المُحمديون بقلم أدباء فرنسيين: سجال أدبي ببيت الحكمة حول علاقة الأنا بالآخر

قد يرفض بعض النقّاد والباحثين تقسيم المسار الفكري وفقا للحقب التاريخية التفاضلية مثل عبارة «القرن العظيم» إيمانا بالطبيعة التراكمية للأنشطة الفكرية والإبداعية، ويسلّم بعضهم بوجاهة ذلك التّصنيف نظرا لحجم المنجز المعرفي في سياقات تاريخية محدّدة، وعليه تستقيم عظمة مرحلة التحديث وقيم التنوير.

نظّم في هذا الإطار قسم الآداب بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» محاضرة عنوانها «المحمديون بقلم أدباء فرنسيين في القرن العظيم» قدّمتها باللّغة الفرنسية الدكتورة علياء بكار برناز، حيث أكّدت المحاضرة على أنّها «ليست مؤرّخة» لذلك تناولت المسألة «من زاوية أدبية»، فالإسلام في فرنسا «ليس عقيدة فحسب» برأيها، بل هو حاضنة تراثية تتفاعل معها الأعمال الأدبية والفنون، موضّحة أهمية الفضول المعرفي التي تحكم علاقة الذات العارفة بالآخر بما هو المختلف أو المتشابه أو الخصم . فمن الطبيعي أن تؤسّس هذه اللّقاءات الأدبية والفكرية جسرا لفهم موقعنا في النّسيج المعرفي العالمي مثلما أبرز رئيس المجمع الدكتور عبد المجيد الشرفي، مفتتحا سجالا أدبيا نشّطته الأستاذة رجاء ياسين بحري رئيسة قسم الآداب بالمجمع . انطلقت الباحثة المختصّة في الآداب الفرنسية من أعلام

وتجارب أدبية مشعّة في الأدب العالمي قد اهتمّت «بالموروث المحمدي» وبالحضارة الشرقية كالأديب والفيلسوف التنويري «فولتير» المولع بالدّفاع عن الحريات المدنية، لاسيما الحرية العقائدية لذلك كان ناقدا لكل مظاهر التعصّب ذات الصّلة بكل التجارب الدينية إن كانت غربية أو شرقية الانتماء، إذ هاجم وثوقيات الكنيسة الكاتولوكية، وكذلك مظاهر التعصّب الشرقي معترفا في كتابه رسائل فلسفية «بحكمة الشرق» . ووظّفت الأستاذة علياء بكّار في دراستها مفاهيم علم النفس المعرفي، مشيرة إلى أنّ قاعدة «الحرص على المعرفة

والاكتشاف» قد قادت الكثير من الفنانين التشكيليين والشعراء والروائيين الفرنسيين إلى الاهتمام بالأندلسيين والعثمانيين والبرابرة الخ... ويتجلى ذلك بتصوّرها في مفردات جمالية اكتشاف التجارب الإنسانية المختلفة ورغبة اقتحام المجهول، إنّها قاعدة «الوعي بالذّات يستوجب الوعي بالآخر» التي أعلنها الفيلسوف الألماني هيغل لنستنتج حقيقة رهانات معرفة الآخر وضرورة تأمّل الوجود الذاتي عبر مرآة الآخرين إن كنّا معنيين بالفضول المعرفي . ولا يمكن الخلاص من «الصوّر المحنّطة» حول علاقة الحضارات إلاّ من خلال الاطّلاع والاطّلاع المضاد، وهذا ما جسّده وفقا للمحاضرة «مونتسكيو» المؤسّس لنسق فكري وسياسي ذي مرجعية موسوعية مستفيدة من دراسة ونقد الأنظمة السياسية والمعاجم الدينية المختلفة .

قد تكون هذه الآليات المعرفية الشّرط الحقيقي الممهّد لإرساء جسور التواصل بين الأنا والآخر، والتأسيس الحقيقي لعلم النّماذج البشرية بعيدا عن الشعارات الفضفاضة والتحاليل السطحية المرتهنة بالإلزام الإيديولوجي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115