الشاعر والقاص محمد بوحوش «للمغرب»: لا توجد سياسة ثقافيّة ومشاريع حقيقيّة تعزّز مكانة المثقّفين

• بعد الثورة مشاكل القطاع الثقافي كثيرة وعميقة وهيكلية
محمد بوحوش شاعر وقاص ومترجم، احترق بنار الكلمة الصادقة والهادفة، ينشط في صمت بعيدا عن الاضواء، وغوغاء المجالس التي يتباهى فيها البعض بفروسيتهم في الكتابة الشعرية والادبية، أنشا عديد الدواويين الشعرية بالعربية والفرنسية، كما يمارس الكتابة

القصصية التي ابدع في صياغة العديد منها. من أهم اصداراته الاخيرة باللغات العربية والفرنسية والانقليزية: بستان الهاوية، تونس 2013، العالم زهرة ، تونس2014 .قصائد ومضة، تونس 2015.وفي السّرد: مائة قصّة قصيرة جدّا، تونس 2012. عناقيد الدّهشة ، قصص قصيرة جدّا، تونس 2016. ضحك أسود : قصص قصيرة جدّا، تونس 2016
التقته «المغرب» في الحوار التالي، حيث تحدث عن مسيرته الابداعية، وعن جملة من المواضيع ذات الصلة بالثقافة والادب. والتي نرى انه من الاجحاف والحيف الاقتصار عن بعض الجوانب منها رغم اهميتها.

• في البداية لنتعرّف على مسيرتك الإبداعية في عالم الكتابة الشّعريّة والقصصيّة.
بكثير من التّواضع، وبعيدا عن التّقييم والغرور، فإنّ تجربتي في الكتابة تمتدّ على مدى ربع قرن تقريبا. لقد قرأت الكثير لأكتب القليل.نشرت عدّة مجموعات شعريّة باللّغة العربيّة ثمّ جرّبت الكتابة باللّغة الفرنسيّة فنشرت ديوانا شعريّا بعنوان « حديقة الضّوء» طبع للمرّة الرّابعة، فبحثا سوسيولوجيّا باللّغة الفرنسيّة. بعهدها تُرجمت لي مختارات شعريّة من اللّغة العربيّة إلى اللّغة الأنقليزيّة في أواخر التّسعينات من قبل المترجمة المصريّة «مي العاصم والشّاعر حسن حجازي» .وبما أنّني أحسب على جيل التّسعينات فإنّ المختارات هي من أوّل المجموعات الشّعريّة المترجمة ،وقد صدرت في طبعة ثانية إلكترونيّة منشورة على شبكة الأمازون.إثر ذلك خضت تجربة القصّ القصير جــــدّا فأصدرت ثلاث مجموعات هي : «مائة قصّة قصيرة جدّا وعناقيد الدّهشة وضحك أسود» ،وهو على حدّ علمي الرّصيد الأكثر في حوزة كاتب تونسيّ مثلي ،خاصّة وأنّني استعد لإصدار مجموعة رابعة من القصص القصيرة جدّا .
وقد انتبه بعض الجامعيين وفي طليعتهم الدّكتور محمّد الصّالح بن عمر(مشكورا) إلى تجربتي فترجم لي الكثير من النّصوص ،وأصدرها في كتاب مزدوج اللّسان بعنوان « وجوه شعريّة من العالم ، الشّاعر محمّد بوحوش» .عموما أنا كاتب أعمل تحت سقف الظّلال ،وبصمت ،ولي عالمي الخاصّ فلا يثيرني الإعلام والشّهرة ، أكتب لنفسي أوّلا كتحقيق لكياني، ولا أبالي بالمركز والتّظاهرات التي تحتكر الأضواء .

• أيّ الرّوابط بينك وبين بحور الشّعر ، وأيّ التيّارات الشّعريّة أقرب إليك؟
لا أصنّف نفسي فتلك مهمّة الآخر.أمّا عن الشّعر أي مطلق الشّعر أو القصيدة الكونيّة التي تكتب بلغة بسيطة ودون طنين بلاغة وضجّة أوزان مع احتفاظها بإيقاع ما ، وبوضوح الفكرة بعيدا عن المطلقات والإطناب والعموميّات والتّعمية أي قصيدة الحياة في صدقها ووهجها ، فأنا في هذا الإطار تقريبا ،وأنتصر للحداثة في مستوى المعجم والدّلالة والإيقاع.وإذا شئت تصنيفي فأنا الآن أقرب ما يكون إلى (حركة نصّ) التّونسيّة، وإن كنت خارجا عنها لاختلاف ما في التّنظير للشّعر وللقصيدة وحفاظا منّي على استقلاليتي.

