الباحث والناقد في الأدب الشعبي بلقاسم بن جابر لـ«المغرب» لابدّ من الإسراع في جمع المدونة التراثية الشفوية في الأدب والشعر الشعبي

بلقاسم بن جابر أستاذ شاعر وباحث وناقد في الأدب الشعبي، له عديد الدراسات المنشورة في هذا المجال ، من روافده يتدفق الأدب فياضا ويسكنه وقد كان حضوره مؤخرا لافتا سواء في الدورة الدولية لمسابقات المهاري» الهجن» أو في مائوية

الاديب محمد المرزوقي والعكاظية الشعرية للدورة 49 للمهرجان الدولي للصحراء بدوز، عن الأدب الشعبي والشعر خصوصا وعن رؤيته لواقع هذا الادب واستشراف سبل تطويره فضلا عن عديد القضايا الثقافية الأخرى كان لنا معه الحوار التالي:

• اختتمت الدورة 49 من المهرجان الدولي للصحراء بدوز ،لنبدأ بفعاليات مائوية المرزوقي التي كانت الحدث ما تقييمكم لهذه الفعاليات وماذا بعد بالنسبة لملتقى الأدب الشعبي ومركز البحث وغيره من التوصيات ؟
التقييم لا يخضع للمواقف الإرتسامية والتعميم بل إلى ضوابط معلومة أهمها التنظيم والأمن والاعلام والاضافة والحضور الجماهيري والمواكبة والاشعاع وغيرها وقبل ذلك الغايات والاهداف ومدى تحققها وارى ان درجة النجاح فاقت المتوقع ،فالمائوية التي حاربنا لأجل ان تكون في مدينة دوز وفي شكل ندوة علمية وبحثية ركزت على المنتوج التراثي والشعبي استمرت يومين كاملين وجمعت نخبة مميزة من الباحثين والاكاديميين منهم ثلاثة من ابناء سي محمد المرزوقي واساتذة من مصر والجزائر وتونس ، أما اهم التوصيات فهي: اكمال بقية الاعمال الكاملة واعادة ملتقى محمد المرزوقي واحداث مركز التراث الثقافي الشعبي محمد المرزوقي بدوز وهي توصيات ابلغناها لوزير الشؤون الثقافية حين قدم في اليوم الاول للمهرجان وابدى تفاعله الايجابي معها ودعانا الى بلورتها في تقرير متكامل نعرضه عليه في جلسة دعانا اليها وهذا ما نعتبره نجاحا تجاوز الاحتفالية بالمائوية الى مفاعيل عملية مستمرَّة ومثمرة.

• هناك إجماع بان العكاظية الشعرية لهذه الدورة كانت استثنائية في كل شيء تنظيما ومتابعة وابداعا، فهل ارتقى ما قدمه المشاركون في هذه الدورة الى مستوى ابداعي كبير وحمل تجديدا ؟
لا اخفيكم اني تهيَّبت المسؤولية الجسيمة التي كلفني بها الإخوان الشريف بن محمد مدير المهرجان ويونس بن عمر نائب المدير ورئيس لجنة الشعر رغم اني خضت التحكيم في المهرجان الدولي للشعر الشعبي بدوز وفي مهرجان الحامة الدولي ومرد التهيَّب هو المعايير العالية التي ضبطتها لجنة الشعر والفرز بانتقاء 12 نصَّا من خيرة النصوص الشعرية لتكون جديرة بركح عكاظية دوز اقوى مسابقة شعرية في تونس وفي الوطن العربي بامتياز ولكني اقدمت على الامر بغاية واحدة هي ان تعود دوز لإشعاعها الشعري الابداعي باعتبارها ميزان الجودة وعيار القول الشعري الشعبي من زمن بعيد وكانت اللجنة مكونة من خيرة المختصين في الثقافة الشعبية والشعر الملحون في الوطن العربي مثل الدكتور حمد شعيب واحمد زغب وبحضور شاعر ومبدع في قامة الأخ شهاب بن عمر.. كانت العكاظية درّة عقد المهرجان لهذا العام تنظيما وترتيبا ومتابعة من جمهور ولا أروع استحق ان تقف له لجنة التحكيم اجلالا وتقديرا، وقد حرصت على اقتناص الوقت الضيق المزدحم لأقدم تنويرات تراثية تستعيد نصوص الفحول من الشعراء وغوصهم في أوزان نادرة في الشعر الشعبي وقدرتهم على الارتقاء بالصور الشعرية الى منتهى الإبداع والبراعة والتجويد، أما المشاركات الشعرية فقد وقفنا في لجنة التحكيم على جودة النصوص والتزامها بشروط الشعر الشعبي الأساسية وبشروط المسابقة وكل الشعراء الذين وقفوا على الركح أبدعوا في مضامين الموضوعات المطروقة ولا ننس النص الغنائي وبالمناسبة أدعو الملحنين إلى استغلال نصوص شعرية غنائية مميزة لتلحينها.

