بعد أن منحتها وكالة «Moody’s» درجة B2 «واعتبرتها قيد المراجعة: خلفيات وقراءات تصنيف تونس السيادي والأسباب التي ساهمت في تعميق المخاطر

صنفت وكالة «موديز» الدولية للتصنيف الإئتماني يوم 17 افريل الجاري تونس في درجة B2 « واعتبرتها قيد المراجعة نحو التخفيض»مع متابعتها

على مدى ثلاثة اشهر بهدف تخفيض مرتقب، كما قامت الوكالة بإسناد هذا التصنيف مع مراجعة منتظرة نحو الانخفاض للبنك المركزي التونسي بصفته قانونيا الضامن والمسؤول عن خلاص التزامات الدولة وتطرقت الوكالة الى الاسباب الرئيسية لهذا التصنيف الذي افرزته عدة عوامل مشتركة خارجية مرتبطة بشح موارد التمويل بالأسواق العالمية وارتفاع كلفة المخاطر من ناحية وأخرى داخلية مرتبطة بضعف افاق نمو الاقتصاد الوطني على المدى القصير وهشاشة المنظومات الاقتصادية وكذلك تدهور وضعية المالية العمومية وضعف الوضعية المالية الخارجية بالإضافة الى ارتفاع المديونية.
كل هذه النقاط التي تطرقت اليها الوكالة في اعتماد التصنيف تشهد تراجعا في اغلب مؤشراتها ان لم نقل ضعفا عمق عجزها وجعل التصرف فيها يتطلب مجهودات اضافية كيف يمكن قراءة هذه النقاط من الناحية الاقتصادية وتداعياتها على مستقبل التصنيف السيادي لتونس.

احتياجات التمويل الخارجي
قال الاستاذ الجامعي والخبير المحاسب وليد بن صالح للمغرب حول تفاصيل العوامل التي تسببت في تراجع تصنيف تونس السيادي وقراءته التحليلية لها انه يمكن تقسيمها الى عدة نقاط منها تنامي احتياجات التمويل الخارجي في ظل تقلص السيولة وإجحاف الشروط على الاسواق العالمية خاصة في الظرف الذي فرضه فيروس (COVID-19) وما تسبب فيه من اختلال كبير للمنظومات المالية على المستوى العالمي وتزايد طلبات التمويل من اقتصاد جميع الدول وهو ما خلف شحا في وسائل التمويل وارتفاع كلفتها خاصة بالنسبة للدول الفقيرة والنامية ذات الاقتصاد الهش.
وفيما يتعلق بتونس فقد تضاعفت نسبة الفائدة لسندات القروض الخارجية للدولة خلال شهرين حيث ارتفع هامش النسبة من 5 % في فيفري 2020 الى اكثر من 9 % خلال شهر افريل الجاري وتتوقع موديز تزايد احتياجات الدولة الى الاقتراض الخارجي خلال السنوات المقبلة في ظل محدودية مخزون العملة الصعبة وضعف تغطية المستحقات الواجب خلاصها خلال سنة 2020 والتي تمثل 10 % من هذا المخزون كما تتوقع الوكالة انخفاضا اضافيا هاما لهذا المخزون جراء التراجع الكبير للقطاع السياحي والذي يعتبر من بين اهم القطاعات التي توفر العملة الصعبة للبلاد قدرت سنة 2019 بـ 6 مليار دينار اي ما يمثل 10 % من الناتج المحلي الخام و 10 % من مواطن الشغل و كذلك للقطاعات المصدرة في ظل انخفاض الطلب الخارجي و التراجع الحاد للمبادلات التجارية ومما يزيد الوضع تعقيدا حسب الوكالة ضعف المنظومة البنكية ومحدودية قدرتها على توفير تمويلات طويلة المدى للدولة.

تدهور وضعية المالية العمومية
قال الخبير المحاسب وليد بن صالح ان تدهور وضعية المالية العمومية في ظل الازمة من بين العوامل التي تعمق التخفيض وتثير المخاوف من تواصل التصنيفات السلبية حيث تقدر الكلفة الاولية لبرنامج الحكومة لمجابهة ازمة كوفيد 19 بمليار دولار اي ما يعادل 2.7 من الناتج المحلي الخام وتمثل هذه الكلفة الاضافية الهامة الى جانب نقص الموارد الاخرى جراء الانكماش الاقتصادي وتراجع النمو اسباب جدية لتعميق نسبة عجز ميزانية الدولة من 3 % متوقعة خلال سنة 2020 الى 5 % من الناتج المحلي الخام ويحتاج تمويل هذا العجز الاضافي الى اللجوء المفرط الى الاقتراض خاصة الخارجي لترتفع نسبة المديونية العمومية من 75 % متوقعة سنة 2020 الى 80 % من الناتج المحلي الخام باعتماد فرضية تواصل استقرار سعر صرف الدينار.

