في ظل منوال تنمية لم تتضح رؤيته: قرض وراء قرض .. دين لخلاص دين .. فكيف ستخرج البلاد من عنق الزجاجة؟

تواجه تونس خلال هذه الفترة مرحلة انتقالية صعبة على المستوى الاقتصادي بعد ان حققت نوعا من التوازن السياسي في مرحلة انتقالية سابقة قال ملاحظون انها لن تكون ناجحة ما لم تكتمل بقية مقاييسها والتي ترتكز اساسا على انتقال اقتصادي سليم. وهذه المرحلة الانتقالية

بطبيعتها صعبة على العديد من الاتجاهات خاصة اذا تزامنت مع مرحلة حرب على الارهاب ساهمت في اضعاف وضرب بعض حلقات الاقتصاد التونسي الذي وجد نفسه يتخبط بين شركي التداين و مجابهة احتياجات الفترة القادمة وقد اعلنت وزارة المالية في مناسبات سابقة أن تونس بحاجة إلى تمويل بنحو 6 مليار دينار نصفه تمويلات خارجية.

بالاضافة الى تعطل آلة الإنتاج خاصة في قطاعات الفسفاط والنفط وتعثر انجاز المشاريع الكبرى خاصة الطريق السيارة التي تربط تونس العاصمة بالجهات الداخلية يعاني الإقتصاد التونسي من مشاكل هيكليّة ازدادت تعقيدا خاصة مع غياب الرؤية الواضحة لمعالجتها على المدى القريب والبعيد والخروج من المؤشرات السالبة كل هذه الصعوبات تطرح العديد من التساؤلات.. فهل من الممكن ان تحل معضلة نسبة النمو التي تهاوت لتصل إلى 0.8 % فقط في 2015 ونسبة بطالة لحاملي الشهائد العليا التي بلغت 32 % ونسبة التضخم ونسبة العجز في الميزانية التي تقدر بـ4.4 % بتداين جديد وقروض فاقت نسبتها 53 %؟؟

قرض وراء قرض ودين يتفاقم والرؤية منعدمة فهل ستخرج البلاد من عنق الزجاجة في ظل منوال تنمية لم تتضح رؤيته بعد ومجلة استثمار لم تخرج الى النور؟؟

أبواب الاقتراض
في سبيل ايجاد حل لعجز الميزانية ومجابهة احتياجات الدولة للفترة القادمة فتحت الحكومات المتعاقبة كل ابواب الاقتراض بشقيه الداخلي والخارجي وباتت كل السبل متاحة بالنسبة لها ما أدى إلى ارتفاع الديون الخارجية لاكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي للبلاد واتسعت الفجوة على اعتبار ان اغلب الديون التي اقترضتها هذه الحكومات لم تكن موجهة الى الاستثمار بل كانت موجهة الى الاستهلاك وخلاص دين بدين وسداد الاجور ولعل هذه الهوة المتسعة زاد عمقها مع غياب رؤية واضحة ومخطط حكيم يبرز توجهات البلاد المستقبلية وهي عنصر من عناصر الحوكمة الرشيدة التي اكد خبراء غيابها حاليا على حكومة الصيد التي تحملت ارثا ثقيلا زاد في اعبائها التي عرفت منحى تصاعديا خاصة مع الهجمات الارهاب المتتالية.

يتخوف الاحزاب والمراقبون خاصة من خطورة التنازلات التي قد تقدمها الحكومة لقاء الحصول على التمويلات الخارجية وخاصة العنصر المتعلق بمراجعة سياسة الدعم الذي كان من بين اهم وابرز شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ضمن ضبط إجراءات تتعلق بإصلاحات اجتماعية قد تعطي نتيجة عكسية في مجتمع ضاق ذرعا بالضغط الاقتصادي والاجتماعي المتواتر، وهذه الاصلاحات التي اقترحها صندوق النقد الدولي تلخصت في تقرير اصدره سنة 2012 قال فيه ان اغلب المواد المدعمة لا تذهب الى مستحقيها وان هذا الدعم خاصة في مجال المواد الغذائية والطاقة لا يوزع بطريقة عادلة بين الشعب الذي يعيش في جزء كبير منه حالة من التوازن المفقود التي تجعله لا يتمتع بالدعم كما يجب ان يكون.

صندوق النقد مرة اخرى
تقدر موارد الاقتراض وفق مشروع الميزانية لسنة 2016 ب 6.594 مليار دينار اي ما يمثل 22.5 بالمائة من جملة الموارد المخصصة لميزانية 2016 وتتوزع حسب وثيقة الميزانية الرسمية الى اقتراض خارجي بنحو 4.594 مليار دينار باعتبار القروض الخارجية المحالة من صكوك اسلامية بـ 1 مليار دينار وقروض دعم الميزانية بـ 1.379 مليار دينار والقروض الخارجية الموظفة مباشرة لتمويل مشاريع الدولة بـ 517 مليون دينار ومشاريع المؤسسات العمومية ب 100 مليون دينار واللجوء الى السوق العالمية لتعبئة المبلغ المتبقي بـ 1.598 مليار دينار بالإضافة الى اقتراض داخلي بقيمة 2 مليار دينار اساسا بواسطة مختلف رقاع الخزينة.

كما تقدر الموارد الذاتية لميزانية الدولة لسنة 2016 بـ 22.652 مليار دينار منها 20.600 مليار دينار مداخيل جبائية وبـ 2.238 مليار دينار مداخيل غير جبائية وأمام ضغط الاحتياجات المالية وسداد عجز الميزانية وجدت الدولة نفسها مرة اخرى تعود للخروج على السوق المالية العالمية خلال أسابيع قليلة لإصدار ما بين 750 مليون يورو ومليار يورو بالاضافة الى الاقتراض من جديد من صندوق النقد الدولي الذي وافق على منح تونس قرضا جديدا بقيمة 2.8 مليار دولار مقابل مواصلة الإصلاحات المتفق عليها.
هذا القرض الجديد هو ثاني تمويل من صندوق النقد الدولي خلال اقل من ثلاث سنوات بعد قرض جوان 2013 الذي يقدر 1,7 مليار دولار بسعر فائدة بحوالي 1.07 %، مقابل إصلاحات هيكلية تشمل عديد المجالات وخاصة السياسات الاقتصادية والمالية والقطاع المالي والبنكي.

السؤال المطروح هنا أي ضمانات ستلتزم بها حكومة الصيد وأي انعكاسات لتفاقم معدل الدين وارتفاع خدماته على المواطن الذي ارهقته الازمات الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل ان هذه القروض في حد ذاتها حل للخروج من الازمة ام هي مجرد دين لخلاص دين؟ .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115