النادي الثقافي الطاهر الحداد: عرض «جمل يهدر» لشركة تيزيري 13 ... للوطن حكاياته فانصتوا

هي الأرض أم البشر، في حديث العربي والامازيغي حضور للأرض وفي وحدة الجبال والوهاد والسهول حضور للأرض وفي تقاسيم الجبل و تقلبات البحر روح الأرض و في رائحة التراب المبلل بمياه المطر عبق الأرض وفي حديثنا عن الوجود تكون الإشارة عن امّنا الأرض

عن الأرض وعلاقتنا بها عن الأرض وملحها ومائها وزيتها ونخيلها عن قصص الحب فيها و حكايات أبنائها عن تونس البربرية الهوى والروح الامازيغية القرى والعالمية الانفتاح هدر الجمل وتحدث بلسان الانسان عن حكايات هذه الأرض في عرض «جمل يهدر» بالنادي الثقافي الطاهر الحداد.

ضمن فعاليات مهرجان الخرافة الذي يحتضنه النادي الثقافي الطاهر الحداد كان موعد الاطفال و الاولياء مع حكاية مميزة وانيقة هي «جمل يهدر» لشركة تيزيري 13 و»تيزيري كلمة امازيغية ومعناها القمر» للممثل ابراهيم زروق صحبة الحكواتي خالد شنان والعازفين ياسر مذيوب ومنصور صوة.

الارض فينا ومن الارض حكايتنا
في فضاء الحكاية بالنادي الثقافي الطاهر الحداد كل المؤشرات والزينة والديكور توحي بالاهتمام بمهرجان الخرافة.
ركح صغير عليه مقاعد معدة للجلوس، فرش بالمرقوم التونسي وشمعدانات للشموع على اطرافه، برنس معلق في الركن، رائحة البخور تعطر المكان صوتان مختلفان انطلقا من القاعة اول صوت للمياه وثان صوت للرمال كل الزينة توحي ان العرض تونسي.
صوت الناي من احدى الاركان المخفية صوت رقيق وكانه انين عاشق للارض تاه في غياهب الصحراء لازالت روحه متشبثة بالحياة يطلب الاستسقاء عله يرى حبيبته الارض للمرة الاخيرة، يخرج عازف الناي يتجول في المكان يتبعه بقية المجموعة اربعتهم بالبرنس التونسي والشاشية الحمراء واللحفة و الشاش وبعض اكسورات توحي انهم جزء من هذا الوطن منه لباسهم ومنه زينتهم ومنه حكايتهم.

يصمت الجميع وكانهم يلبون نداء الناي الاخير ثم يكون الحوار ثنائيا بين ابراهيم زروق وخالد شنان حوار امازيغي عربي، ابراهيم زروق ناطق بالامازيغية وخالد شنان يترجم الى العربية ويقول «تحت الارض هناك الغاز وفوق الارض الرمال، نحن امازيغ، شلوح، او بربر لكم حرية تسميتنا ومناداتنا كما تريدون» ويضيف بلهجة رقيقة وموجعة وكانه يوجه لومه الى احدهم «كي تحتاجونا تجيونا بمصوراتكم، محلانا خاصة واحنا مغطين بالشاش، واحنا كي نحتاجوكم؟؟ باقي نراجو فيكم بالك تتبدل نظرتكم لينا؟» في حديث الحكواتي ربما اشارة الى من لازالوا يسكنون القرى الامازيغية أولئك الذين لازالوا يتحدثون «الشلحة» ولم يغادروا الجبل بعضهم أصبح قبلة الزوار فكلما طرح موضوع الأقليات والهويات نرى الكثيرين يحملون آلة التصوير والقيام بزيارة القرى الامازيغية لالتقاط صور «للجمال البربري» على حد تعبيرهم.

بعدها تنطلق الحكاية مع موسيقى العود الساحرة، حكاية «جمل يهدر» هي حكاية جمل تاه في الصحراء إلى ان اعترض طريقه عصفور حاول تتبعه ليجد نفسه في إحدى الواحات ثم يقرر الجمل الصغير البحث عن حل لإحدى الاحجيات والسؤال عن منبع الأشياء والى اين تسير، في الخرافة او الحكاية استعمال للحيوان للكناية عن حكايات الانسان تماما كحكايات الجاحظ.