اضافة الى ذلك قامت وكالة موديز بالتشديد على وجود مخاطر كبرى لعدم ايفاء بعض المؤسسات العمومية بالتزاماتها المالية في ظل غياب الاصلاحات الكبرى الواجب اعتمادها وهو ما يحتم في هذه الحالة اللجوء الى تفعيل ضمان الدولة الذي يغطي 18 مليار دينار تقريبا من حجم هذه الالتزامات اي ما يمثل 16 % من الناتج المحلي الخام وتؤدي هذه الوضعية الى تعميق اضافي في عجز الميزانية و نسبة المديونية وتعتبر وكالة موديز في هذا الاطار ان مجمل هذه العوامل لا تمكن الحكومة التونسية من تحسين شروط التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول برنامج تمويل الميزانية الجديد بعد التخلي نهائيا عن البرنامج القديم وستكون لهذه الوضعية تداعيات سلبية على منسوب ثقة الممولين والمانحين الدوليين المهزوزة اصلا مثلما يبينه ذلك تضاعف هامش النسبة خلال شهرين فقط.

تردي الوضع الاجتماعي
من بين الأسباب الاخرى المساهمة في هذا الترقيم الذي اسندته الوكالة لتونس هو تردي الوضع الاجتماعي حيث تعتبر موديز ان تداعيات الازمة الحالية على الوضع الاجتماعي ستكون هامة خاصة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي الذي يهدد الحفاظ على مواطن الشغل اضافة الى ارتفاع نسبة البطالة وهو ما ينذر حسب تاكيد الخبير وليد بن صالح بتنامي مخاطر التحركات الاجتماعية وما يزيد في تأخير انجاز الاصلاحات الكبرى. وقد تساءلت وكالة موديز في هذا الاطار حول مدى قدرة الادارة على الاستمرارية في حالة وجود اضطرابات اجتماعية خاصة في ظل غياب تغييرات هامة على مستوى الحوكمة وأداء مؤسسات الدولة وطريقة التصرف فيها من ناحية وكذلك انخفاض نسق اتخاذ القرارات السياسية المناسبة والعلاقة المشدودة مع الاطراف الاجتماعية من ناحية أخرى.

تتمثل العوامل الرئيسية التي يمكن أن تؤدي الى انخفاض الترقيم السيادي لتونس حسب رايه، وهو ما سيكون له انعكاسات سلبية هامة على الحصول على تمويلات الاضافية الضرورية وعلى تحديد شروطها وكلفتها المالية التي ستكون في هذه الحالة مشطة للغاية، في مزيد تدهور وضعية المالية العمومية وعجز ميزانية الدولة وارتفاع نسبة المديونية وانخفاض

مخزون العملة الصعبة وغياب تغيير هام على مستوى الحوكمة واداء مؤسسات الدولة و انخرام الوضع الاقتصادي و الاجتماعي بصفة عامة.

وحول مستقبل الترقيم السيادي لتونس من طرف وكالة موديز قال الخبير ان الوكالة ستقوم خلال الثلاثة اشهر المقبلة بالتثبت من مدى قدرة السلطات على ادارة الازمة والحد من تراجع الصلابة المالية للدولة في ظل تنامي المخاطر الكمية جراء التغيرات الظرفية والتي تجعلها اكثر عرضة للصعوبات على عدة مستويات متسائلا في هذه النقطة عن امكانية قدرة ومدى استعداد الدولة لمجابهة هذه الوضعيات القادمة وضرورة الاتجاه راسا الى الاصلاحات الهيكلية الضرورية في كافة المجالات و خاصة منها القطاع العام، بطريقة مدروسة و ناجعة في إطار رؤية استشرافية واضحة و معلنة مما يتطلب شجاعة وإصرارا كبيرين و الابتعاد عن الحسابات السياسوية الضيقة أو الرضوخ لرغبات البعض لان الوضع اصعب بكثير مما يتوقعه الجميع ويستوجب قرارات جدية حاسمة تقطع كليا مع السياسات السابقة مع السرعة و الحزم في التنفيذ.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115