إضاءة: ثنائية المركز والأطراف في مقاربة البيئة والاستشراف

بات اليوم إغفال البيئة بما هي أولوية أساسية وأحد مبادئ خطط الإنماء والإصلاح وبناء المشاريع التنموية الجهوية والمحلية والوطنية،

احد أبرز مسببات الخلل والفشل في ضمان سلامة المقاربات وديمومة المنجزات.

فالحضارة التي تتجاهل ديمومة الموارد الطبيعية، وتعجز عن ضمان استمرارية الموارد الاساسية لنموها وتطورها محكومة بالانهيار والفناء العاجل.

ويعتبر النظر للبيئة باعتبارها جزءا، أو قسما من فضاء، أو عنصرا مغلقا، ليس إلا نظرا قاصرا وحالة من حالات العجز عن إدراك البيئة بما هي ديناميكية وترابط عضوي يشمل كافة مكونات الأنظمة الحيوية المحيطة بالإنسان، ويهم علاقته بهذا المحيط وإعادة إنتاجه له وتفاعله معه.
فقد جاوزت قضايا البيئة رفوف بعض المكتبات النخبوية وأروقة المنظمات العالمية المبالغة حماسها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مما يسير ويحلق ويسبح ضد تيار المصالح الرأسمالية والصناعية المتضخمة..

وباتت المسألة متقاطعة رغم أنف ، اللابيئيين، مع كافة القطاعات وشؤون الحياة، وإن بدا قبل عام أنها جزء لا يتجزأ من هيكلة السلطة المعنية بالشؤون المحلية، والسلط المحلية.

ويشير تعدد زوايا النظر للقضية البيئية لطابعها المركب، فهي بيولوجية واجتماعية في آن، وهي تقنية وفكرية، وهي روحانية ومادية، وأفقية تشمل كل المجالات وتمس مختلف الحقول والأبعاد، ويتعذر حصرها في منطقة، وقصرها على مجال أو اعتبارها قطاعا مخصوصا.
ما يزال حالنا البيئي يعيدنا لمربع السؤال البديهي المتكرر، هل تجاوزنا ضيق النظر الجاف للبيئة، إلى أفق اعتبارها مدخلا لحل الإشكالات التنموية والمصيرية للإنسان والمجتمع؟

وهل تجاوزنا حقا مرحلة الابتداء، وتمثلنا روح الاستدامة؟

وهل راكمنا فعلا على نحو أربع عقود من سيرورة الدول نحو ترسيخ الاستدامة كمحرك دائم لعجلات التنمية والتهيئة والتخطيط وبناء السياسات؟

وللتاريخ، ففي عام 1983 شكلت الأمم المتحدة لجنة عالمية للبيئة والتنمية برئاسة غروهار ليمبورنتلاند رئيسة وزراء النرويج انذاك وعضوية مجموعة من الخبراء وذلك من اجل دراسة مشكلات البيئة والتنمية على كوكب الأرض ووضع الاقتراحات لحلها ووضع حد للصراع بين البيئة والتنمية  والخروج بمفهوم  يعمل على اتزان العلاقة بين البيئة والتنمية والاحتياجات دون الإضرار من خلال صيغة برنامج عالمي للتغيير واقتراح استراتيجيات بعيدة المدى، وكانت حصيلة عمل هذه اللجنة إصدار كتاب مستقبلنا المشترك الذي حمل مفهوما جديداً للتنمية وهو مفهوم التنمية المستدامة وهي التنمية التي تلبي حاجيات الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجياتهم. لقد أدى مفهوم التنمية المستدامة إلى ظهور فلسفة تنموية جديدة تضع في عين الاعتبار محدودية الموارد البيئية الطبيعية وحدود قدرة الأرض على تحمل إجهاد الاستنزاف من ناحية و التلوث والتدهور من الناحية الأخرى.

ويشير طرح المسألة البيئية في يوم ذكرى الثورة رهان تأصيل التغيير الفعلي الواقعي، في الأذهان، وأسبقية الوعي والتبني الواعي للنخب والفاعلين لأولوية البعد البيئي ومحوريته قبل الدخول في الجوانب الإجرائية وتنفيذ برامج ظرفية.

فالبيئة، التي لم تنزل الهيئة الدستورية الخاصة بها ولم يتم بعد تفعيلها، بما يوحي بعدم حصول هذا الانتقال في درجة التبني وتغير علاقة النخب السياسية بالقضية البيئية، رغم تعدد التطورات المحققة على غرار نجاح المجتمع المدني في فرض إدراج البيئة في الدستور، والتنصيص على الهيئة وغيرها من الخطوات الهامة المكتسبة خلال سنوات ما بعد الثورة، ما تزال تربة خصبة مهيأة لتبرعم مقاربات سياسية ورؤى حزبية ومشاريع تقودها هيئات وقوى المجتمع المدني تتنوه ملامحها ومساراتها بحسب اصحابها وفاعليها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115