بطل حكاية ابراهيم زروق جمل صغير ومن خلال جولته يتعرف المستمع الى القرى الامازيغية فيبدا جولته بواحة توزر الى بوابة الصحراء دوز ثم جولة في تمزرط وقابس الى حين الذهاب الى جربة ومنها الى قلالة، في «جمل يهدر» وبأسلوب حكائي جميل مشوق ومضحك يتحدث ابراهيم زروق وخالد شنان عن الإرض وعن القرى الامازيغية عمن سكنوا هذه الارض وعمروا ربوعها، بطريقة مختلفة تشد كل الحواس تجدك منتبها الى الحكاية تتساءل عن الاحجية ترافق الجمل في رحلته تغمض عيناك وتتخيل الاماكن التي يزورها الراوي وهو يحكي قصته فتسمع خرير مياه راس العين في توز ثم تتامل جمال الواحات الخضراء في دوز لتعانق جبال تمزرط والزراوة وتشاهد مساكن الحفر في مطماطة ثم تستنشق رائحة (الحنة القابسية) قبل أن تنعش عينيك وكل حواسك برائحة البحر الممتعة وتلك هي تونس جبل وبحر وصحراء ثالوث هو عنوان جمال هذه الأرض.

للموسيقى سحرها في الحكاية
هي لغة الملائكة هي شدو الأرواح المفعمة بالحب والجمال هي لون الحياة وإلياذة العشق السرمدي تلك هي الموسيقى سر من اسرار نجاح حكاية «جمل يهدر» في العرض الحكائي حضرت العديد من الآلات الموسيقية بالإضافة إلى موسيقى الطبيعة وزقزقة العصافير التي يستخدم فيها الممثلون أصواتهم حضر العود بنغماته الرقيقة في مشهد الحب و مشهد الفراق وحضر الناي في الحديث عن رائحة الأرض المروية بعروق ودماء أبنائها وحضر البوق للإعلان عن تمرد داخلي سكن الجمل حين قرر البحث عن الاحجية ومعرفة اسرارها وحضرت الدربوكة في المقاطع الغنائية الراقصة ، في «جمل يهدر» لكل مقطع موسيقاه ولكل موسيقى رسالة مختلفة ولكل مقطوعة موسيقية حكاية عشق وجمال، جمال هذه الأرض التواقة إلى الحياة أبدا.

بين الجد والهزل كانت الحكاية
في جمل يهدر حديث عن العديد من المواضيع بعضها متعلق بالخرافة وبعضها الآخر بما هو حيني واني في الخرافي حديث عن التجار والبيع والشراء وبلهجة ساخرة وتعابير وجه خالد شنان المضحكة التي تفاعل معها الأطفال نقد موجع للعديد من المواضيع التي تمس المواطن التونسي ومنها حقوق العمال حين يتحدث عن قلالة وصناعة الجرار هناك والطين الذي يبتل بعرق العمال والحديث أيضا عن «لمبدوزا» و«الفلوكة» و«الحرقة» حلم الكثير من الشباب وبلهجته الساخرة يتساءل خالد شنان عما يدفع الشاب الى ترك أرضه خلف ظهره ويولي وجهه إلى البحر فالمركب حمل شبابا كما يحمل الطوفان من أوراق الشجر في إشارة إلى كثرة المهاجرين سرا، في الحديث عن الحرقة تتغير نبرة الصوت ويصبح الحكواتي أكثر جدية وكأنه يندب حظ شباب لفظه وطنه فقرر الموت في البحر.

في حكاية «جمل يهدر» انتاج شركة تيزيري 13 بسوسة نكتشف أن للأرض عبقها لها سحرها وعطرها المميز، لتونس عبق استثنائي هو مزيج من رائحة التراب المبلل بالمياه وعرق أبنائها ونفحة من أشجار الجبل و زهوره البرية مع صفرة رمال الصحراء الذهبية جميعها شكلت هذا الوطن بمدنه وقراه وللوطن حضوره فينا وفي حكاياتنا اليومية ولان الوطن جزء من دمائنا كما التراب كانت حكاية ابراهيم زروق وخالد سنان رسالة للتشبث بجذور هذه الارض بعربها وبربرها فجميعهم بنوا وطن يسمى «تونس».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115