د. سليمان منغاني الباحث والأكاديمي المختص في الشؤون الافريقية لـ « المغرب»: قمة نواكشوط تضاف إلى سلسلة من القمم الإفريقيّة التي لا تقدّم حلولا عمليّة وواقعيّة لأزمات القارة

قال الباحث والأكاديمي د. سليمان منغاني من مالي منسق وحدة الدراسات الافريقية

بمركز مسارات للدراسات ان الدول الافريقية تواجه تحدّيات كبيرة تتجلّى في هشاشة الاقتصاديات الوطنيّة، وعدم القدرة على بناء سوق إفريقيّة موحّدة وتفعيل التبادلات والتجارة البينيّة سواء على المستوين الإقليمي أو القاري. مضيفا في حديثه لـ «المغرب» حول القمة الافريقية الاخيرة ومقرراتها ان قمة نواكشوط تضاف إلى سلسلة من القمم الإفريقيّة التي لا تقدّم حلولا عمليّة وواقعيّة لأزمات القارة الاجتماعيّة والاقتصاديّة ..وقال انه بالرغم من وفرة الإمكانيات المادّية الكبيرة، إلا أنّ القارة لا تزال غير مستفيدة منها بسبب غياب التنسيق والإرادة السياسيّة

• قراءتكم لنتائج القمة الإفريقية هل في مستوى تطلعات دول القارة وشعوبها؟
القمة الإفريقيّة الحادية والثلاثون التي استضافتها العاصمة الموريتانية – نواكشوط يومي 01 و02 جوان 2018، لم تأت بجديد على مستوى الملفات الكبرى التي وعدت القمة بمناقشتها وهي تعزيز التضامن في القارة السمراء والوضع في ليبيا ومنطقة الساحل و التجارة الحرة وميزانية الاتحاد الأفريقي والحرب الأهلية في جنوب السودان وقضية الصحراء الغربية التي يرفرف علمها للمرة الأولى في نواكشوط بمناسبة القمة، وتمكين المرأة وقضايا الفساد والهجرة غير المقنّنة إلى أوروبا والتنمية. لكن الملاحظ أنّ القمة- كما كان منتظرا- لم تخلص إلى نتائج عملية بخصوص هذه الملفات الحارقة، ما عدا الدعوة إلى متابعة سياسة الحوار في حلّ النزاعات البينيّة بقيادة الاتّحاد الإفريقي، وتضافر الجهود لمواجهة خطر الإرهاب، ودعم الدول المعنية بصفة مباشرة بهذا الصدد. ممّا يعني أنّ قمة نواكشوط كسابقاتها تضاف إلى سلسلة من القمم الإفريقيّة التي لا تقدّم حلولا عمليّة وواقعيّة لأزمات القارة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، إنّها قمم « النوايا الطيّبة».

• ما هي ابرز التحديات التي تواجه الدول الإفريقية؟
هي تحدّيات سياسيّة تتمثل في بناء ديمقراطية حقيقيّة لا تمليها الأطراف الخارجيّة، بالتناوب السلمي على السلطة، والعمل بجدّ لبناء مجتمع متعلّم واع يمثّل ضمانا لاستمرار مشروع دمقرطة مؤسسات الدّولة، ويرفض الارتهان ولعبة الانتخابات. وهنا يكون دور منظمات المجتمع المدني الإفريقي حاسما وحاضرا بقوّة.
وتحدّيات اقتصاديّة تتجلّى في هشاشة الاقتصاديات الوطنيّة، وعدم القدرة على بناء سوق إفريقيّة موحّدة وتفعيل التبادلات والتجارة البينيّة سواء على المستوين الإقليمي أو القاري؛ إذ رغم وفرة الإمكانيات المادّية الكبيرة، إلا أنّ القارة لا تزال غير مستفيدة منها بسبب غياب التنسيق والإرادة السياسيّة. فالاقتصاد المبني على التكامليّة قد يسهم كثيرا في حلّ بعض المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تواجهها القارة، وفي مقدّمتها هجرات الشباب عبر زوارق الموت.
أما التحدّي الثالث وربّما أخطره اليوم، فهو أمني ، فبالإضافة إلى الهشاشة الأمنية التقليديّة بالقارة، فهناك اليوم تحدّي الإرهاب الدّولي المنظّم بتشعباته وكثرة الفاعلين الإقليميين والدّوليين فيه.هذا التحدّي لا يمكن مواجهته إلا بتضافر الدّول الإفريقيّة أوّلا، واعتمادها على قواها الذاتية ثانيا، لأنّ الحلول الدّوليّة – رغم أهميتها- لم تحقّق النتيجة المنشودة إلى حدّ الآن، بل قد تحوّلت أحيانا إلى عائق أمام إيجاد خطة إفريقيّة واضحة لمواجهة الإرهاب.

• كيف تفسرون الخلافات بين بعض الدول المشاركة؟
خلافات تتأسس أساسا على أزمة الدّولة الحديثة في إفريقيا التي قامت على أنقاض المستعمرات الغربية القديمة للقارة، وكانت سياسات الدولة الغربية المستعمِرة حينها تهدف إلى بلقنة القارة وتقسيمها إلى دويلات متناقضة مع البنية الاجتماعيّة للقارة، لذا؛ فما نشاهده اليوم من صراعات على الحدود بين بعض الدّول الإفريقيّة ليس إلا امتدادا لهذه السياسة الاستعماريّة الفاشلة، كما يمكن تفسير هذه الخلافات أيضا بغياب المَأسسة الحقيقية في القارة واستناد سياساتها العامّة والمصيرية أحيانا إلى ميولات الحكام ونزعاتهم الذّاتية، علاوة على عدم القدرة على بناء تكتلات إقليمية وقاريّة على مواجهة التحدّيات المشتركة، وكم هي كثيرة!؟. ومن المؤسف اليوم أن تعجز القارة الإفريقيّة من معالجة صراعاتها الدّاخليّة والبينيّة بطرق سلميّة، واللجوء الدائم والمتواصل إلى وسائط أجنبية التي تفتقد إلى خبرة ومعرفة عميقة بحقائق القارة، كما أنّها لا تملك سمعة طيّبة لدى الشعوب الإفريقيّة. كلّ ذلك يستدعى إعادة التفكير في تفعيل سياسات الاتّحاد الإفريقي وتطوير إستراتيجيات عمله.

