في اطار مدرسة التحليل النقدي للخطاب، هذه المدرسة التي أولت السياق مكانة هامة في فهم وتأويل الخطاب، ورغم اشتراك روّادها في الخلفية النظرية ، فانهم اختاروا مناهج مختلفة لمقاربة الخطاب بصفة عامة ولمقاربة السياق بصفة خاصة، اختارت العبيدي نظرية تجمع بين العرفاني والاجتماعي لـ «فان دايك»، فما هي حدود هذه النظرية ؟ وهل استطاعت أن تتجاوز النظرية التقليدية للسياق؟ ..هذا وشفعت الجلسات العلمية الأربعة، بنقاشات مستفيضة حول ما ورد في المداخلات ،كما قدمت عديد الإضافات المهمّة..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115