ندوة عن كتاب «الجنس كهندسة اجتماعية» للدكتورة الراحلة فاطمة المرنيسي: حتى تصبح «القيم تتغذّى من المواطنة الكونية والمرجعية الحقوقية»...

نشر مؤخرا مركز دراسات الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة بالمغرب فحوى ندوة علمية مشتركة بين كل من مختبر «التاريخ والعلم والمجتمع» و»مؤسسة مؤمنون بلا حدود»، ندوة خُصصت لقراءة في كتاب «الجنس كهندسة اجتماعية» للباحثة الراحلة المغربية فاطمة المرنيسي

التي تعتبر من خلال كتابتها واحدة من أشرس المناصرات لقضايا المرأة، وذلك عبر ما خلفته من بحوث وإنتاجات معرفية..

لا نلخّص أهم ما جاء في قراءات الأساتذة الذين نشرت مؤسسة مؤمنون بلا حدود قراءاتهم لمؤلف فاطمة المرنيسي، «الجنس كهندسة اجتماعية»..بل نسلّط الضوء على أهم ما جاء في قراءة الدكتورة عائشة حليم لهذا المؤلف التي اعتبرت أنّ قراءة كتاب «الجنس كهندسة اجتماعية بين النص والواقع»، تتطلب ضرورة وضعه في إطاره التاريخي والعلمي من أجل فهم أعمق للإشكاليات التي يعالجها من حيث المنهج ومن حيث طريقة تناول العناصر المكونة له بوصفها إشكاليات فرعية ركزت عليها الآلة الميكروسكوبية التحليلية لفاطمة المرنيسي، على حدّ تعبير الباحثة..

إنّ القراءة لا يمكن أن تكون خارج الإطار التاريخي الموصوم بأحداث لها وقعها على المشهد السياسي لبداية السبعينيات من القرن العشرين، على حدّ تعبير الباحثة وأضافت «هذا الإنتاج الذي تميز بكونه توزع بين الاهتمام بقضايا وإشكالات تنتمي مجاليا إلى القرى، وإنتاجات علمية أخرى توجهت لمساءلة إشكالات ارتبطت في عمقها بالمدن. يشكل كتاب «الجنس كهندسة اجتماعية بين النص والواقع» ترجمة السوسيولوجية فاطمة المرنيسي والتي هي «ما وراء الحجاب»، باعتباره مدخلا أساسيا لفهم التحولات التي عرفتها العائلة في المجتمع المغربي، وإن أطروحة الجنس كهندسة اجتماعية بين النص والواقع، تصبو من خلالها الباحثة المرنيسي إلى فهم خيوط العلاقات الاجتماعية التي ساهمت في بناء العائلة في المجتمع الإسلامي، ومن ثم فهم مختلف الحدود الموضوعة بين الجنسين على مستوى المجال، بوصفه مجالا عاما وخاصا وأيضا بين ثنايا الثقافة تتغذى من الدين الإسلامي ومن القراءات الشعبية له والطقوس المرتبطة بتثبيته المؤسسة لهذا الفصل ثقافة وتوارثه اجتماعيا».

كتاب المرنيسي: لبنة أساسية للنضال حول قضايا المرأة
وترى الدكتورة عائشة حليم أنّ كتاب «الجنس كهندسة اجتماعية بين النص والواقع» يمثل في عمقه اللبنة الأساسية للمشروع البحثي صورة توسيع رقعة البحث إلى حدود النضال حول قضايا المرأة. مشروع للمرنيسي، والذي اتخذ الحق توخت من خلاله ملامسة المسكوت عنه والمؤسس للعلاقات الاجتماعية، والمرسخة للسلطة الذكورية والهيمنة على المجال العام، اللامرئي المنتمي إلى خانة الحميمي والمحصن بعالم الحريم وبمنتجات الثقافة في مدلولها الستراوسي، وفي الآن نفسه يشكل محطة أساسية لنقاش علمي هادئ ورصين اعتبرته الباحثة دينا ومجموعة من الطقوس وتاريخا له مرجعيات مختلفة أهمها الدين الإسلامي...وكذلك قانون وممارسات يومية وقواعد للعالقات العامة والخاصة ومصدرا لفرز الأنماط، فضلا عن المعطيات التاريخية باعتبارها وقائع معيشة تتنوع بتنوع جغرافيا المكان..».

العلاقات بين الجنسين والسلطة
وتتكون بنية الجنس كهندسة اجتماعية عند فاطمة المرنيسي من :المجال والعلاقات بين الجنسين والسلطة وتستخلص الباحثة عائشة حليم أنّ المجال العام عند المرنيسي هو عالم الذكورة/الرجولة، الذي يضع حدودا قاهرة على المرأة إن أرادت اختراقه وينظم حركتها خارج البيت، لذلك فحضورها فيه مقرون بحملها للحجاب/النقاب )وهو نوع النقاب التقليدي الذي كانت ترتديه النساء في المغرب إلى حدود أواخر 1980 من القرن العشرين)، أو مرافقة من طرف أحد ذكور العائلة أو من طرف امرأة مسنة، ليصبح المجال العام وفق ما قدمته الباحثة مجالا يرفض الإختلاط فيه بين الجنسين، الأمر الذي كان معه يتم اختيار أوقات اختراق هذا المجال من طرف الجنس الأنثوي..

