هنا تونس: ماذا لو حلمنا يوما أن نؤّرخ سينمائيا لملحمة بن قردان؟

ماذا لو حلمنا يوما أن نؤّرخ سينمائيا لملحمة بن قردان التي لم تكن درسا لدواعش الظلام إنما كانت درسا للعالم أن لا راية تُرفع على أرض الوطن سوى راية تونس؟ ماذا لو حلمنا يوما أنّ ننسج ملحمة بن قردان من خلال فلم سينمائي يضاهي الأفلام العالمية، ملحمة نوثّقها فنّيا

ملحمة لا نحتاج فيها لابتكار مؤثرات ولا لتخيّل بطولات ولا لصنع أبطال، ولا لقلب هزائم انتصارات، ولا لتحويل الكذب والبهتان لبطولة كبرى، فملحمة بن قردان تنفّست البطولة وروت أرضنا دما طاهرا واستبسلت فيها قوات الجيش والأمن والديوانة التونسية، وكان جل المدنيين سندا وصمدوا كتفا لكتف مع جنودنا..

ملحمة بن قردان يمكن أن تؤرخ سينمائيا لأنها كانت قصّة واقعية أشبه بالخيال الدرامي المشوّق، لم ينتظر حماة الديار أن يقرؤوا سيناريو عجائبي من محض خيال مبدع حتى يقوموا ببطولتهم، لم ينتظر الشهداء الذين وهبوا أرواحهم كي نحيا في وطننا تضحية كتبها كاتب السيناريو كي يمثلوها، لم ينتظر والد الطفلة سارا تسامح الكاتب كي يقول «ما تغلاش روح بنتي فداء لتونس ولا روح بناتي السبعة»، لم ينتظر الجنود الذين جرحوا براعة كاتب وطني كي يقولوا سنرجع لأرض المعركة ما إن تخفّ جروحنا، لم تنتظر أمّ الشهيد كاتب الخيال أن تلبس حُليّها ومليتها وتزغرد أن زفّت ابنها لروح تونس، لم ينتظر «فرحات» المواطن الجريح جرأة كاتب كي يرافق قوات الأمن ويرشدهم لوكر الإرهابيين الآثمين.. لم ينتظر أغلب أهالي بن قردان كرم كاتب لكي يطبخوا الطعام ويعدّوا الشراب لقوات الأمن..لم ينتظر الشباب المندفع شجاعة كاتب كي يرافقوا جنودنا الأبرار لبناء ملحمة بن قردان..

كل الذين ذكرناهم، وكل الذين لم نذكرهم بنوا ملحمة الانتصار ولم ينتظروا خيالا عبقريا كي ينسجوها، فهل يمكن أن تجسّد هذه الملحمة بالامانة المطلوبة، هنا السؤال الأوّل هل تقدر السينما بكل مؤثراتها وفنونها العلمية والتقنية أن تكون وفيّة لملحمة حقيقية لا تشوّه جمالها ولا تسيء فنّيا لبطولاتها؟

نتساءل أيضا، هل ينقصنا الحلم كي نؤرّخ هذا فنّيا، لماذا يصنع الأمريكيون بطولات أغلبها وهمية في حروبهم المختلفة التي يخوضونها في العالم وعبر التاريخ؟ لماذا يحوّل الأمريكيون مثلا الغارة الجوية التي قامت بها البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 ديسمبر 1941 على الأسطول الأمريكي المتمركز في المحيط الهادئ في القاعدة البحرية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي، إلي فيلم جعل من الأمريكيين ضحايا محرقة جديدة، فيلم Tora Tora Tora من بطولة مارتن بالسام وسو يامامورا، فاز بجائزة أوسكار عن أفضل مؤثرات بصرية وحقق مداخيل تعدّت 30 مليون دولار.. وعلى سبيل المثال أيضا مثّل فيلم Saving ، Private Ryan الذي اقتلع 5 جوائز أوسكار، من إخراج ستيفن سبيلبرغ وبطولة توم هانكس، حيث تدور أحداث الفيلم في فترة الحرب العالمية الثانية حول عملية إنقاذ تقوم بها ثلة من الجنود يرأسها النقيب جون ميلر (توم هانكس) للعثور على المجند رايان لإعادته إلى الوطن بعد مقتل 3 من أشقائه في نفس الحرب الدائرة، وبالطبع يؤرخ هذا الفيلم الكثير من الحقائق التاريخية...

عديدة هي الأفلام التي استندت على حقائق تاريخية، أفلام لا تعلّم الأجيال الجديدة التضحيات التي بُذلت فداء الوطن وإنما تزرعها فيهم زرعا بكل ما أضاف الكاتب من خيال، وبكل ما أبدعت السينما من مؤثرات صوتية ومرئية.. فيصبح عندها الخيال حقيقة مطلقة.. هكذا أيضا تبني الشعوب «البروبغندا».. هكذا أيضا يرسل «البنتاغون» بمختلف الرسائل للعالم من خلال السينما أنّ له جيشا ولا أقوى ومخابرات ولا أدهى ووطنية ولا أسمى..

هل يحق لنا أنّ نحلم في ظلّ محدودية الموارد ولضعف ميزانيات المنتجين؟ هل يحق لنا أن نحلم ودبلوماسيتنا الثقافية مازالت تبادل الابتسامات وبطاقات التهاني بالعيد الجديد؟ هل يحقّ لنا أن نحلم وشهداؤنا حوّلوا كابوسا محتملا إلى حلم شبيه بالخيال؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115