إشارات من أجل الانتقال الايكولوجي

هل نحن سائرون نحو وعي عالمي بضرورة الانتقال الايكولوجي كحل جذري يساعد البشر على عيش حياة سعيدة ...
هذا ما لمسته بقوة في الأيام الماضية من خلال أحداث ثقافية وسياسية ...

الحدث الأول سياسي ويتمثل في صعود نجم المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية جون لوك ميلونشون الذي اصبح في الأسابيع الأخيرة مرشحا جديا لدخول الايليزيه (تجاوز في احدى استطلاعات الراي الأخيرة مرشح اليمين «فيون» واقترب من المرشحين الرئيسيين ماكرون ولوبان ) في ظل تقهقر مرشح اليسار بونوا هامون (فقد منطقيا وحسب اخر استطلاعات للراي أي امل في النجاح ) والذي يحمل تقريبا نفس قناعات ميلونشون واولها «الانتقال الايكولوجي « .
ان انسحابا محتملا لهامون واعلانه عن دعمه لميلونشون سيعطي هذا الأخير دفعة قوية وستحفظ كذلك للحزب الاشتراكي الفرنسي «بعض ماء الوجه « في ظل فشل مرشحها الشاب في تخطي نسبة 10في المائة من أصوات الناخبين (دائما حسب اخر استطلاعات للراي ).

ميلونشون يقول مثلا ان «العمل البشري يجب ان يكون متناغما مع الطبيعة ومع الحيوانات» وان «على الفرنسيين ان يستعدوا لاستعادة طعم السعادة من جديد» وفي هذا الاطار وعد بالانتقال الكلي الى الطاقات المتجددة والتخلي التدريجي عن الطاقات التقليدية وحتى عن الطاقة النووية التي وصفها بانها طاقة «خطيرة « وكذلك بالعودة الى الفلاحة الريفية الطبيعية والتي تعتمد على أساليب ووسائل نقية (قال مثلا في احدى لقاءاته الصحفية ان تعميم الاكلة البيولوجية في كل المطاعم المدرسية والجامعية سيكون له انعكاس على تشجيع هذه الفلاحة ).

هذه القيم الجديدة والتي لاتكون عادة محور اهتمام جل السياسيين الكلاسيكيين هي التي جعلت من ميلونشون مرشحا استثنائيا وجعلت من حملته الانتخابية حدثا نادرا في عالم السياسة حيث الجانب المعنوي من الحياة يصبح أولى أولويات السياسي .
ما يجب التأكيد عليه ان هذه القيم ان كتب لها ان تكون في يوم من الأيام الاهتمام الأول لرئيس دولة كبرى مثل فرنسا فانها لن تبقى ابدا حبيسة هذا البلد بل ستعرف الانتشار في الدول الفرنكوفونية أولا ثم وشيئا فشيئا ستغزو العالم .

وانا اعيش هذا الطقس السياسي الاستثنائي والذي كان نتيجة وعي متزايد بأهمية تغيير حياة البشر الى الاجمل والى الانقى تلقيت إشارة ثانية تحمل نفس الرسائل ولكن هذه المرة في شكل مختلف ومن بلد مختلف .
الإشارة أتت هذه المرة من تونس في شكل شريط سينمائي عنوانه «اخر واحد فينا « كان بالنسبة الي بمثابة المفاجاة السارة على الأقل من ناحية الطرح الذي كان جديدا وأيضا من ناحية المغزى الذي كان عميقا .
معلقة الشريط تحيلنا الى عالم غريب حيث رسم بسيط يجسد جذوع أشجار بيضاء وسط ظلمة حالكة .
الفيلم كذلك خال من أي حوار ليجعل من الصورة والضوء أدوات التعبير الأساسية .

الصور الأولى تظهر شابين اسمرين يبدو انهما قادمين من افريقيا السوداء في طريقهما الى الشمال ولكنها يتعرضان سريعا الى هجوم من قاطعي طريق يضطرهما الى الافتراق لتواصل الكاميرا تتبع خطوات احدهما (سيكون الشخصية المحورية الوحيدة في الفيلم) .
يجد الشاب الأسمر نفسه في مدينة ساحلية وامام حتمية إيجاد طريقة لقطع البحر نحو وجهة مجهولة .
لن يتاخر الحل الذي سيكون سرقة مركب صيد ساحلي (يبدو الممثل سعيدا بركوبه البحر ) .

ولكن يبدو ان الوقائع تجري على غير ما توقع المتفرج وحتى الممثل حيث يجد هذا الأخير نفسه وسط غابة عذراء (يبدو انها جزيرة نائية ) وهنا يبدا فصل جديد سمته الدهشة والاختلاف والاكتشاف والتاقلم وتواتر الظلمة والنوروالاندماج .
يتعلم القادم الجديد من الشخص الوحيد الموجود في المكان كيف يستمع الى الأصوات القادمة من الغابة وكيف يصطاد وكيف يقطف النباتات والثمار (يعود بنا الى اصل النشاط الإنساني قبل اكتشاف الزراعة).
وأيضا كيف يحب ويندمج مع الطبيعة حيث تجسد اللقطة الأخيرة مثلا تماهيا كليا للشاب مع شلال ماء الى درجة الاختفاء الكلي .

لقطات أخرى كذلك كانت اكثر من مهمة كانت تجسد اكتشاف الشاب لنور القمر وكيف ان هذا الكوكب اصبح مرافقا ومنيرا لدربه في كل خطواته ليلا.

قراءتي للفيلم واضحة وهي ان الانسان يسير في درب جعله ينسى انه قبل كل شيء كائن طبيعي خلق ليعيش في تناغم مع محيطه الطبيعي وان الهجرة الوحيدة التي يمكن ان تعيد للإنسان سعادته هي هجرته الى اصله الأول والذي كان في الفيلم الجزيرة .
أيضا هناك حقيقة أخرى اراد الفيلم ان يقولها وهي ان رحلة الانسان في الحياة هي رحلة منفردة .

طبعا للفيلم نظرة نقدية للواقع الذي نعيشه ويتجسد في عنوان الشريط «اخر واحد فينا « وتعني ان شخصا واحدا فقط استطاع ان يكون سعيدا لانه ببساطة لم يبتعد عن اصله ( الطبيعة ).
الم اقل لكم ان إشارات الانتقال الايكولوجي أصبحت اكثر فاكثر مطلبا كونيا...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115