مهرجان المحيط الموازي

يشكل موسم الصيف مناسبة مثالية لانكشاف المستور، وبروز الكثير من العيوب المخلفية والإخلالات المتوارية في قر الشتاء ، وإذ يستوي الناس بمقدم فصل «الخلاعة» ، أو يكادون، تزداد وتيرة معاناة «لبيب» وأحبابه الخلّص، وتتوالى شكاوى المتقززين مما يرون في

الأنهج والطرقات والأرصفة والشواطىء ومن مهرجانات موازية «لتبرج اللاوعي البيئي»، وتمظهرات المستور في دواخل كائنات تدعي وصلا بالبلد.

ولا تزال المشاهد الصادمة لمخلفات تصرفات الـ«مواطنين» التونسيين، تثير اندهاش البعض، بسبب المفارقة، بين ما يفترض ان تؤدي اليه، عقود تجربة الدولة الوطنية وسنوات التعليم والتحديث، وبين الدرك الذي هوت اليه ممارسات أعداد هامة من أبناء الخضراء الصالحين.

لم يدرك صرعى صدمات الواقع المرير، أن البيئة ذهنية، والنظافة ضمير مستتر-غائب-، تقديره، نحن..ولم يفقهوا أنهم بعض من ضحايا- محصلة سيرورة بناء ومراكمة لممارسات ونمط تفكير وتصرف ورؤية للنجاح والخلاص.

هم لم يروا في عقلية اختزلتها مقولات سوغتها ومؤداها «رزق البيليك» و«نفسي نفسي» و«ضربة في غير جنبي» و«خرجت منك يا»... مدخلا منطقيا لواقع مشوه، يهدم ولا يبني، وينهش من الواجب لتسمين الحق وتوسعته وتضخيمه..

مقياس النجاح الذي نشأ عليه الجيل، الخلاص، فردي والغاية القوي اكتساب ما أمكن للملك الخاص، مما يتسنى حيازته وجمعه و.. وهي البحث عن طرق منعزلة وشخصية لتحقيق مآرب ذاتية.

ذاك ما أكدته عديد الدراسات ومنها ما توصل اليه الباحث منصف وناس في دراسة حول الشخصية التونسية انتهت إلى الإقرار بهيمنة ما يمكن أن نسميه بإستراتيجية الخلاص الفردي والبحث عن حلول غير مؤسساتية مثل استعمال رأس المال القرابي والقبلي واللجوء إلى الوساطات الشخصية والجهوية

ففي مواجهة الصعوبات والأزمات، فان كل فرد ينتقي الإستراتيجية الملائمة لحاجياته وانتظاراته، ولكن السلوك الشائع هو تغليب الاختيار الفردي عند كل مشكلة، وهي عوامل تفسر إلى حد كبير جانبا من التصرفات الملحوظة لدى قطاع هام من المواطنين تجاه العمومي المشترك، والبيئة تحديدا، اليوم.

لن تتغير التصرفات البيئية للتونسيين، قيد أنملة ما لم تتغير الذهنيات، وهي ثمرة لفعل تربية وتنشئة متكاملة وسياسات رسمية ، ومؤثرات متعددة منها ما هو ترتيبي وقانوني ومنها ما هو وقائي ومنها ما هو علاجي وزجري.
وما من شك في أن تفعيل مجلة الجماعات المحلية، وإجراء الانتخابات البلدية والجهوية، سيمثلان عوامل دافعة في الاتجاه الصحيح، من أجل تقوية وزن الشعور بالمسؤولية الجمعية، وتنمية الإحساس بالانتماء وبالمشاركة والمعادلة الحتمية بين الحق والواجب في الفضاء المحلي المشترك.

ومع تلك المحددات ، تظل الأسرة والمدرسة ومعهما قوتان عجيبتان هما وسائل الإعلام والاتصال والمجتمع المدني ، الحلقات الرئيسية المؤهلة لإعادة ترتيب العقل الفردي والجمعي التونسي، في اتجاه اكتساب مقومات السلوك المدني، والتشبع بروح التشارك والمساهمة التلقائية في أداء الواجب، بما يتحول لنوع من الإلزام الذاتي(وازع داخلي واجتماعي)

مرة أخرى أزفر، لبيب خرج ولم يعد..
في عيون البعض غادر الساحات العامة، لتكون أنظف، مع»الأزلام» غير مأسوف عليه..

وعند آخرين، غادر حارس النظافة، وضمير الرقابة على التصرفات المريبة المعادية للبيئة.. فباتت الساحات بؤرا لتلوث لا يطاق..

ويرى آخرون، أنه ما غادرها، إلا لما عرف في القوم من فوضى وقلة ذوق واستهتار بوصاياه ونصائحه..

في الأثناء، تتحرك سواعد البلديين والبيئيين، من أجل إماطة الأذى وتقليص مخلفات أنانية بعض اللامبالين بحقوق البشر والنبات وباقي الكائنات..

ولا تنقطع إبداعات الفئة الأكثر تميزا، بحركات يومية تضمن عودة السواد، وتوسع مجال العدوان على الأخضر واليابس، وتكاثر المصبات، وغيرها من مقابر الضمير البيئي المغترب..ولا يملك شبح لبيب، الحاضر الغائب إلا أن يهمس متأوها..متحسرا..
مَتَّى يَبْلُغُ الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ ..... إِذْ كُنْتَ تَبْنِيهِ وَآخَرُ يَهْدِمُ

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115