منبــر: دفاعا عن الشاهد وحکومته

حسين الجزیری
عضو بمجلس
نواب الشعب

اعترف لكم، منذ البدایه أنني من المدافعین عن الشاهد و حكومته و اعفیكم من عناء البحث عن المخاتله السياسية!
اولی نجاحات حكومه یوسف الشاهد هي تركیبتها اذ مثل الفریق الحكومي قفزة نوعیة فی العمل الائتلافي مقلصا المنحی الأيديولوجي الذي لا یزال جاثما علی الفعل السیاسي العربي. و مغلبا بذلك البعد الوطني المتناسق مع دستور تونس الجدیدة. اقوى مشاهد هذا الائتلاف هو ثنائي: النهضة-مسار.
اضافة إلی الجمهوري وبعض المستقلين، بل كاد یدخل هذه الحكومة السید منجي الرحوي. وقد تحصل الفریق الحكومي علی تزكية برلمانية مريحة وصوت لها كذلك مشروع تونس و مستقلون وان كانوا غیر ممثلین فيها!
منذ الثورة، تعاقبت الحكومات حثیثا، كان الخلاف دیدن جمیعها بین مااصطلح علیه بالرئاسات الثلاث حتی فی عهد الترویكا كان الخلاف شدیدا بین القصبه و قرطاج رغم «تغول» النهضة في البرلمان آنذاك، اما مع یوسف الشاهد، الذى یمتلك كل الصلاحیات القانونية (الدستور) والسياسية (حكومة وحدة وطنية) و المالية (تصرف شبه كلي في الميزانية العامة) إلا انه آثر سياسة التنسيق والتشاور خاصة مع رئيس الدولة السيد الباجي قائد السبسی وقد كلف ذلك كثيرا الشاهد. لیعتبره البعض،فی البداية، مجرد رئيس وزراء لا رئيس حكومة. و منذ تعیینه قالوا عنه أنه عاد بتونس إلی حكم العائلة وبحثوا له عن كل الجینات الوراثية! كان الشاهد دوما ولا یزال یتشاور مع الرئيس الباجي لاعتبارات كثيرة، فالعلاقة بین الرجلین تتجاوز حدود القصبة وقرطاج، لتتعداها الی مسائل أخری.

وما الانسجام التام فى ملف العلاقات الخارجية الا خير دلیل علی ذلك حتى وإن كان وزیر الخارجيه تابعا بالتمام والكمال لقرطاج وبالكاد نلحظ حضوره في رئاسة الحكومة.

یحاول الشاهد الیوم إدارة هذا الملف الصعب أي العلاقه بین سلطة القصبة وسلطة قرطاج وهي عینها مسألة الصراع بین انصار النظام الرئاسي وأنصار النظام البرلماني. الرئيس الحالي السيد الباجي قائد السبسی أمیل الی النظام الرئاسي وحزبه كذلك، أما الشاهد الآتي من أعماق ذلك الحزب فإنه یمثل الجیل الجدید الذي لا یؤمن كثیرا بالفرد الفذ والزعیم الأكبر! فهذا الزمن السیاسي العربي یشهد سقوط ما تبقی من عقلیة الزعیم الخطیب لیحل محلها مشروع سیاسات الحوكمة والاصلاح الرقمي.

إن التجارب الدیمقراطیة الحدیثة لا تفاضل بین النظامین البرلماني والرئاسي لذا فإننا نزعم أن هذا الجدل هو بمثابة شجرة توت تخفي مسألة التداول علی صعيدي الحزب والسلطة، وهي لعمري القضیه الأم والمعركه السياسية الكبرى، إنه صراع مفتوح ببن القدیم والجدید. في الحزب (نداء، نهضة...) وفی الحكم (الحكومة، الرئاسة...) سیتبین لنا في السنوات القریبة مدی القدرة علی إدارة الحكم الدیمقراطي والقبول بسنّة التداول وتسلیم المشعل إلى جیل الجمهوریین الإصلاحيين. هذا الجیل مبثوث في النداء وفي النهضة وآفاق والجبهة والمستقلين وغیرهم من الاطراف القديمة والجديدة الراغبة في الفعل السياسي.

