إضاءة: إعادة تشكيل مشهدنا الأخضر ربّ ضارّة نافعة

فتحت حوادث حرائق الغابات مجددا حديثا ساخنا عن مشكل التهديد المتواصل لثرواتنا الغابية والطبيعية والكوارث المحدقة بما تبقى من هوية تونس الخضراء

كما حفزت الحوادث المتزامنة المرعبة حواس البيئيين الفطرية المتوثبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والتحرك الجماعي والإيجابي لتنفيذ تحركات ومبادرات من شأنها وقف النزيف والحد من آثاره الوخيمة
وقد بينت الحوادث الأخيرة إشكالا مرتبطا بالمعلومة وطرق قراءتها وتفسيرها في ظل ضبابية بعض المعطيات المتصلة بالجناة وأجندتهم ومدى الضرر وامتداد الكارثة..

فرغم الجهد الواضح للإدارة العامة للغابات، تأكد نقص الدقة في المعطيات الإخبارية الموثوقة والمتضمنة للتحليل المناسب لوضع الحوادث في سياقها وتحديد مدى الضرر البيئي النسبي لتلك الحرائق دونما تهوين أو تهويل
فعامة التونسيين لا يحملون خلفية علمية دقيقة حول واقع المخزون الغابي والايكولوجي وطبيعة مكونات المساحات والثروات الطبيعية الغابية والرعوية وأسباب الكوارث والتهديدات المحدقة بمختلف المنظومات والحدائق والمحميات
وكثيرون لا يعلمون حقيقة المقدرات المتوفرة والأسباب المؤثرة في تراجع الغابات وانحسار المساحات الخضراء منذ العهد الروماني ومؤثرات البناء والتعمير والأنشطة الرعوية والبشرية وكذلك التدخل الاستعماري الذي أدى لمغادرة الكثيرين نحو الجبال وتدمير نسبة هامة من المساحات الغابية وما خوله المجهود الوطني بعد الاستقلال من تحسين للتوازنات

واستعادة لمساحات غابية معتبرة
فقد تم رسم خطة تتضمن حماية الثروة الغابية وتثمينها وتشريك المتساكنين في التصرف وتطبيق مجلة الأحكام الغابية وترمي لبلوغ نسبة غطاء غابي في حدود عشرين بالمائة سنة 2020، مع رفع نسبة مشاركة الخواص في التصرف والاستثمار في المناطق الغابية والرفع في نسبة المناطق المحمية من 17 إلى 20 بالمائة
كما تستهدف الحد من معدل المساحة المحروقة بهكتار واحد بكل حريق ومزيد تثمين المنتوجات الغابية وتطوير غابات الفلين وخاصة الخفاف وتنمية سباسب الحلفاء وتهيئة المناطق المحمية وإعادة توطين الحيوانات المهددة بالانقراض
وتتضمن الخطة المرسومة مقومات هي التشجير الغابي وترشيد التصرف في الغابات والمحافظة عليها وبلوغ نسبة مساحة مشجرة ب190 ألف هكتار و210 آلاف هكتار من الغراسات الرعوية و275 ألف هكتار تهيئة مراعي مع تكثيف المنابت وتعصيرها وإحداث مراكز غابية وبناء طواب وبرنامج تثبيت الكثبان الرملية ومقاومة التصحر
كما تضمنت الخطة الغابية بناء نزهة لكل منطقة بها كثافة سكنية وتقدر كلفة الخطة بقيمة 1200 مليون دينار

إن الحرائق المسجلة خلال الشهر المنقضي لفتت الانتباه وسببت نوعا من الفزع والمخاوف من ارتفاع حجم الخسائر في أنظمتنا الهشة ومقدراتنا البيئية المحدودة
إن الهول الرمزي لكارثة الحرائق فتحت السبيل لوسائل الاعلام لمحاولة العمل على تعديل طبيعة تمثل الناس للمسألة وإبراز الخطر المباشر المحدق بكل فرد من جراء أي حادث بيئي، وحريق الغابة حدث بيئي جلل

والبيئة لا تقتصر على مجرد رفع الفضلات والمحيط المباشر للمساكن والأحياء
وهي تدعو فعلا إلى إرساء مبادرة مواطنية كبرى موازية لمجهود هياكل الدولة ترمي لتنظيم مئات حظائر التشجير في موعدها المناسب بالتعاون مع الغابات ومساهمة الجمعيات والمؤسسات التربوية
وقد انطلقت عديد الهيئات منها شبكة (فايقين لبيئتنا)في ترتيب مبادرة كبرى تقوم على تنظيم حركة تشجير واسعة تحمل في طياتها الوعي والالتزام والمشاركة من هبة جماعية لإعادة الخضرة لتونس عساها تكون لحظة فارقة ومنطلقا جديدا لتحقيق الحلم البيئي الموعود في أجل قريب ولإعادة رسم الصورة الحقيقية لتونس الخضراء بسواعد أبنائها وبناتها

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115