إضاءة: في شروط نضج مشروعنا البيئي

طال انتظار بلورة مشروع بيئي واضح المعالم، يتضمن معالم لقيادة مؤسسات المجتمع، وضبطا مؤسساتيا ممنهجا لمساره وخياراته نحو الاستدامة.

وليست الخلاصة خاصة بتجربتنا المحلية المتعثرة، وإنما تشمل جل البلدان الإفريقية والعربية، مع استثناءات قليلة ونادرة.
ويبقى السؤال لماذا كل هذا التعثر والتأخير؟
في بلد مثل تونس وبعد ربع قرن من تجربة وزارة البيئة، تطرح الأسئلة البدائية حول علاقة الهياكل المعنية بالفضلات، وبالنظافة؟

ويرجع التساؤل القديم حول جدوى الحديث عن الحيوانات النادرة والاصناف المهددة ، وديمومة الموارد البيولوجية، والحال أن الفضلات تتمظهر بنقاط سوداء ومصبات عشوائية في كل المفترقات والتجمعات والمدن؟
هل يجدي الحديث عن مخاطر التردد في الحزم أمام توسع تمظهرات تغير المناخ، والبلديات لا تتقدم بشكل واضح في الحسم مع مظاهر التلوث، قبيل تنظيم انتخابات جهوية ومحلية؟

وهل يحسن البحث في متجهات تحسين تقنيات صون مخزوننا من التنوع الحيوي، اساليب التحكم في سلامتنا الإحيائية وضمان توظيف تنموي إيكولوجي سليم لمواردنا ومقدراتنا، في سياق بناء الاقتصاد الأخضر؟
وهل ينفع بحث قوم المسالك في تنشيط منظومة الإدارة البيئية، في ظل مشكلات تمس البيئة الحضرية، وتهدد الجمالية المظهرية وحتى الصحة العامة؟

هل يجوز الفصل بينهما، ويقوم الاعوجاج المتوارث في سياسات اعتمدت التلوث (السائل والصلب) مقياسا للعمل والتخطيط البيئي، بالفصل بين العمل الميداني المرتبط بالنظافة وما ارتبط بها، عن التدبير البيئي الأفقي الاستراتيجي الذي يعلو السياسات القطاعية ، ويرقى لمستوى التكييف الأفقي الشامل لمعظم الخطط والسياسات والمقاربات..

ومع عديد الاستثناءات في رؤى النخب وفعل الناشطين في تونس والعالم العربي وهم كثير، تظل حركة السياسة المتقلبة والمحكومة بتحولات وأمزجة ومعطيات لاعقلانية، أقرب للإجابة عن أسئلة راهنة وتحديات يومية، ومشكلات المعيش الظاهر للعيان في التجمعات والأحياء.

إننا نحتاج، وحتى في ظل خيار آثر المواصلة على نفس الطريق، بتأكيد الارتباط بالتدبير المحلي للنظافة، لعقل واع يستحضر المنجز ويدرك البيئة على أنها أوسع بكثير من تجميع للفضلات وتجميل للواجهات، وصيانة لمساحة بلدية خضراء.
لعلنا نعي للحظة قبل فوات الأوان، أن البيئة تعني الجميع ولا تخص قطاعا ودائرة إدارية مغلقة، فهي تمس الصناعة والتجهيز والداخلية والتنمية والثقافة والدفاع و..لا يمكن أن تكون مرتهنة لفهم مرحلي مرتبط بهاجس ضيق، و تظل حبيسة رؤية أحادية قاصرة على بعد وحيد من المسألة البيئية على تعددها وتشعبها.

إن بناء المشروع البيئي العربي، يتطلب تعاطيا تشاركيا جديا مع المسألة البيئية، يتضمن خطة متكاملة ترنو لتنسيق العمل وتظافر جهود الحكومات والمؤسسات والمنظمات المعنية، من أجل تقارب تدريجي للبرامج والهياكل وتأسيس لرؤية سياسية بيئية موحدة تتضمن معالم وأولويات وتوجهات تراعي الخصائص المشتركة والملامح الخصوصية، وتنتج برنامج عمل يقوم على فهم عميق لتحديات العمل البيئي غير المنعزلة عن سياق التنمية والاقتصاد والمسار الدولي ، ومستلزمات التحرك للإجابة عنها.

أمام إلزامية تفادي الهفوات، وتجنب مزيد من إهدار الوقت والطاقات والفرص، تحتم إشراك الفاعلين والخبراء والمختصين في إعادة رسم استراتيجية العمل البيئي وضبط تصور متكامل للعناية بالشأن البيئي ، والملاءمة بين حماية الموارد، واستحثاث التنمية، نجابه سؤالا كبيرا عالقا، متى سننطلق في السير على الطريق الصحيح، ونحو متجهات تتناسب مع مصالح المنطقة، وترقى لمستوى تطلعات أجيالها الراهنة لمعدلات تطور ونوعية حياة وضمانات حقيقية وممأسسة لتنمية مستدامة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115