ردود أفعال أوروبية ودولية حول نتائج الاستفتاء البريطاني

محمد محمود عبد الوهاب ( باحث في الشؤون الدولية )
بالرغم أن كافة الإجراءات المتعلقة بانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي محددة بشكل واضح في الاتفاقيات والنصوص المنشئة للاتحاد ، إلا أن دونالد تاسك Donald Tusk رئيس المجلس الأوروبي يعتزم الدعوة إلى عقد اجتماع – غير رسمي –

للقادة الأوروبيين، على هامش قمة المجلس الأوروبي المنعقدة في 28 و29 جوان، وذلك لبحث التفاصيل المتعلقة بإجراءات الانسحاب وربما وضع تصور مبدئي لمستقبل الاتحاد الأوروبي.
وفي ذات السياق ، فقد اجتمع كل من رئيس المجلس الأوروبي ورئيس مفوضية الاتحاد ورئيس البرلمان الأوروبي ورئيس وزراء هولندا، باعتبارها الرئاسة الحالية للاتحاد، وقد صدر عن ذلك الاجتماع المشترك بيان اعتبر أن القرار الخاص بالخروج من الاتحاد يعد اختياراً بريطانياً جرى في عملية اتسمت بالديمقراطية، وان كان هذا الموقف لن يعرقل مسيرة الاتحاد في المستقبل المنظور مع الإشارة الى المادة «50» من اتفاقية لشبونة والتي تنظم الإجراءات التي يتم اتباعها عند إبداء رغبة دولة ما الانسحاب من عضوية الاتحاد.

وفي حين سعى بعض الساسة الاوروبيين الى التأكيد علي أن دول الاتحاد الاوروبي يربطها أطر تاريخية وجغرفية ومصالح مشتركة تسمح بتجاوز ذلك المأزق التاريخي وربما تطوير التعاون فيها بينها للحفاظ علي المشروع الاوروبي الذي ظل لعقود نموذجا للتكامل الاقليمي، فان الدوائر السياسية في عدد لا بأس به من الدول الاوروبية وأيضاً هناك قوى اقتصادية خارج النطاق الجغرافي الاوروبي عبرت عن صدمتها من ذلك القرار، وقد ظهرت تلك المخاوف بدايةً في المانيا، حيث سارعت المستشارة ميركل الى دعوة رؤساء الاحزاب والقوى البرلمانية إلى اجتماع طارئ لبحث تداعيات نتائج الاستفتاء البريطاني، ودعت ميركل الدول الاوروبية إلى عدم التعجل في إتخاذ قرارات مبنيه علي نتائج الاستفتاء، معربة عن ثقتها في ان الاتحاد الاوروبي لديه من القوة ما يسمح له بالتعاطي – بشكل ايجابي – مع الاستفتاء وتداعياته.

وفي سياق موازٍ، فقد أظهرت تقارير اعلامية أن الخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي قد يسفر عن تحمل ألمانيا تبعات أكبر لقيادة الاتحاد الاوروبي وربما أعباء مالية أكبر في ميزانية الاتحاد الاوروبي، مع الاشارة الي الاثار الاقتصادية بصفة خاصة وحالة الترقب التي قد تتولد - في العاملين المقبلين – أثناء فترة المفاوضات بين الاتحاد والمملكة المتحدة بشأن مراجع الاسناد واجراءات عملية الانسحاب.

وفي مقابل تلك التحديات المتوقعة على الاقتصاد الالماني وبعض القطاعات الحيوية (صناعة السيارات والزراعة) ، فإنه من المتوقع أن ينتقل الثقل المالي الأوروبي من عاصمته الحالية «لندن» الي «فرانكفورت» وهو الامر الذي ينظر اليه في اطار الحكمة الشهيرة « مصائب قوم عن قوم فوائد» وهو ما عكسته الخسائر التي تعرضت لها البورصة البريطانية فور الاعلان عن نتيجة الاستفتاء وانهارت قيمة أسهم البنوك البيرطانية الكبرى وتعرض الجنيه الاسترليني للهبوط امام الدولار، مما ينذر بانكماش الاقتصاد البريطاني ودخوله فى وضعيه اقتصادية مغايرة لمعدلات النمو الاقتصادي الحالية.

هذا، ولم يكن الرأي العام في ايرلندا الشمالية بعيدا عن مخاوف خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وتبعات ذلك علي الوضع الاقتصادي والسياسي لاسيما الدعم الذي تلقته «دبلن» من الاتحاد الاوروبي قد أثر على تطور البلاد وتعافيها من أزمة الركود التي ضربت اقتصادها قبل خمس سنوات، الي جانب ان ذلك الخروج البريطاني سوف يكون له تداعيات سياسية على فرص اندماج ايرلندا الشمالية وجمهورية ايرلندا، ولذلك فان نمط تصويت الايرلنديين في الاستفتاء جاء مماثلا لتصويت الناخبين في اسكتلندا أى لصالح خيار البقاء داخل الاتحاد الاوروبي.

واذا تخطينا الحدود الاوروبية عبر المحيط الهادي فاننا نجد أن هناك اهتماما حكوميا واعلاميا مكثفا في الدوائر السياسية والاقتصادية في اليابان في ضوء ان الاستثمارات اليابانية في بريطانيا وصلت الى 15 مليار جنيه استرليني ) على سبيل المثال وليس الحصر: تصدر شركة تويوتا نحو 900% من السيارات التي ينتجها مصنعها في بريطانيا الي السوق الاوروبية) واخذا في الاعتبار ان الاقتصاد الياباني ، نتيجة اعتماده بشكل رئيسي على الصادرات الي الاسواق الخارجية، فانه من الارجح ان يتأثر بتراجع حجم الصادرات الي بريطانيا والتعقيدات الجديدة في التصدير الي السوق الاوروبية وهو ما دفع الحكومة اليابانية الي عقد اجتماعا طارئا لمناقشة كافة البدائل المتاحة أمامها.

ومن الأرجح أيضاً أن تنشغل الأوساط الأكاديمية في أوروبا وخارجها خلال الشهور المقبلة بالبحث في احتمالات قيادة ألمانيا – بشكل منفرد- للاتحاد الأوروبي في ظل مشهد سياسي دولي متعدد الأقطاب( قد تكون الصين وروسيا من أكثر المستفيدين من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى) ، والبحث كذلك فى مدى قبول الدول الأوروبية لتلك القيادة بالنظر إلى الميراث التاريخي، وقد تنشغل أيضا تلك الدوائر الأكاديمية بالنظر في ما قد يترتب على نتيجة الاستفتاء من تصاعد شعبية التيارات اليمينية أو اليسارية والمناهضة للسياسات الأوروبية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115