مبادئ المسؤوليّة المجتمعيّة للمؤسّسات والمنظّمات حسب المواصفة القياسيّة «إيزو 26000»

كريم بن حميدة
محام مختص في قانون الأعمال
يحظى موضوع المسؤوليّة المجتمعيّة بإهتمام متزايد عبر العالم، أمام حاجة المؤسّسات

إلى إعتماد سلوك يقوم على إدراج متطلّبات التنمية المستدامة ضمن أنشطتها، وفي علاقاتها بمختلف الأطراف والجهات المرتبطة بها أو المتعاملة معها داخليّة كانت أو خارجيّة.

ويمكن تعريف المسؤوليّة المجتمعيّة بكونها مسؤوليّة المؤسّسة أو المنظمة فيما يتعلق بتأثيرات قراراتها وأنشطتها على المجتمع والبيئة، وذلك من خلال إتّباع سلوك أخلاقي يساهم في التنمية المستدامة ويأخذ توقّعات وإنتظارات كلّ الأطراف التي من شأنها أن تتأثّر بنشاط المؤسّسة بعين الإعتبار. وتشمل الأطراف المذكورة التي يعبّر عنها بـ «أصحاب المصلحة»، مختلف الأفراد والمجموعات سواء داخل المؤسسة على غرار الموظفين و العملة أو خارجها مثل المزوّدين والحرفاء والأجوار...

ويرتبط مفهوم المسؤوليّة المجتمعيّة للمؤسّسات إرتباطا وثيقا بمفهوم التّنمية المستدامة الذي ظهر لأوّل مرّة سنة 1987 صلب التقرير الصادر عن اللجنة العالمية للبيئة والتنمية، التابعة للأمم المتحدة، تحت عنوان «مستقبلنا المشترك» والمعروف أيضا بـ «تقرير برونتلاند»، نسبة إلى رئيسة اللجنة المذكورة، غرو هارلام برونتلاد، والتي كانت تشغل آنذاك منصب رئيسة وزراء النرويج.

وقد عرّف تقرير برونتلاند التّنمية المستدامة بكونها «التّنمية التي تفي بإحتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المستقبليّة على تحقيق إحتياجاتها». وهي تقوم من النّاحية العمليّة، على تحقيق التّوازن بين العدالة الإجتماعيّة والنمو الإقتصادي و حماية البيئة. أمّا المسؤوليّة المجتمعيّة، فهي تتمثّل بالأساس في أخذ المؤسّسة أو المنظّمة متطلّبات التّنمية المستدامة بعين الإعتبار في إطار نشاطها.

ومع تزايد الوعي بأهميّة المسؤوليّة المجتمعيّة، أصدرت المنظمة الدّوليّة للتقييس «الأيزو» سنة 2010، مواصفة الأيزو 26000 حول المسؤوليّة المجتمعيّة للمؤسّسات و المنظّمات، وهي عبارة عن دليل إرشادي يتضمّن خطوطا توجيهيّة عامّة وإختياريّة ترمي إلى مساعدة المؤسّسات و المنظمات على إختلاف أحجامها وأنواعها وميادين أنشطتها على إعتماد مبادئ المسؤوليّة المجتمعيّة.

وإسهاما منّا في التعريف بالمسؤوليّة المجتمعيّة للمؤسّسات نتولّى فيما يلي تقديم المبادئ التي يقوم عليها هذا المفهوم طبقا للمواصفة القياسيّة إيزو 26000.
بالرجوع إلى مواصفة إيزو 26000، نجد أنّ هذه الأخيرة أقرّت المبادئ التّالية للمسؤوليّة المجتمعيّة:

القابليّة للمساءلة:
يقصد من هذا المبدأ أن تكون المؤسّسة مستجيبة للمساءلة عن تأثيراتها على المجتمع والبيئة. وتبعا لذلك، ينبغي على المؤسّسة أن تقبل وتوافق على الفحص والتدقيق الملائمين في هذا المجال وأن توافق أيضا على التجاوب معهما.

