منبـــــر: بين «المارينز الثقافي» والثقافة الوطنية..

دون الخوض في متاهات معرفية او مفاهيمية لتحديد فهمنا للثقافة.. كالتساؤل مثلا ماهي الثقافة..هل هي الفنون والآداب والموسيقى والشعر..ام هي الحضارة أم هي جزء من الحضارة التي تبقى مفهوما اشمل وأوسع..هل هي الدين ام هل ان الدين هو من مكونات الثقافة..

دعنا نقتصر على التحديد الذي وضعته اليونسكو سنة ١٩٨٢ في مكسيكو والذي ورد فيه،ان « الثقافة بمعناها الواسع يمكن ان ينظر اليها اليوم على انها جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه،او فئة اجتماعية بعينها ،،وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة كما تشمل الحقوق الاساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات « ..وهذا المفهوم المبسط للثقافة يحيلنا بالضرورة الى مفهوم الخصوصية الثقافية القومية او الوطنية..وبالتالي الى مفهوم الاستقلال..وتلازما الى التحديات التي تواجهها الثقافة الوطنية التي تسعى الى الحفاظ على استثنائيتها التي تأسست عبر القرون ..وأبرزها تحدي العولمة.. التي تبدأ اقتصادية وتجارية ومالية وتبادلية ..حيث يهيمن الرأسمال العالمي على مقدرات الشعوب كافة ويدمر الحدود الوطنية تحت سيول تيارات التبادل والاستثمارات المالية،، ثم يبحث له عن أدوات فكرية أو أيديولوجية أو ثقافية للهيمنة وتنميط الثقافة..

فيصبح الحديث متواترا عن ثقافة كونية..تذوب فيها كل الثقافات الاخرى بل تفقد طابعها الاستثنائي وتنساب ضمن مفهوم كوني تشرف عليه نخبة دولية لها مؤسساتها المالية والاقتصادية والتجارية ولها مفكروها،،مدفوعو الأجر ومراكز أبحاثها ومخابرها التي تسعى الى تسويق مفاهيم ثقافية متناسقة مع مقتضيات العولمة الاقتصادية والمالية..وتحديدا مع مقتضيات الليبرالية الجديدة التي تحولت من مفهوم اقتصادي ومالي الى مفهوم ايديولوجي.

وهذه النخبة التي أشرنا اليها ،لها اتباعها في مختلف البلدان..وهم يشكلون نوعا من « المارينز الثقافي» (العبارة استوحيتها من صديق) يتبنون أفكارها ويسهرون على تسويقها في بلدانهم..وضرب كل تطلعات استقلالية بدعوى كونية الثقافة والقيم الإنسانية الأخرى..
هنا تقتحم مجال الثقافة الوظيفية التي لا ترعى أية خصوصية وطنية او قومية وتبحر بالشعوب كافة في فلك واحد هو فلك العولمة الليبرالية الجديدة..،ولنا مفكرون وظيفيون أمثال فوكوياما،،صاحب نظرية « نهاية التاريخ» يزعمون موت الأيديولوجيات والثقافات الوطنية أو الخصوصية ليعرضوا علينا نمطا أوحد من الثقافة المسيطرة ..

انطلقت من الولايات المتحدة،، وباتت تحملها نخبة كونية موزعة في شتى الأوطان،،ولكنها متجانسة، وهي التي سميتها « المارينز الثقافي « تسعى الى تنميط العادات والثقافات وطرائق العيش ..وإشاعة خطاب جنائزي ،،قوامه نهاية التاريخ والأيديولوجيا وانتفاء حاجة الانسان الى مواصلة النضال من اجل التغيير والخلق والإبداع ،ضمن حدود الوطن الضيقة ،فما على الانسان،،أيا كان وطنه الا التكيف مع السائد لانه يمثل غاية التطلع الإنساني وسقفه الأعلى ،،وما على الحكومات الا الخضوع لآليات السوق المعولمة وتطبيق وصفاتها الجاهزة دون إضاعة وقتها في البحث عن أنماط تنمية ذات خصوصيات وطنية،،عليها فقط ان تدير الشأن اليومي وتترك أمر التخطيط والتصميم للنخبة المعولمة .... هذا هو التحدي الكبير الذي نستحضره بعد ذكرى عيد الإستقلال بيومين..

العربي عزوز (باحث في العلوم الاجتماعية)

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115