• من الكتابة الشّعريّة إلى الكتابة القصصيّة ، إلى عضويّة اتّحاد الكتّاب التّونسيين ورئاسة فرعه بتوزر، وأيضا الإشراف على المهرجان الدّولي للشّعر ورئاسة جمعيته ، فهل يعدّ هذا تكاملا في مسيرة المبدع أم بحثا عن مجالات أخرى لإثبات الذّات؟
عموما أنا إنسان لا يحتفي بالمناصب ، ترأّست فرع اتحاد الكتّاب التّونسيين لثلاث سنوات وتركته طوعا ،وامتثالا لقناعاتي الدّيمقراطيّة ،لم يكن قبلها الفرع يذكر ،فوفّرت له صحبة زملائي مقرّا مجهّزا ونواة مكتبة ،ومنشورات حيث أصدرنا وقتها 18 عنوانا ،ونظّمنا لقاءات وتظاهرات كثيرة.ثمّ ترأّست لفترة قصيرة جمعيّة المهرجان الدّولي للشّعر، وتركت المنصب لغيري بطواعية أيضا تاركا المجال للآخر المختلف عنّي كي يجرّب حظّه ويضخّ دماء جديدة في روح الهيكل .ثمّ انتخبت ضمن الهيئة المديرة لاتّحاد الكتّاب التّونسيين للمرّة الثّانية، وكنت أحمل مشروعا إصلاحيّا كنت قد أعلنت عنه سابقا في الصّحافة خلال تولّي الأستاذ محمّد البدوي رئاسة الاتّحاد.

• هل هذا تكامل في مسيرة المبدع أم اثبات للذّات؟
أعتقد بأنّ لا شيء من هذا أو ذاك فأنا غالبا ما أنضمّ إلى الجمعيّات والمنظّمات بإلحاح من الآخر، أو لحلّ أزمة لفترة وجيزة .لقد شاركت في عديد الجمعيّات، وكنت من المؤسّسين لبعضها ثمّ تركتها ، وفي نيّتي أن أترك أغلبها ،وأن لا أكرّر التّجربة.أنا إنسان لا يقيم أكثر من مرّة في المكان نفسه.

• يعدّ إتّحاد الكتّاب التّونسيين من المنظّمات التي كان يقرأ لها ألف حساب لكن ما نلاحظه اليوم أنّ هذا الهيكل قد تراجع دوره بصفة ملحوظة وكأنّه ارتبط بمنظومة العهد السّابق ، فبماذا تفسّر ذلك؟
اتّحاد الكتّاب التّونسيين له ماض سياسي أسود.لكنّه إطار تنظيميّ وليس حزبا سياسيّا أو نقابة. كان الرّئيس المخلوع ونظامه يغدقان عليه بعض الفتات ليس حبّا في الكتّاب، وتقديرا لمكانتهـــم ودورهم، وإنّما طمعا في موالاتهم، وتلميعا لسمعة النّظام.جاءت الثّورة فتغيّرت الأحوال. حجب الفتات تماما، ونفّذت محاولات لمصادرة مقرّ الاتّحاد ومحوه تماما من الوجود.كانت حكومات ما بعد الثّورة بعيدة عن هموم الشّعب بكلّ أطيافه ،وكان همّها تقاسم الغنيمة والكراسي، ومواصلة سياسة نهب المال العام وإهداره، والمحافظة على امتيازات المافيا وسطوتها، وسلطتها.لقد أفلحت هيئة ما بعد الثّورة التي لم تقدّم سوى القليل في المحافظة على هذا الهيكل العريق.لم يكن العيب كلّه منحصرا في الهيئة أو الهيئات المتعاقبة بل في السّلطة التي ليس من اهتمامها النّهوض بالثّقافة وتفعيل دور الكاتب ،والمبدع في المجتمع ،وتحقيق أهداف الثّورة، لذلك تراجع دور اتّحاد الكتّاب التّونسيين الذي كان مثقلا بالدّيون ومن دون إدارة ومنح للتّسيير والنّشاط.الآن إتّحاد الكتّاب التّونسيين له وجه آخر مغاير تماما لما كان. فهو الاتّحاد العربي الوحيد المستقلّ تنظيميّا وسياسيّا عن السّلطة من بين كلّ الاتّحادات والجمعيّات وروابط وأسر الكتّاب في الوطن العربي. شرع الاتّحاد في الاشتغال على حزمة من المشاريع منها بعث دار نشر التي أصدرت قرابة عشرة مؤلّفات للأعضاء وغير الأعضاء منذ بضعة أشهر، إضافة إلى بعث مركز للتّرجمة وقد بدأ في النّشاط، وأصدر بعض الكتب المترجمة، كما أسّس الاتحاد صندوقا للكرامة يهدف إلى رعاية الحالات الاجتماعيّة من المبدعين. وقام بعدد هامّ من الأنشطة الثّقافيّة، وله حضوره الوطنيّ في مختلف اللّجان والفعاليّات. ويعمل بشراكة مع عدّة أطراف وطنيّة وعربيّة وأجنبيّة.