المرنيسي واختراق العلاقات الحميمية..
وتبين الباحثة أنّ المجال الخاص عند المرنيسي اعتبرته مدخلا مهما احتل مفهوم الحريم مكانة مركزية في أغلب الدراسات التي أنجزتها المرنيسي لفهم طبيعة العلاقة بين الجنسين والتي تصل بها إلى حدود اختراق العلاقات الحميمية وتفتيت مقومات العلاقات الجنسية والسلطة التي تنتج في إطارها. وفي الإصطلاح الفقهي: فالحريم عند الفقهاء ما يحيط بالمكان الذي هو ملك للفرد أو للجماعة، مما تمس الحاجة إليه لتمام الانتفاع بالمعمور. أو مما يحتاج إليه لمصلحة العامر من المرافق. كعين الماء والبئر وفناء الدار والطريق ومسيل المياه، ومرافق الجماعة، من مرعى أو محتطب، أو غابة أو مناخ للإبل والماشية..

أما في الإصطلاح العرفي، حسب تفسير الباحثة، فكان يقصد بالحريم عند الخلفاء العثمانيين الجناح الخاص بالنساء داخل القصور، وتقول الباحثة : «تعتبر هذه الصيغة الأخيرة هي الأقرب إلى استعمال الحريم الذي حاولت المرنيسي إخراجه من عالم التخفي والإنغلاق إلى عالم تفكيك البنى المؤسسة له عبر العلاقة التي تحكم رواده ومستعمليه، بقدر ما هي إعادة ترتيب للفضاء مع المنظومة الجديدة التي رافقت مجيء الإسلام وطبعت العالقة بين الجنسين بطابع مخالف تماما للفترة التي كانت فيها المرأة هي صاحبة القرار في اختيار مستقبلها. أي المجتمع الأميسي الذي ساد في شبه الجزيرة العربية فترة الجاهلية من جهة، وتصريف للسلطة الذكورية المنبعثة من عمق تلاشي مقومات السلطة الأنثوية وتراجع حدودها من جهة أخرى، ويمثل الحريم نقطة التقاء وانصهارا لثلاثة من أكبر العوالم المرغوبة في العالم وهي: السلطة والثروة والمتعة».

هندسة السلطة بين الجنسين..
وتبين الباحثة عائشة حليم أنّ «هندسة السلطة تتحدد بين الجنسين من خلال ترسيمة يضعها المجتمع ويسوقها شفاهيّا فبالنسبة إلى الأنثى عبر أهمية الجنس وإثبات الذات؛ ووضع خصائص للأنثى المقبولة اجتماعيا: ذات الشرف، المتزوجة في سن مبكرة، الولود خصوصا للذكور، الحاصلة على مفاتيح زوجها... ورسم صفات الأنثى المنبوذة: المتزوجة في سن متأخرة والتي توصم بعطب اجتماعي، الولود للإناث، المتزوج عليها، الشريرة، الساحرة، رمز الفتنة... وفي الوقت الذي تتعدد فيه الشروط التي تملك بموجبها الأنثى السلطة أو تفقدها، نجد على العكس من ذلك أن العلاقة بين كل من الذكور والإناث لا يمكن تصور حدوثها إلا فوق مجال كيفما كانت طبيعة هذا الأخير وأيضا شكل التواصل الذي ينتج في إطاره، فتلك العالقة حاملة لهندسة سلطوية تخترق كل الفضاءات وترسم الحدود بين الأطراف المستعملة له بشكل ظاهر أو مستبطن. الأمر الذي يسمح لنا بالتأكيد مع المرنيسي أنّ السلطة أخطبوط يدخل في التركيبة والبناء الاجتماعيين، وأن الحدود الذكر خاليا من العيوب ووجوده مرادف للسلطة: أي حق ممارسة العنف بجميع أشكاله. وان الحدود التي يضعها المجتمع لها

مبرراتها، إذ عبرها يوزع السلطة التي تصبح ترجمة للعلاقات التراتبية عندما يتعلق الأمر بالرمزية الجنسية: فعالم الرجال هو عالم الدين والسلطة والمجال العام (تسيير شؤون الأمة، علاقات التعاون في العالم الذكوري، طرف آمر الطهارة، النباهة والذكاء والقوة: العقل هو المدبر..أما عالم النساء: فهو عالم الجنس، الحميمية، المتعة والإنجاب الحريم: المجال الخاص، علاقات الصراعات والتمييز.. إعادة الإنتاج البيولوجي والاجتماعي، العالم الأنثوي طرف خاضع ومطيع، الفتنة، الدناسة والمكائد .. اللاعقلي هو المتحكم»..

وفي خلاصة قراءة الباحثة لهذا الكتاب استنتجت ظهور هندسة جنسية جديدة تستدعي الدراسة لفهم ميكانيزمات اشتغالها؛ ودعت إلى ضرورة فهم العلاقة بين الجنسين في ظل تصاعد الحركة الجندرية في غياب منظومة ثقافة مجتمعية مؤهلة للفهم الجديد للعلاقة بين الجنسين، واعتبرت أنه لا يمكن الجزم بتحولات جذرية في العلاقة بين الجنسين أمام المعايير المزدوجة لقيم الشباب: قيم تتغذى من المواطنة الكونية والمرجعية الحقوقية، وقيم أخرى تنغمس في التطرف الذي ينبذ المختلف والمتعدد، ويتشبع بأحادية الرأي والدين والمذهب... وشددت أنه يجب فهم العلاقة بين الجنسين في الفترة المعاصرة في سياق التحولات التي تمس مختلف الجوانب المرتبطة بالأسرة..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115