إصدارات: قراءة في ديوان «حرف ونصف معنى» للشاعرة آمال هدازي النبش في أغوار الروح العاشقة

في حرف واحد تسطر الشاعرة آمال هدازي إلياذة إنسانية بامتياز، وتطرح قضايا كثيرة تحدث ضجيجا واضطرابا في روح القارئ...
ديوان

جديد للشاعرة المغربية آمال هدازي صدر مؤخرا عن دار فضاءات في الأردن بعنوان «حرف ونصف معنى»، تطرح فيه قضايا كثيرة تحدث ضجيجا واضطرابا في روح القارئ. إذ يكفي قراءة العنوان لندرك أننا أمام حروف متممة لبعضها، وكل حرف منها يحمل نصف معنى والباقي يُترك للمتخيل البشري ليُحدد بقية المعنى، وإعطاء الأشياء بعدها الحقيقي وتعريفاتها. حروف كتبتها في ظروف خاصة فأنتجت ما بين أيدينا:

سأكتب حيث أجدني
أنا والضوء
قصيدة واحدة...
فبعد ديوانها السابق الذي تضمن عنوانه الهمس، يأتي الحرف ليمارس دوره. ولكنه بنصف معنى بانتظار اكتمال البوح ودائرة الحقيقة التي يبحث عنها الشاعر عبر سباحته في عوالم الكلمة، والتي ستبقى سؤالا مفتوحا طالما أن البشرية تكتب وتخط وتنحت الألفاظ. وبمجرد الدخول في فضاءات قصائد الديوان يتمنى القارئ أن يدرك النصف الثاني من المعنى، وأن يسعفه الحظ في قراءة ذلك الحرف مكتملا معنى ودلالة وقد غدا نجما ينبثق في ظلمات المآسي التي تكسو الحياة.
الحب في الديوان صامت أحيانا، وشبه محكوم عليه مسبقا لكونه يرتبط بصفحة الوفيات التي عادة ما يبتعد المحبون عن مطالعتها فينشغلوا عادة في صفحات الفلك وما تقوله النجوم في تقابلها وانتقالها في بيوتها وزواياها. أما المحبون فهم كلاسيكيون يتركون صفحات الجرائد

مفتوحة على مقاعدهم، متعمدين أن يتركوا فيها ورقة عليها كلمات، ولكننا لا نعرف إن كانت تلك الكلمات مكتملة المعاني...؟ أم هي مجرد خربشات هائمين ذابت قلوبهم...؟
وفي المقابل نجد أننا أمام امرأة محبة عاشقة، ولكنها عنيدة تمزق الأوراق التي حملت تلك الكلمات، ولا يعنيها الرجال الهامشيون المبتدؤون في سلوك طريق الحب. إلا أنها بدوافع الكبرياء والاستعلاء تقع أحيانا في فخ الانفعالات، فتأتي تصرفاتها غير متساوية مع مشاعر

الآخر إن لم تكن على طرفي نقيض معه. امرأة عنيدة تذكر القارئ بولادة ابنة المستكفي وكبريائها، وكيفية تعاطيها مع ابن زيدون. امرأة تعيد ترتيب أوراقها، وتأخذ مسافة من مشاعرها التي أصيبت بنكسات لا تفصح عنها عبر سطورها، ولكن تترك القارئ يتجول في بعض تفاصيلها لأنها أعطته بعض المفاتيح من خلال الخوض في إشكالية الشك وصولا إلى اليقين دون أي عائق لأنها تعتقد أن «الشك يقين المعرفة».

تتابع الصور الشعرية في الاستحواز على لب القارئ. صور حالمة تطلق خيول الفكر لتركض في عباب الأحلام المتصورة، واللامتصورة. فيصبح كل شيء لدى القارئ حُلما ونصف حقيقة، كنصف الحرف الذي أخبرتنا عنه الشاعرة في عنوانها. أما الكلمات بالنسبة لها فإنها كالبشر لها أصابع، وقلب للعصافير قوتا إذا ما جاعت. بل هي بحر يسكن تحت الجلد، ويتماهى في الجسد. بينما توت القلب يُغوي ويُغري كتفاحة تُخرجُ من الجنة، ولكن تأبى خاصِرة الزمن ذلك...

تلوح في الأفق أمنيات تتخطى أمنيات كل العاشقين الذين تسعدهم نظرة وهمسة بل كُحْلُ عين أغلقت عليه القلوب العاشقة صماصيمها، فغدت أجسادها كشمعة أزدادت بريقا واحتراقا بعد نصف كلمة، أي نصف نظرة. لتعلق مناشف النسيان على ستائر تردد نوتات وأنغام، فيعم صمت يتجسد حلما في إسعاد الآخر فتهتف مرددة:

ليت قلبي كسرة خبز
لأطعمته العصافير
تشْهق الحروف، وتُعتصر قلوب كمنشفة، والأجساد منكوبة، والأصابع يتم العبث فيها، بينما الملائكة تمر بمواكب، وسط نجوم تفرض وجودها وحضورها، فتفاجئ القارئ في زمن الصمت، فتترقرق عيون بدمع يرسم شهبا وأقمارا في أعين ذابلة نهمة أكثر وأكثر إلى نظرات حبيب على مقاس الوطن. حبيب يُشبه وطنا بل جبهة حرب أدمته وأنهكته فغدت آلامه مدوية. فتكثر الأسئلة القادمة من أغوار الروح العاشقة باحثة عن إجابات لتساؤلات:

كم تكفيك من إبر
لترتق تجاعيدك أيها الزمن...؟

تبْتلُّ حروف الديوان مُنغمسة في بحار الكلمات العاشقة التي ترشح شوقا وعاطفة، فتجمع أحيانا بين المتناقضات في آن معا: الصمت والفوضى المتعالية، والضوء والسواد أو العتمة الخ. وقد يخون السواد الضوء، ولكن الأرق بالنسبة لها أكثر خيانة فيعلو صراخها:

من أنت
جرحٌ غائر بالذاكرة
دهشة تمضي
كأس نبيذ معتق
من حقل ملغوم بالأمل...
حبيب إنسان، روحٌ ودم هائمٌ مُنْسكب في حبيبه. مُتداخل فيه كتداخل الضوء في الشمعة والزيت في الزيتون حتى يتوحدان روحا وجسدا:
صبيني فيك
لونا
فأنا أحب أن أكون
جسدك الذي يستحم بالضوء...
ليس الحب والأشواق وحدها التي تستوطن هذا الديوان، بل هناك الإنسان بكل تناقضاته ومآسيه، ومآسي الحروب التي تقتات الأطفال، وأولئك الفقراء وكل المسحوقين في مجتمعاتنا المعدنية الفجة:
من فم الحاويات
يعيدون رتق الحياة
يصبون غضبهم
فوق صحن مكسور
يلبسون فردة حذاء
يضمدون إصبعا...

وإذا كانت في الختام قد أعلنت صراحة عن حبيبها بالرغم من البحار التي أغرقت فيها قارءها مرددة « أحبك أيتها الحياة»، إلا أن نبض الشك والتحدي بقي متصدرا الموقف وكأنه لا يريد للقارئ أن يرتاح ويخلد للراحة، بينما الرصاص يقتات البشر، والدم يخضب أيدي العرائس متحدية:
من يزايد
دمعة، دمعتان
صرخة، صرختان
لا شيء يخدش الحياة
أكثر من حمام يقتات الرصاص
وغزل بنات مخصب بالدم...

خالد بريش - باريس

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115