بعد التعويم الاضطراري للجنيه في مصر: المغرب تنطلق طوعيا في تعويم الدرهم تدريجيا.. ومخاوف من التعويم القسري للدينار في تونس

تمكنت السلطات المغربية أخيرا من اتخاذ خطوة تعويم الدرهم المغربي ,بعد ما تم تأجيل هذه الخطوة لأكثر من مرة ,تأجيل جاء بهدف امتصاص

مخاوف الأوساط الاقتصادية والشارع المغربي,حيث عملت السلطات المغربية باستمرار و لأكثر من سنة على تقديم تطمينات حول مسالة التعويم واعتباره اختيارا لا اضطرارا يهدف إلى انفتاح السوق وجلب استثمارات أجنبية ضخمة خاصة إذا كان تدريجيا ,خطوة من شأنها علاج التشوهات في منظومة أسعار الصرف، واستعادة تداول النقد الأجنبي داخل الجهاز المصرفي بصورة منتظمة ومستدامة تخضع آليات العرض والطلب.

بدأ الحديث عن اتخاذ خطوة تعويم الدرهم منذ أواخر 2016 , وذلك بإعلان البنك المركزي المغربي أن المراحل الأولى من الانتقال التدريجي من مرحلة القيود المفروضة على العملة إلى سعر صرف مرن ستنفذ في النصف الثاني من 2017 بالتزامن مع إجراء إصلاحات أخرى، الخطوة قابلتها مخاوف من إعادة السيناريو المصري خاصة بعد ما عرفت أسعار المنتجات في مصر ارتفاعا كبيرا تعمق بتراجع قيمة الجنيه المصري إلى 3 مرات تجاه الدولار تقريبا بعد إجراء التعويم, وفي فيفري من العام الماضي، نظم بنك المغرب المركزي ورشات عمل مع الصحافة للإعلان عن إصلاح نظام الصرف، ولطمأنة المواطنين بأن المسار الذي ينوي من خلاله تحرير سعر صرف الدرهم «لن يكون مثلما حدث في مصر. وأعلنت الحكومة المغربية آنذاك أن تعويم الدرهم مشروع هيكلي سيسمح للسوق المغربية بالمنافسة، مشيرا إلى أن تأجيل القرار كان يهدف إلى توفير الشروط اللازمة لاحتواء التداعيات السلبية المحتملة على التوازنات المالية.

وفي منتصف العام المنقضي, قال البنك المركزي المغربي في بيان له أن الظروف مواتية نسبياً لتعويم الدرهم أوتحرير سوق الصرف محذرا من أن التنفيذ لا يخلو من المخاطر، مشيرا إلى أن نجاح التعويم يشترط ثلاثة أسس من بينها الانضباط المالي والتوفر على مستوى كاف من احتياطيات الصرف واستمرار تعبئة جميع الأطراف المعنية، لكن الخطوة تأجلت من طرف حكومة الرباط بعد جدل واسع أثارته في الأوساط المالية والاقتصادية وحتى السياسية في الحكومة المغربية , وتوقع حينها الخبراء الماليون والاقتصاديون في المغرب الانطلاق في نظام الصرف الجديد بداية من سنة 2018.

الدرهم المغربي يخوض رحلة التعويم
ولقد أصابت توقعات الخبراء ليعلن البنك المركزي المغربي الأسبوع المنقضي عن دخول قرار تعويم الدرهم في المغرب حيز التنفيذ منتصف هذا الشهر بشكل رسمي بعد مصادقة الحكومة على الخطوة قبل أيام لتبدأ البلاد بذلك رحلة طويلة لتحرير أسعار الصرف بشكل تدريجي من أجل تقوية اقتصاد البلاد.
ووفقا لبيان البنك المركزي ,فقد قررت وزارة الاقتصاد والمالية, بعد التشاور مع بنك المغرب ,اعتماد نظام جديد لسعر الصرف بداية من 15 جانفي 2018 يقوم على تحديد سعر صرف الدرهم داخل نطاق تقلب (+2.5 %) و(-2.5 %) عوضا عن النسبة الحالية وهي بين (+0.3 %) و(-0.3 %) حول سعر الصرف المحوري المحدد من طرف بنك المغرب على

أساس سلة تمثيلية من اليورو والدولار،بنسبة 60 % و40 % على التوالي لكن بهامش مرونة أكبر بكثير و سيواصل البنك المركزي تدخلاته لضمان سيولة سوق الصرف.