استطاعت حكومة یوسف الشاهد حسن إدارة ملف القضاء و ما ادراك ما القضاء! اذ الكل یهاب القضاء ولكن الكل یرید التدخل فيه. ان إرساء المجلس الأعلى للقضاء لیس بالامر الهین، فنص القانون التشريعي بلغ حده ولم یقدر اهل المرفق علی التوافق ولم یتداعوا الی الجلوس الا بعد مبادرة تشريعية جديدة قدمها، بكل اقتدار،وزیر العدل السید غازي الجریبی الذي اثبت كفاءة عالية و حكمة رجل دولة منذ إشرافه على وزارة العدل.اذ رغم شدة الخلافات هناك تنسیق حثیث بین الوزیر ورئیس الحكومة وكذلك مع مختلف الاطراف أدی الی انتصاب هذه المؤسسه الكبری ولتدخل تونس التاریخ من جدید من الباب الكبیر فبعد برلمان منتخب ورئیس منتخب وحكومة جاءت بها أغلبية منتخبة وبعد إن توغل الإعلام أشواطا فی الاستقلالية، فها نحن نبني بكل استقلالية و شفافية القضاء في انتظار المحكمة الدستورية التي بات استكمال تركیبتها قریبا وپذلك فان الجمهورية الثانية قد بانت جل معالمها.

تمیز أداء حكومة الشاهد بالنجاح في الملف الإجتماعي، لاسیما تفاوضا. لم تعرف تونس استقرارا مثلما عرفته فی عهد هذه الحكومة التي كرست تفاهما كبیرا بینها وبین النقابات والاعراف حتى تكاد البلاد تخلو من الاضرابات التی ارهقت الجمیع. طلب الشاهد من الاتحاد تجمید الاجور قبل عرض الميزانية الاخیرة ولئن توفق الی ذلك جزئیا، إلا

أن اغلب مكونات حكومة الوحدة الوطنية هابت الاتحاد وطلبت من الشاهد العدول عن ذلك بل أن تلك الاطراف لم تساند روح الاصلاح فی الميزانية وانحازت، الی اكراهات المطلبیة القطاعیة و الجهوية، فبقي الشاهد المدافع الوحيد عن میزانیته التي أصبحت شذرا مذرا وتفرق دمها بین القبائل، وفي كل مرة نسمع نفس الدعاوی: الشاهد لم یستشرنا! بل أن الشاهد شدید الارتباط بمختلف الاحزاب الحاكمة وما علی هذه الأخيرة إلا أن تنسق مع ممثلیها في الحكومة و وزرائها ناهیك عما نلحظه من لقاءات متعددة مع رؤساء الاحزاب فی الحكم وحتی فی المعارضه اضافة الی التنسیق الدائم والحثیث في البرلمان بإشراف الوزیر المكلف بالعلاقة بمجلس نواب الشعب، السيد إیاد الدهماني الذي لایترك شاردة و لا واردة إلا وادار حولها التشاور العمیق مع الأغلبية أولا والمعارضة ثانيا.

مرت هذه الحكومة ولاتزال بامتحانات فی قضیة التنمیة وخاصة تنمیة الجهات التي تعاني منذ الاستقلال، التهمیش والفقر، فلقد استبق الشاهد الاحداث وزار عدید الولایات منذ تكلیفه وابان عن شجاعة فی مواجهة المشاكل وسلاسة فی الاتصال والاقتراب من الشعب اضافة إلى أنه شاب قادر علی مخاطبة الشریحة التي تعاني البطالة وهي أهم مشكلة في البلاد.