• ماذا نعني بالأدب الشعبي؟ و لماذا هُمش هذا الأدب؟ ما هي مكانة الأدب الشعبي ضمن خارطة البحث الأكاديمي والنقدي التونسي والعربي عموما؟
الأدب الشعبي هو مفهوم اشكالي بين الباحثين الكبار من اعلامه أحمد رشدي الصالح وحسين نصار ونبلية ابراهيم وعبد الحميد بورايو وانا اعتقد ان الادب الشعبي كما قال حسين نصَّار « هو الادب المجهول المؤلف العامَّي اللغة المتوارث جيلا بعد جيل بالرواية الشفويَّة» وهذا تعريف يشمل الشعر والحكاية والاسطورة والمثل والاهازيج والاغاني والملاحم..انه ادب الشعب المتوارث الذي ينبض بالحياة والمعاني وعمق الهوية والذهنية والذاكرة ورؤيا العالم والكون والعقائد والتواريخ وهو ما يجعل تهميشه عملا يتناقض مع العمل العلمي والوطني وللأسف فان الادب الشعبي يدرس في ارقى الجامعات العالمية والعربية بينما يصر البعض في بلادنا على ابعاده من الدراسة الاكاديمية ومن البحوث الجامعية بحجج لم تعد تقنع ونحن نرى في دول الجوار المغاربية كراسي علمية انتجت عشرات الاعمال المرموقة التي حللت جميع المأثورات الشعبية ومنها الأدب والشعر بينما يضيع تراثنا الشعبي التونسي ماديا وغير مادي وربما يقع استغلاله بطريقة بدائية تشوهه وتدمره.. اننا نؤمن ان هذا الامر لن يستمر فثمة دعوات ملحة وعمل دؤوب لكسر هذا الحاجز الاكاديمي ولكننا ندعو الى ما هو اكثر الحاحا وضرورة وهو جمع المدونة التراثية الشفوية المتصلة بالأدب بمختلف فروعها وخاصة ما يتصل بالشعر الشعبي الذي وقع جمع القسم الاهم منه انطلاقا من الستينات وكان اسهام اديبنا محمد المرزوقي فيه عظيما والخطر الأكبر هو التعامل غير العلمي مع هذا التوثيق ولذا ندعو الى الاسراع بتشكيل لجنة من المختصين والدارسين والاستعانة بخبرات اليونسكو لتحقيق المجموعات ونشرها بطريقة علمية موضوعية تجعلها مرجعا جديرا بالبحث الاكاديمي والقطع مع الطرق البدائية والنشر المتسرع والنهب والسطو وهذا المسعى في توثيق التراث الشعبي الشفوي لمسناه من لقائنا السريع مع وزير الشؤون الثقافية في زيارته الاخيرة لدوز واعجابه بالعكاظية الشعرية.

• ما المطلوب اليوم من وزارة الشؤون الثقافية باعتبارها الراعية الوحيدة تقريبا للثقافة في تونس، لإعادة الاعتبار للأدب الشعبي ؟
دعنا نقول دون مجاملات أننا نلمس في التوجه الجديد لوزارة الشؤون الثقافية إيمانا أن الثقافة جماهيرية أو لا تكون فمشروع مدن الفنون وساحاتها والسعي إلى استعادة المراكز الثقافية التاريخية وتوظيفها لتكون مجالات إبداع والتكثيف من التظاهرات الثقافية والمهرجانات امور لافتة ومهمة ولكن الواجب اليوم هو التركيز على الدور الوظيفي الراهني للثقافة وهو التصدي للتطرف والارهاب والغلو والانحراف الفكري والسلوكي فللثقافة وظيفة وطنية هامة اضافة الى التعليم والتربية، إن هذا الدور المهم يستدعي التركيز على الثقافة الشعبية الاقرب الى روح الشعب والى التأثير العميق فيه وزرع روح الاصالة والاعتداد بالذات وحمايتها من الزيغ والانبتات والغلو وشحنها بالأبعاد الايجابية والقيم الجوهرية الاصيلة والايمان بالوطن وارث الاجداد، لذا فإننا ندعو الى اعادة مصلحة الادب الشعبي وإلى احياء اللجان الثقافية الجهوية وبعث اتحاد الشعراء الشعبيين التونسيين وإعادة ملتقيات كبرى مثل ملتقى محمد المرزوقي وبعث المركز الوطني للتراث الشعبي ودعم الجمعيات التراثية بمختلف اهتماماتها ومضاعفة الدعم المرصود للمهرجانات المهتمة بالتراث الشعبي والفلكلور واقامة تظاهرات كبرى مثل يوم التراث الشعبي بمسرح قرطاج واهم من كل ذلك السعي الحثيث لتدوين الادب الشعبي ونشره بطريقة علمية وتشجيع الشعراء بنشر قصائدهم وتلحينها ودعم حضورهم وطنيا ودوليا وان يخصص لكل تظاهرة ثقافية بالخارج ركن خاص بالأدب الشعبي التونسي وان يقع تحفيز الباحثين والنقاد ودعم إصداراتهم وان تخصص الجوائز القيمة والشهادات التكريمية لأعلام الأدب الشعبي التونسي ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115