• من الملاحظ أنّ وزراء الثّقافة وخلال سنوات ما بعد 14 جانفي لم يقدّموا مشاريع إصلاحية بما من شأنه أن يساهم في مزيد تطوير القطاع وحلحلة بعض المشاكل التي يعاني منها ، فهل تعتقد أنّ السيّد محمّد زين العابدين الوزير الجديد قادر على تبنّي مشروع لاصلاح المنظومة الثّقافيّة؟:
أنا أفهم الأمور في إطار المؤسّسة عموما أي في استمراريتها ودورها كمرفق عموميّ بغضّ النّظر عن الأشخاص. فالمؤسّسة العموميّة مريضة وفاسدة، ومن دون منهجيّة وسياسات واضحة. وهذا يطال كلّ المؤسّسات تقريبا، ويتطلّب أساسا إرادة سياسيّة وحكومة متبنّية لمشروع تنمويّ إصلاحيّ شامل أساسه العدالة والشّفافيّة والإدارة الرّشيدة، والرّقابة الفاعلة واستثمار جيّد للكفاءات والموارد، وهو ما لا نراه لدى حكومات ما بعد الثّورة.مشاكل القطاع الثّقافي كثيرة وعميقة وهيكليّة كما هو الحال بالنّسبة لبقيّة القطاعات. أمّا الوزير الجديد محمّد زين العابدين فهو من الكفاءات الوطنيّة القادرة على الإصلاح، ووضع الاستراتيجيات الثّقافيّة بتشخيص ومشاركة واسعة من قبل الفاعلين الثّقافيين.أنا لا أحكم مسبّقا على الأشخاص، وليس ذلك من ثقافتي، لكنّي أتمنّى للوزير الجديد النّجاح وهو الذي سيعمل في مناخ لا يخلو من الفوضى واستشراء الفساد، وعدم الاهتمام بما هو ثقافي وإبداعيّ وقيمي ومعرفيّ وعلميّ.

• من المجلس التّأسيسيّ إلى مجلس النوّاب ، وغياب النّخب الثّقافيّة متواصل .فهل هناك تقاطع بين الطّيف الثّقافي والطّيف السيّاسيّ ، أم أنّ الأوّل لا تستهويه لعبة الثّاني؟
منذ فترة نشرت دراسة بمجلّة الفكر الجديد حول البرجوازيّة الطّفيليّة في تونس ، أصولها وخصائصها، وتحالفاتها وثقافتها.هذه، تلخّص وضع تونس البلد الجميل والغنيّ بالموارد، والأكثر تجانسا في الوطن العربي. توجد أربعة أوجه للثّقافة في تونس، أوّلا الثّقافة الاستهلاكيّة المعولمة الفاقدة للمرجعيّات وللفاعلين الثّقافيين على أرض الواقع، وثانيا ثقافة البزنس والميوعة والفرجة، وثالثا ثقافة التّكفير والأصوليّة الدّينيّة ، ورابعا ثقافة الالتزام والمقاومة. المهيمن حاليّا هو الفعل أو الطّيف الثّقافي للبرجوازيّة الطّفيليّة المتحالفة مع السّوق الرّأسماليّة العالميّة والمافيا بشتّى أنواعها .فالثّقافة بهذا المعنى هي اللاّثقافة، أو ما هو سلعة ومصدر ربح وثروة وترسيخ للوضع الاجتماعي والاقتصادي القائم وتزييف للوعي وإقناع عموم الشّعب بأنّه ليس في الإمكان أحسن ممّا كان. أقول : لا توجد سياسة ثقافيّة ومشاريع حقيقيّة تعزّز مكانة المثقّفين، ودورهم في بناء مشروع مجتمعي جديد.

• انطلقت الاستعدادات لتنظيم الدّورة الجديدة للمهرجان الدّولي للشّعر بتوزر ، فما هي ملامح وتوجّهات النّسخة الجديدة؟
لست مخوّلا للإجابة عن هذا السّؤال .فدوري في الهيئة فنيّ واعتباري محض.غير أنّ الدّورة ال36 للمهرجان الدّولي للشّعر بتوزر ستنظّم خلال شهر نوفمبر القادم واحتراما لزملائي في الهيئة المديرة فلن أصرّح بشيء دون علمهم وتوافقهم واستشارتهم.
بقي أنّها ستكون دورة بمشاركة عربيّة وأجنبيّة واسعة،ونسعى جميعا أن تكون أكثر خصوصيّة وتميّزا.وقد تشهد في إطار فعاليتها حضور رؤساء اتّحادات المغرب العربي لعقد اجتماعهم الدّوريّ بمدينة توزر ،علاوة على حضور لافت لأدباء من دول الخليج العربي.

• أترك لك ختام الحوار شعريّا:
لك هذا النصّ الشّعريّ الموسوم ب: آلام العائلة.
آلام العائلة:
الأب منشغل باللّه،
والأمّ بشهوة حادّة تقضم أصابع خبزها اليوميّ،
وتطهو على نار أعصابها الواهنة شاي الصّباح..
يتحلّق الأطفال حول مائدة الفطور
يمضغون الصّبر :
في انتظار أن تجود عليهم حكومة الثّورة
برغيف وبدلة مدرسيّة زرقاء...
حاوره: محمود الأحمدي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115