ولقد تفاقمت الامور ومل الناس الانتظار الی أن جاءت أزمة تطاوين لتعكس صعوبة حكم تونس مابعد الثورة، وبعد دورتین انتخابیتین!! لم يٌخف الشاهد رأسه في التراب ولم یركن الی الحلول الامنیه بل سارع الی تكلیف فریق لادارة الازمة ومنذ الاسبوع الاول قام بزیارة تطاوین محاورا المعتصمین رغم مالقیه من صعوبات الی ان استطاع مع الوزیر عماد الحمامي التوفق الی حل ارضی الجمیع وازداد هذا الحل جدية وقوة بدخول الاتحاد العام التونسي للشغل علی الخط. لم تكن ادارة أزمة اعتصام تطاوین سهلة فلقد كلفت الوطن خسائر وخاصة فقداننا لانور السكرافی ناهیك عن الخسائر المادیة الأخرى!

كلف الشاهد الوزیر عماد الحمامى، ملف تطاوین وهو وزیر التشغیل والازمة فی تطاوین كانت ازمه شباب عاطل عن العمل وهو كذلك وزیر نهضاوي وفي تطاوین حققت النهضة أعلی نسب نجاحها في انتخابات 2011 و 2014 وبذلك وجدت النهضة نفسها في محنه مضاعفه شعبیا وفي الحكم ویالها من محنة طاب للبعض خلالها ان یترك النهضة في مواجهة خزانها الانتخابي ! كان الخوف من تنازل الدوله وتلبیة المطالب منذرا بعدوی التحركات الی جهات اخری و هو ما حصل بالفعل وكان معارضون یدفعون الی ذلك وآخرون «نصحوه» بعدم التنازل، ظنا منهم ان العدوی تضعف الدولة و الحكومة ! الا ان الأمر صار غیر ذلك فالشاهد وحكومته مكلفان بالاساس برفع التحدي التنموي والاستثماري، فلم لا یواجها مصیرهما الحقیقي وهو حل مشاكل التنمیة والتشغیل. وهو مابدأت نتائجه الایجابیة تبرز، فالبطاله نزلت الی 15 % تقریبا وارتفع النمو الی أكثر من 2 بعد أن راوح الصفر ، كما أن عملا دؤوبا وذكیا باشراف وزیر التنمية والاستثمار السید فاضل عبد الكافي خاصة بعد مؤتمر 20-20 وكذلك التنسیق مع الوزیر المستشار السید توفیق الراجحي الذي أصبح یمثل العقل المدبر لحلحله العلاقة مع صندوق النقد الدولي وفق رؤية اقتصادية لاتخلو من روح الاصلاح والنظرة الإستراتيجية !

إن الدولة التونسیة تحولت مع حكومة الشاهد من حالة دفاعية بین فكي الإرهاب والتهریب الی حالة هجومیة بتفكیك الإرهاب والتهریب والدخول في سیاسة مقاومة الفساد ومواجهته. وهو أمر لیس بالهین لم تقدر علیه كل حكومات ما بعد الثورة !
فلا غرابه ان یصعد نجم الشاهد، لا لاجل عینیه ولكن لان الدوله بدات تسترجع مكانتها،امنیا اولا وتنمویا ثانیا .

الغریب في الأمر أن أطرافا سياسية تطالب بالتغییر الحكومي الواسع وبمزید المواقع الوزارية.

إنني في النهضة أدعو الی الحفاظ علی فریقنا الحكومي وعدم ارباكه بالتفاوض والتغييرات الوزارية المملة وغیر المفیدة، لقد أتت النهضة بوجوه شابة وجدیدة كوزیر التكنولوجیا أنور معروفي وكاتبة الدولة للتشغیل سیدة الاونیسي، ومهما اختلفنا مع عماد الحمامي لكن یسعنا ان نقول عنه بانه الوزیر الاكثر تمثلا للدوله واكراهاتها في هذه الحكومة.

أنا هنا أعبر عن رأيي الخاص ومجرد ناصح لرفاقي في الحكم اخوتي في نداء تونس.

