الاقتصاد الوطني في 2021: سنة من سنوات عجاف وإرث من الأزمات يرحل إلى العام المقبل

أنهى الاقتصاد الوطني العشرية المنقضية بتسجيل أسوإ أداء له وذلك بسبب بروز جائحة كورونا التي شلت جل المحركات الاقتصادية

تبعا لإجراءات التي اتخذت لمجابهة الجائحة سواء على الصعيد الوطني أو الصعيد العالمي، وحملت بداية السنة الحالية في طياتها آمالا متواضعة بالتخفيف من آثار الكارثة الصحية، غير أن النتائج المسجلة إلى غاية كتابة هذه الأسطر تشير إلى تواصل تأزم الوضع الاقتصادي، فقد خلت سنة 2021 من تسجيل اي تقدم ملموس في مؤشرات الاقتصاد وظلت الملفات دون معالجة كما ظلت والإشكاليات العالقة التي رحلت من سنة 2020 والتي سترحل بدورها إلى سنة 2022..وبذلك يستمر مسار التخفيف من الأوجاع دون استئصال سبب الداء.
لئن أبدت وزارة المالية منذ بداية السنة تطلعات متفائلة بتحقيق نمو بـ4 %، فإن للزمان سلطانه فبعد مضي تسعة أشهر من السنة كانت كافية بتراجع السلطة توقعاتها لتخفض في نسبة النمو إلى 2.6 %،حيث لم تشهد الفترة الماضية أي تقدما بإستثناء تحسن طفيف في مؤشر الاستقلالية الطاقية وعائدات القطاع السياحي التي تبق بعيدة عن المستويات المسجلة قبل 2020 وتعتبر المراجعة بالتخفيض ضغوطا جديدة على فرص الشغل و خلق الثروة.
المالية العمومية بين عجز الميزانية ونزيف المديونية ...
لم تقف أثار الأزمة الصحية كوفيد 19 بانتهاء إجراءات التوقي منها والمقصود عنا بالحجر الصحي وحظر الجولان ،فقد أنهكت تداعيات الجائحة كاهل المالية العمومية التي تشهد عجزا هيكليا منذ سنوات وسط إرتفاع حجم النفقات وضعف الإيرادات ،فقد قفز العجز من 1 في المائة في 2010 ليصل الى 9.6 % في 2020 ومن المتوقع ان تبلغ نسبة العجز 8.3 %خلال 2021 وهو رقم يتجاوز العتبة المحددة بـ3 %.
كما تواصل ارتفاع نسق المديونية إلى مستويات قياسية وتفاقم العجز في الميزانية،حيث تظهر المؤشرات المتعلقة بالدين العمومي للدولة بقاءه في مستوى عال ينطوي على مخاطر كبيرة فقد ارتفع إجمالي دين الدولة إلى حدود شهر أكتوبر الفارط إلى 102.2 مليار دينارأي 81.47 % من الناتج المحلي الإجمالي على أن يرتفع في نهاية السنة وفق قانون المالية التكميلي إلى 85.56 % وارتفعت خدمة دين الدولة إلى 75.80 %. وكان مجلس ادراة البنك المركزي التونسي قد حذر في شهر أكتوبر الفارط من الدخول في مرحلة الدين غير المستدام فقد قال في بلاغ له إن تدهور المالية العمومية التي تعاني من وضعية هشة علاوة على تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية للنفط من شأنه المساس باستدامة الدين العمومي، وتحذير المركزي التونسي ليس سابقة فقد كان صندوق النقد الدولي قد حذر أيضا سابقا من بلوغ المديونية في تونس مستوى غير مستدام.
وكان الدين العام قد دخل في نزيف من الصعب إيقافه ،افقد ارتفع حجمه من 43 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2009 إلى 90 % في 2020.
تزامن التصنيفات السلبية مع تعطل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي
لن يقف نزيف التداين تونس بنهاية سنة كانت تتمة لسنوات عجاف مع استمرار الظرف ذاته من وجود تصنيفات سلبية وعدم وضوح الرؤية للمشهد العام على الرغم الروزنامة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية مع عدم إحراز أي تقدم بخصوص المشاورات مع صندوق النقد الدولي.
لئن نجحت عديد الدول مع نهاية العام 2021 في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، إلا أن تونس فشلت في ذلك خلال العام الحالي ولم تنجح في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وقد تعثرت المشاورات إلى حدّ اليوم في ظل ظرف داخلي لا يتسم بالتوافق الأمر الذي يرجوه النقد الدولي من شركائه في تونس قبل الانطلاق في أي برنامج ثنائي. وخاصة تخفيض كتلة الأجور وتجميدها وايقاف الانتدابات.
