فيما تمثل أسعار المواد الحرة أكثر من 70 % من سلة الاستهلاك: الضغوط التضخمية في تزايد وهامش التحرك الحكومي ضعيف

يتسارع نسق تطور مؤشر الأسعار على الصعيد الوطني بشكل لافت في وقت تشهد فيه المقدرة الشرائية تدهورا، حيث بات المستهلك على موعد مع زيادات

في الأسعار تكاد تكون أسبوعية وتطال هذه الزيادات باقة واسعة من المنتجات من غذاء وخدمات، في المقابل لاتبدي الحكومة اهتماما بقفة التونسي والمخاطر التي يمكن أن تحملها الضغوط التضخمية على الاقتصاد الوطني ،حيث يبدو أن التفكير الحكومي منصب أساسا على تعبئة الموارد للمالية العمومية والذي يبدو أن جيب المواطن سيكون أولى مواردها.

تشهد السوق التونسية خلال الأشهر الأخيرة عدم انتظامية في التزويد بالمواد الأساسية من جهة و إرتفاعا في أسعار المواد المؤطرة من جهة ثانية ،لتعود صور طوابير الانتظار أمام المخابز والمغازات لاقتناء مواد أساسية باب الحصول عليها أمر شبه مستحيل وأمام معاناة وتشكيات أصبحت يومية من المواطن لانجد غير بلاغات من طرف وزارة التجارة حول العمل الرقابي و المحجوزات التي تتنزل في إطار مجابهة الاحتكار الذي يعتبر ناجما عن النقص الحاد في الكميات بالسوق واللافت أيضا أن وزارة التجارة أخذت تسمح لزيادات في الأسعار يفرضها المهنيين لمواد أساسية مدعمة وذلك بتعلة ارتفاع المواد الأولية ليضطر المواطن فيما بعد ذلك لاقتنائها وسط عدم توفرها بالشكل المطلوب ،وسيسمح هذا المبرر لعدة زيادات أخرى التي تلعب فيها مدخلات الإنتاج دورا مهما في تحديد التسعيرة مثلما ماحصل مع مادة البيض .

وتقر الحكومة حسب ماورد في وثيقة الميزان الاقتصادي لسنة 2022 بتواصل المنحى التصاعدي لنسق تطور أسعار المواد المؤطرة خاصة في ظل مؤشرات الارتفاع الحاد- للأسعار العالمية للمواد الأساسية والطاقة مقابل تواصل الضغوط على ميزانية الدولة وضعف هامش التحرك، علما وأن التقديرات تتضمن تفعيل التعديل الآلي للمحروقات مع احترام الانتظامية الشهرية و سيكون لتأثير الزيادة في المحروقات كلفة باهضة على مختلف السلع والخدمات التي يعتمد إنتاجها أساسا على المحروقات.

ويبرز ضعف هامش التحرك الحكومي إلى جانب العجز الذي تعاني منها المالية العمومية والذي يتطلب التقليص في حجم الدعم الموجه إلى الكهرباء و المحروقات وذلك من خلال إدخال تعديلات عند البيع للعموم ، تواجه الحكومة نظرا لصعوبة التحكم في نسق تطور أسعار المواد الحرة والتي تمثل 73.5 % من سلة الاستهلاك ،حيث تتصاعد أسعار المواد الحرة بسبب إرتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة الزيادة المتواصلة في أسعار مدخلات الإنتاج- )ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الأولية( بالتوازي مع العودة المنتظرة للطلب والتعافي التدريجي للاستهلاك الخاص. كما ينتظر أن تشهد أسعار المواد الغذائية الحرة وخاصة منها الطازجة ارتفاعا ملحوظا وذلك نتيجة التراجع المنتظر للإنتاج على أساس الضعف الحاد للتساقطات من الأمطار وندرة مياه الري.

ومن ضمن الآليات المقترحة للحد من نسق التضخم ،تؤكد وزارة الاقتصاد و التخطيط أنه سيتم خلال سنة 2022 أنه سيقع بذل جهود استثنائية بهدف التحكم في نسق تطور الأسعار وتجنب انزلاق أسعار المواد الحرة( وذلك باعتماد آليات جديدة ومتطورة للتحكم في مسالك التوزيع ومراقبة الأسعار على غرار تسريع التوجه الرامي إلى رقمنة مسالك التوزيع واعتماد نظام معلوماتي شفاف يمكن من التحكم أكثر في كل الحلقات .

كما سيتم العمل على تعزيز الوسائل اللوجستية والموارد البشرية المتخصصة بهدف تطوير منظومة المراقبة وتطبيق القانون فضلا عن تطوير التشريعات في اتجاه دعم جهود مكافحة ظواهر التهريب والاحتكار والمضاربة. هذا بالإضافة إلى مواصلة انتهاج سياسة نقدية حذرة هدفها مواصلة استهداف التضخم مع العمل على ملائمتها مع الوضع الاقتصادي والحرص على إحكام التنسيق مع سياسة المالية العمومية.

وللتذكير ، فقد إنتهت سنة 2021 على معدل تضخم سنوي بنسبة 5.7 % في تونس ويتوقع البنك المركزي ان تبلغ نسبة التضخم لكامل السنة الحالية نسبة 6.8 % على أن تتراجع العام 2023 إلى 5.6 % .

إن عودة مؤشر الأسعار للارتفاع يؤكد التوقعات التي تشير إلى اشتداد الضغوط التضخمية وارتفاع المخاطر المحيطة بمسار التضخم على المدى القصير والمتوسط وهو ما قد يعمق من المخاطر السلبية والضغوط المسلطة على إستقرار وتعافي الاقتصاد الوطني خلال الفترة المقبلة خاصة في صورة لجوء البنك المركزي إلى مزيد تشديد السياسة النقدية لمجابهة ارتفاع الأسعار.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115