الآن وقد دخلنا المنعرج الاخیر لهذه الدورة الانتخابية اصبح الحدیث عن الشرعية الانتخابية متأخرا بالمنطق السياسي، سیما وان وثيقة قرطاج مثلت منعرجا ما بعد الانتخابات وأظنها أرقی ما جاء به الرئيس من مبادرات والقاؤها الان عرض الحائط والعود بنا الی المنطق الانتخابي بعد حكومة الوحده الوطنية ضرب من العود علی بدء لا یتساوق والتوافقات السياسية. والانتخابات ليست غاية في حد ذاتها بل الاصلاح هو الغاية.

لا تتحمل تونس هكذا تغییرات سياسية اخری خاصة بعد التغيير العسیر لرئيس الحكومة السابق السید الحبیب الصید وهو في اوج قبوله شعبيا والحال ذاتها، مع السید یوسف الشاهد.

طبعا سیقول لنا دعاة التغيير الحكومي الواسع أن الشاهد لیس معنیا بالتغيير انما بعض من وزرائه ومستشاريه هم المقصودون بالتبدیل، غیر أن الفصل بین رئیس الحكومة وفریقه لا یستقیم في هذا المقام، إذ النجاح هو نجاح فریق، والقاعده السیاسیة تحتم عدم تغییر الفریق الناجح إما أن نوزع النجاح علی الرئیس ونلقي بالفشل علی عاتق مستشاریه ووزرائه المقربین فهذا أمر لا یصدقه أحد، فهؤلاء المقربون اختیارهم كفریق للحكم أدی الی ما تحقق من نجاح ویصبح التخلي عنهم ظلما لهم بل واضعافا لرئیس الحكومة بدل تقویته.

لا تحتاج تونس في هذه المرحلة الی تحویر وزاري واسع، ویكفي تعدیل جزئي لسد الشغور فی وزارة أو وزارتین أو ما تفرضه المصلحة الوطنية كلما بان وزیر أو.مسؤول في الدولة فاقدا للكفاءة أو النزاهة أنذاك یصبح تغييره ضروریا.

الآن مطلوب شد أزر الحكومه لتثبیت سیاسة مقاومة الفساد و مغالبة التجارة الموازیة والتخفیف من نسب البطالة و إطلاق عجلة التنمیه والاستثمار و بسط نفوذ الدولة و استكمال ما تبقی من هیآت دستورية وتدعیم النجاحات ضد الارهاب و انجاز الانتخابات البلدية وان اعترفنا بأن الديناميكية الانتخابية لم تنطلق بعد.
بعدئذن وعلی ضوء نتائجها یمكننا أن نقوم بتعدیل حكومي واسع.

لم یعد یسع البلاد هذه التغییرات الوزارية العشوائية، فالامن القومي الوطني فوق ترضیات الاحزاب و الافراد.نعم عدم الاستقرار الحكومي مضر بالامن و الاستثمار والاصلاح.
هذه القراءة الإيجابية تعترف بالحكمة السياسية التي تحلت بها جمیع الاطراف، في الحكم وفي المعارضة، أحزابا ومجتمعا مدنیا إعلاما وغیرها من القوی الحیة التي ما فتئت تسبق مصلحة تونس.

فالشاهد هو حلقة من حلقات البناء الوطني و جزء من مسيرة مازالت في بدایاتها، فتأسیس الجمهوریة الثانیة و تثبیت الخیار الدیمقراطي یحتاج الی تكرار الانتخابات مرارا ، كما یقول الاستاذ راشد الغنوشي.ان التوافق التاريخي بین النهضه و النداء أولا ثم حكومة الوحدة الوطنية ثانیا وضعا قطار تونس علی سكة التجربة الديمقراطية الحديثة. و جاء دور الجمهوریین الجدد لإرساء المشروع الإصلاحي لدولة تونس الجدیدة! وهي تجربة راقية ستدخلنا عالم الحداثة والتقدم.

طبعا لن ننكر أن لحكومة الشاهد عثراتها، وإذ نسجل بوادر انبعاث قيادة سیاسیة جديدة إلا أن عودها لم یتقو بعد، وعلیها أن تنجح في إمتحان الحكم، كفاءة و نزاهة، و الوصول بالبلاد الی بر انتخابات 2019.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115