سائق تاكسي !

لا يختلف الآن اثنان أن ما حدث مؤخرا ببلجيكا من عملية إرهابية غادرة و سقوط ضحايا أبرياء و اثأر خطرة على جميع المستويات كان من الممكن أن يكون أكثر فداحة و اشد وطأة من حيث النتائج و الخسائر المادية و البشرية المسجلة. الحصيلة التي نقف علىها اليوم كان من الممكن أن تكون أكثر فضاعة .

شخص واحد ساهم في إبقاء الخسائر في المستوي الذي نعرفه ألان و جنب بالتالي المأساة معرفة حدود لا يمكن تصور مداها و فداحتها. نعم شخص واحد كان موجودا في الوقت المناسب و في اللحظة المثلي ، لم يكن يقصد ذلك ولم يسعى إلى التأثير على الأحداث بل تصرف بكل بساطة – وحكمة أيضا- و اهتدى إلى الحلول المثلي الأمر الذي جعله يجنب الجميع كارثة افضع و مأساة لا نتصور الآن منتهاها..

انه ذلك السائق لسيارة الأجرة التي أقلت الإرهابيين من أمام المقر الذي كانوا متواجدين فيه إلى المطار. كيف تمكن من خلال هذا الدور البسيط أن يؤثر بسلوكه و بفطنته إلى التأثير في مجريات الأحداث؟ بعد وقوع الانفجارات و خلال الساعات الأولي لانطلاق عمليات الأبحاث لم يكن يدر في خلده أن الأشخاص الذين أوصلهم إلى المطار هذا الصباح هم الإرهابيون الذين نفذوا هذه العمليات الإرهابية البشعة. عندما عرضت الشرطة صورهم على العموم داهمه الشك و انتهي إلى الاقتناع أن الاثنين واحد.. كذلك تذكر مسالة صغر سعة السيارة التي كان يقودها والتي أثارت قلق وضجر الإرهابيين الذين كانت لديهم عديد الحقائبالتي لا تكفي السيارة المذكورة لحملها كلها دفعة واحدة. فاضطروا للاستغناء على البعض منها و ترك الباقي بالشقة. لقد أثارت لدي السائق صور الارهايين و هم يدفعون العربة وعليها حقائب السفر شك كبير لأنه تذكر انه في الصباح و بمناسبة نقل هؤلاء الي المطار كان عدد الحقائب أهم و أكثر. شكوك انتهت إلى قناعة فاتصل بالشرطة واخبرهم بكل ذلك.

هذا التصرف من طرف سائق التاكسي مكن الشرطة من الإسراع في الأبحاث و من تجنب سقوط مزيد من الضحايا ، لا يمكن حتى تصور عددهم بالنظر إلى مكان العملية الإرهابية و توقيتها .أولا: مجرد توليه إبلاغ الشرطة بشكوكه بخصوص عدد الحقائب المحمولة إلى المطار دفع بالشرطة لتعميق عمليات البحث و التفتيش مما أدي إلى اكتشاف في المطار حقيبة بداخلها قنبلة لم تنفجر...

ثانيا و لعل ذلك لا يقل أهمية من العنصر الأول و تمثل في تولي السائق إرشاد رجال الأمن لمكان إقامة الإرهابيين و هو ما أمكن من الولوج إلى داخل الشقة و اكتشاف مواد كيمياوية و متفجرات صالحة للاستعمال. هذه الأشياء التي كان من المفروض ان ينقلها في الصباح و هي موضوعة في حقيبة سفر لولا قلة سعة السيارة....

كان هذا ملخص للانعكاسات المسجلة للدور الذي قام به سائق سيارة الأجرة سويعات بعد وقوع انفجارات بروكسال. لنتصور الأمر لو لم يقم بذلك أو لم تكن لديه الفطنة الكافية لربط الأمور ببعضها . هذا الرجل –البطل حقا و الذي لابد للسلط البلجيكية أن تكرمه- أنقذ دون شك أرواحا و أرواحا و جنب الفاجعة معرفة مآل أكثر مأساوية.

استنتاجات كل ذلك عديدة و متعددة لكن يمكن تلخيصها أساسا في اليقظة التي لا بد أن يتحلى بها الجميع حتى يتسنى تحقيق الاستباق المطلوب للكشف و تجنب المحظور من الأعمال ، هذا بالإضافة إلى نوعية الدور الموكول للمجتمع بكل شرائحه و أطيافه دون استثناء بخصوص مجابهة العمليات الإرهابية التي تهددنا جميعا.كلنا محمول على اليقظة و المبادرة إن اقتضى الأمر . ليس ذلك من مهام السلط وحدها و الأمن تحديدا و إنما هو موضوع مشاع بيننا ، لا بد من القيام به و الانتباه إليه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115