وتبقى خيارات تونس في الاقتراض محدودة داخليا وخارجيا خاصة في ظل تدني تصنيفها الائتماني من وكالات التصنيف العالمية وضعف اقتصادها والظروف الاجتماعية غير المستقرة ،لتتضاعف بذلك معاناة الاقتصاد الوطني مع التصنيفات السلبية التي أبدتها وكالات التصنيف الائتماني التي تلعب دورا مفصليا يتمثل في تسهيل وصول تونس الى الأسواق المالية الدولية ،حيث يحول تدهور تصنيفها السيادي وعدم وجود أفاق مشجعة لتحسنها دون الولوج الأسواق المالية الدولية و الحصول على الدعم المالي مثلما يؤثر في عملية جذب الاستثمار وقد شهدت سنة 2021 أسوأ تصنيف منذ 1994 من طرف وكالة التصنيف اليابانب و إستثمار المعلومات ،حيث خفضت ترقيم تونس الى –B ، مع أفاق سلبية ويعكس هذا التصنيف بأن الجدارة الائتمانية لتونس مشكوك فيها و ان بعض الاختلالات تتطلب اهتماما مستمرا و يأتي هذا التصنيف بعد تصنيف موديز التي اسندت الى تونس ترقيم Caa1 ، مع أفاق سلبية وهو ما يغلق الابواب امام خروج تونس الى الاسواق الماليةـ مثلما أصدرت فيتش رايتينغ ترقيما سلبيا لتونس.
منحى تنازلي للاستثمار ..
تتواصل حالة عدم اليقين إزاء الجائحة ومخلفاتها مثلما تستمر هشاشة المناخ العام الذي يتسم بعدم الأريحية خاصة في ظل ما تتسم به الساحة السياسية من توتر و عدم وضوح للمشهد السياسي ،فعلى الرغم من سن قانون الاستثمار جديد و دخوله حيز التنفيذ منذ أفريل 2017 ،فإن حصيلة الاستثمار ماتزال بعيدة عن الانتظارات بل أخذت في السنوات الاخيرة في الهبوط وإن إتسمت بالتذبذب من سنة الى اخرى فإن المنحى التنازلي مستمر ،حيث تظهر بيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي تراجعا في قيمة الاستثمارات بنسبة 21.3 % كما أظهرت وكالة النهوض بالصناعة و التجديد هبوطا بنحو 17 في المائة في قيمة الاستثمارات المصرح في الصناعات المعملية لديها و على الخطى ذاتها سجلت الهيئة التونسية للاستثمار تدحرجا في نوايا الاستثمار مع موفى نوفمبر بنسبة 22 %.
الأوضاع الاجتماعية على صفيح ساخن...
تستمر معضلة البطالة في التفاقم دون وجود اية بوادر للحد منها ،فبعد عصفت الكارثة الصحية السنة المنقضية على إثر إغلاق المؤسسات في فترة الحجر الصحي زاد من وتيرة ارتفـاع البطالة في الثلاثي الثانية إلى 18% وقد إستمرالمنحى التصاعدي للبطالة خلال السنة الحالية على الرغم من عودة النشاط و إن كان بنسق أبطأ ،حيث كشفت بيانات المعهد الوطني للإحصاء عن ارتفاع معدلات البطالة لتصل الى 18.4% في الربع الثالث ،وهو أسوأ صدى للجائحة منذ بدايتها وهو أعلى مستوى منذ 1991 وقد تشهد البطالة رقما قياسيا جديدا نظرا للنتائج المسجلة خلال الثلاثيات المنقضية و بذلك يستمر تأثير الأزمة الصحية على سوق الشغل التي تعرف بدورها بمحدوديتها من جهة و العمل الهش من جهة ثانية وتعد أزمة البطالة من الأزمات المرحلة والتي قد تشهد إنفجار خلال السنة المقبلة لا سيما امام انسداد افق الانتدابات في الوظيفة العمومية بناءا على ماورد في قانون المالية لسنة 2022 من جهة وتواصل تعثر الاستثمار من جهة ثانية.
والى جانب ازمة البطالة التي ولد حالة من الاحتقان و الاجتماعي ،فإن الجانب الاخر من النهر لا يحمل خيرا ،ذلك أن المعيشة باتت في غلاء متزايد و الاسعار تشتعل و في المقابل لا تواجه الحكومة هذه الأزمات إلا بإجراء حملات رقابة على الأسعار والمنتجات وعلى أهمية هذه الحملات ،فإنها تبق محدودة أمام توسع فاحش لممارسات الاحتكار و الغش.
وتبين معطيات المعهد الوطني للإحصاء ارتفاعا في نسبة التضخم و تأكل المقدرة الشرائية وقد شهدت نسبة التضخم ارتفاعا متواصلا منذ بداية 2021، حيث بلغت 4.9 % خلال شهر جانفي ، لترتفع إلى 5.7 % في جوان، و6.4 % في نوفمبر وهو ما يشير الى تعمق تأكل المقدرة الشرائية وعجز المستهلك عن مجابهة إنفجار الاسعار خاصة المواد الاساسية.
تمضي سنة 2021 كغيرها من سنوات العشرة المنقضية دون تحقيق اي تقدم على الصعيد الاقتصادي او إحراز أصلاحات هيكلية يمكن من ان تثمر خلال السنوات المقبلة اما عن السنة المقبلة ،سنة 2022 هي سنة رحلت اليها أزمات كثيرة وينتظر ان تكون نقطة إنطلاق الاصلاحات الجدية وفقا لما ورد في قانون المالية .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115