الشفافيّة:
ينبغي على المؤسّسة طبقا لهذا المبدأ أن تتحلّى بالشفافيّة فيما يتعلّق بقراراتها و أنشطتها التي تؤثّر على المجتمع والبيئة. فيتعيّن على المؤسّسة تبعا لذلك أن تفصح على نحو واضح ودقيق وبدرجة معقولة ووافية عن سياساتها وقراراتها وأنشطتها بما في ذلك التأثيرات المعروفة والمحتملة على البيئة والمجتمع. ويجب أن تكون هذه المعلومات متاحة ومفهومة ويمكن الوصول إليها مباشرة من قبل الأشخاص المتأثرين أو المحتمل تأثرهم بنشاط المؤسّسة.
ونذكر على سبيل المثال أنّه ينبغي على المؤسّسة أن تتحلّى بالشفافيّة فيما يتعلّق بهدف وطبيعة ومكان ممارسة أنشطتها و مصدر مواردها الماليّة والتأثيرات المعروفة أو المحتملة لقراراتها وأنشطتها على الأطراف المعنيّة والمجتمع والبيئة.

السّلوك الأخلاقي:
يقصد من هذا المبدأ أن تتصرّف المؤسّسة بشكل أخلاقي في جميع الأوقات. و بذلك ينبغي على المؤسّسة أن تعمل بشكل فعّال على تعزيز السلوك الأخلاقي على غرار وضع وتحديد قيمها ومبادئها الجوهريّة وتشجيع الإلتزام بمعايير السلوك الأخلاقي الخاص بها ومنع حدوث أي تضارب في المصالح، بالإضافة إلى إنشاء آليّات رقابيّة لتقييم تطبيق السلوك الأخلاقي.

إحترام مصالح الأطراف المعنيّة:
لئن كانت أهداف المؤسّسة مقصورة بالأساس على مصالح أعضائها أو مساهميها أو حرفائها فإنّ ذلك لا يعفيها حسب هذا المبدأ من أن تحترم وتضع في إعتبارها مصالح مختلف الأطراف المعنيّة، بما في ذلك الأفراد والمجموعات التي يمكن أن تتأثر بطريقة أو بأخرى بقرارات أو نشاط المؤسّسة، وهو ما يتطلّب منها تحديد مختلف أطرافها المعنيّة والتّواصل معها.

إحترام سيادة القانون:
المعلوم أنّ إحترام القانون واجب وإلزاميّ، غير هذا المبدأ يفرض على المؤسّسة، و بصرف النّظر عن الإلزاميّة، أن تحرص على أن يكون إحترامها للقانون متوفرا بشكل كاف و مستمرّ، كأن تتأكد من أن علاقاتها وأنشطتها مندرجة ضمن الإطار القانوني الصحيح وأن تحرص على توفير اليقظة القانونيّة وتراجع مدى إذعانها للقوانين بشكل دورّي بقطع النظر عن مدى فعاليّة القوانين في بعض الدول ونخصّ بالذكر الدّول النّامية.

إحترام المعايير الدوليّة للسلوك:
يقصد من هذا المبدأ أنه يتعيّن على المؤسّسة أن تحترم المعايير الدوليّة للسلوك خصوصا في الحالات التي لا يتوفر فيها الحدّ الأدنى من حماية المجتمع والبيئة. ففي بعض البلدان خصوصا بلدان العالم الثالث، يمكن أن يكون القانون الوطني متعارضا مع المعايير الدوليّة للسلوك كأن لا تضمن القوانين الوطنية حماية كافية للعمّال أو للمحيط. لكن و بناء على هذا المبدأ تتولّى المؤسّسة المسؤولة مجتمعيّا تبنّي سلوكا مجتمعيّا مسؤولا طبقا للمعايير الدّوليّة وبصرف النّظر عن الثغرات القانونيّة أو المؤسّساتيّة التي قد توجد في بعض الدّول.

إحترام حقوق الإنسان:
ينبغي على المؤسّسة طبقا لهذا المبدأ أن تحترم حقوق الإنسان خصوصا في البلدان التي لا تحمي تلك الحقوق و أن تعمل على الإبتعاد عن الإستفادة من هذه المواقف خصوصا إذا كان القانون الوطني في بلاد ما لا يوفّر حماية كاملة لحقوق الإنسان.

خاتمة:
لم يعد تقييم نجاح المؤسّسة مقتصرا على مدى ربحيّتها ومركزها المالي بقدر ما أصبح يعتمد على مدى تمكّنها من تحقيق التّوازن بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة، أي العدالة الإجتماعيّة والنمو الإقتصادي وحماية البيئة، كلّ ذلك من خلال إعتماد مبادئ المسؤوليّة المجتمعيّة في مختلف الأوجه المتعلّقة بأنشطتها وعلاقاتها بمختلف الأطراف التي يمكن أن تتأثّر من تلكم الأنشطة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115