• العلاقة بين الدول العربية والقارة الإفريقية كيف ترونها ؟
العلاقة في عمومها طيّبة، وخاصّة على المستوى الشعبي لوجود علاقات اجتماعيّة وتاريخيّة بينية متجذّرة، لكن على المستوى السياسي الذي يعنينا أكثر، فالأمر يحتاج إلى مزيد من العمل وبناء الرؤى والإستراتيجيات بغية تجذير العلاقات انطلاقا من الأرضية الشعبيّة المتوفّرة، لأنّ التّحديات تغيّرت والحياة بدورها متغيّرة والدول التي لا تجدّد نفسها باستمرار تموت مع الزمن.

• ما هي سبل التصدي للجماعات الجهادية التي شنّت في الأيام الأخيرة هجمات دموية عديدة في مالي؟
السبل كثيرة من أبرزها بناء قوى عسكريّة إقليميّة مشتركة، ليست لها إلى الآن إلا وجود شكلي في منطقة الساحل لأنّها ليست مفعّلة وتحتاج إلى تمويل كبير حتى تتمكّن من الاضطلاع بدوره على طريقة مثلى، كما أنّ هناك حاجة إلى بناء جيش مالي جمهوري معاصر له كفاءة ميدانيّة وخاصّة مخابراتيّة، دون نفي كليّ دور القوى الإقليمية والدّوليّ.

• كيف يمكن مواجهة التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا وكيف تفسرون تنامي علاقاتها في السنوات الأخيرة ؟
لمواجهة هذا التوغّل يجب أولا العمل على جبهتين الرسمية والشعبيّة. فرسميا يجب تفعيل الدبلوماسيات العربيّة في القارّة وتحديدا الدّول العربيّة المنخرطة صدقا في مواجهة الكيان الصهيوني. ويتم من خلال العمل المشترك للاستفادة من الصوت الإفريقي في المنابر الأمميّة والدّولية وفي أروقة المؤسسات الحقوقيّة للتضييق على الكيان ومنع مرور القرارات الدّوليّة لصالحه من خلال عدم التصويت لها. ويأتي في هذا السياق إيمان الدّول العربيّة والإفريقيّة بالمصير المشترك على اعتبار إفريقيا عمقا إستراتيجيا للأمن القومي العربي ومحورا من المحاور الهامّة التي لا يستهان بها للانتصار إستراتيجيا للقضية الفلسطينيّة و تحقيق تحرير الأراضي العربيّة كاملة وفي مقدّمتها فلسطين التاريخيّة.
أما شعبيا، فينبغي العمل على بناء رؤية واضحة وصناعة مادّة إعلامية ملتزمة بالقضيّة الفلسطينية وإيصالها إلى الشعوب الإفريقيّة بلغات ولهجات محليّة، حتى تتمكّن من الاطّلاع على حقيقة القضيّة وبمنأى عن التزييف الإعلامـي، وذلك كبداية لبناء وعي نضالي تشاركـي مع القضية الفلسطينيّة، وكمرحلة نحو تدريس القضية الفلسطينيّة في برامج بعض الدول الإفريقيّة كجزء من التاريخ النضالي الوطني والعالمي.

• وجود بعض الدول الإفريقية وحضور سفرائها تدشين السفارة الأمريكية في القدس المحتلة هل ينبئء ذبك بتغير في الموقف الإفريقي الداعم تاريخيا للقضية الفلسطينية لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي؟
هذا الحضور يمكن التعبير عنه بـ «حلوان الكاهن» لأنّ الدول الإفريقية التي رحبت بالقرار تبني مواقفها على مصالح سياسيّة وربّما اقتصاديّة خالصة نتيجة الإغراءات الاقتصاديّة التي تقدّمها إسرائيل إلى بعض من تلك الدّول. لكن الأهم في الأمر هو أنّ المواقف الإفريقيّة الرسمية والشعبية عموما كانت ضدّ القرار أولا وضدّ تنفيذه ثانيا. ولطالما كانت الدول الإفريقيّة مساندة للقضية الفلسطينية وتحديدا قبل اتفافية كامب ديفيد سنة 1978 التي أخرجت مصر رسميا من دائرة الصراع مع الكيان، و قد اعتبرتها الدول الإفريقيّة – التي طردت الدبلوماسية الإسرائلية من أراضيها بعد حرب 1967- خيانة لها. ممّا يعني أنّ التحدّي اليوم هو إعادة بناء العلاقة الإفريقيّة العربيّة بالاستفادة من العلاقات التاريخيّة والحضاريّة والنضاليّة المشتركة، حتى لا تكون إفريقيا فريسة سهلة لإسرائيل، لأنّ الغياب العربي منذ نهاية الثمانيات أعطى فرصة كبيرة للكيان للتمدّد في القارة السمراء، وما شاهدناه مؤخرا من حضور سفراء بعض الدول الإفريقيّة ليس إلا نتيجة حتمية لهذا الغياب العربي، فكما يقول أرسطو فـ «الطبيعة تأبى الفراغ».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115