وأفاد البيان ذاته أن ذلك «يستهدف تقوية مناعة الاقتصاد الوطني إزاء الصدمات الخارجية ودعم تنافسيته وتحسين مستوى نموه، كما سيمكن من مواكبة التحولات الهيكلية التي عرفها الاقتصاد المغربي طيلة السنوات الأخيرة، خاصة على مستوى التنويع والانفتاح والاندماج في الاقتصاد العالمي».
وأضاف البيان «في إطار هذا النظام الجديد سيواصل بنك المغرب التدخل لضمان سيولة سوق الصرف». ويحل النظام العائم الجديد محل سعر الصرف الثابت الساري في المملكة، وتفضل الحكومة المغربية أن تسمي هذا الإصلاح مرونة في سعر الصرف.
خطوة إدخال نظام صرف جديد للدرهم المغربي خطوة رحب بها صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير وقال إن «إدخال مزيد من المرونة مؤخرا على أسعار الصرف سيسمح بتعزيز موقع المغرب في الخارج ويحسن قدرة الاقتصاد على استيعاب الصدمات الخارجية والحفاظ على قدرته التنافسية», ويذهب خبراء اقتصاد من الغرب إلى اعتبار «تعويم الدرهم» خطوة بتوصية من صندوق النقد الدولي، إذ من المرتقب أن يخضع لتقييم مرحلي من قبل البنك المركزي، قبل تحرير سعر الصرف بشكل كامل بعد حوالي 15 سنة.

وقال الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان في تصريح «للمغرب» أن لجوء المملكة إلى اتخاذ خطوة التعويم يعتبر اختياريا و لاعلاقة لصندوق النقد الدولي بهذه الخطوة على عكس التجربة المصرية وبين المتحدث أن أهم الفوارق في « نظام الصرف» في مصر والمغرب، أن الإصلاح في المغرب جاء طوعيا وتدريجيا ومنظما، في حين كان في مصر قسريا وغير منظم في إشارة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية من جهة( ضعف الاحتياطي من العملة الصعبة وارتفاع التضخم وضعف نسبة النمو) وبرنامج اتفاق مصر مع صندوق النقد جعلا مصر في موقف المضطر لتعويم الجنيه.

التعويم في المغرب يمهد لإرساء منطقة إقليمية مالية حرة
وأضاف المصدر ذاته أن الاتجاه التعويم في المغرب يمهد لإرساء منطقة إقليمية مالية حرة في المنطقة, الأمر الذي يستدعي تحرير العملة وتطبيق مبدأ حرية الصرف وستمكن هذه الخطوة من خلق ساحة مالية تدفع الاقتصاد المغربي إلى تحقيق نسب نمو عالية وأشار سعيدان إلى أن تونس كانت تعد المنافس الأكبر والأوفر حظا لإقامة ساحة مالية إقليمية جهوية أمام المملكة المغربية ولكن أمام تدهور المؤشرات الاقتصادية في تونس أزيحت من ساحة المنافسة مما سيجعل السوق المغربية أكبر منافسة لتونس في الوقت الذي تسعى فيه تونس لدفع اقتصادها عبر جذب المستثمرين.

واعتبر سعيدان أن اتخاذ خطوة التعويم في المغرب قد يقود الاقتصاد في المملكة نحو مزيد التحسن, لكن مخاطر الخطوة ماتزال قائمة خاصة إذا انخفض سعر الدرهم بشكل كبير, فإن ذلك سيؤدي إلى غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وهوما يبرر مخاوف الطبقات المتوسطة والضعيفة على حد تعبيره.
في ما يتعلق بتونس , وحول اعتماد تونس لخطوة تحرير الدينار, فقد استبعد سعيدان أن تتخذ تونس خطوة التعويم اختياريا معتبرا إياه خيارا أصبح بعيدا ويأمل المتحدث أن لا يتم الاضطرار إلى لجوء تونس لاتخاذ خطوة تعويم الدينار قسريا,مشترطا أن يتم الانطلاق في إجراء إصلاحات جذرية في أسرع وقت ممكن .

الدول العربية الثلاثة التي أوصاها صندوق النقد الدولي بالتحرك نحو مزيد من المرونة في أسعار الصرف هي تونس ومصر و المغرب وعلى اختلاف واقع الاقتصاد في كل بلد ,فقد انتهى الأمر بمصر إلى اللجوء إلى تعويم قسري أدى إلى تدهور قيمة الجنيه بشكل كبير والتحقت المغرب مؤخرا لكن بقرار يصفه البنك المركزي بالطوعي عبر إجراء تعويم تدريجي للدرهم.. فيما تبقى مخاوف تطبيق اللجوء القسري إلى التعويم جائزة في ظل تواصل تراجع قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية .

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115