بعد اعلان استقلال اقليم كتالونيا رياح الانقسام تعصف بإسبانيا

قرر ماريانو راخوي رئيس الوزراء الإسباني إقالة حكومة إقليم كاتالونيا ورئيسها كارلس بيغديمون و حل البرلمان الكاتالوني إثر إعلانه عن استقلال الإقليم في جلسة خاصة يوم الجمعة 27 أكتوبر 2017. وأعلن رئيس برلمان الإقليم عن مصادقة المجلس، بأغلبية 70 صوتا مقابل 10 واحتفاظ نائبين بصوتيهما، على قرار إقامة «دولة مستقلة في شكل جمهورية» .و

قوبل القرار بهتافات وتصفيق عشرات آلاف المواطنين المتجمهرين في ساحة البرلمان في برشلونة.

قرار ماريانو راخوي تمت تزكيته من قبل مجلس الشيوخ الإسباني ساعتين بعد قرار حل البرلمان الإقليمي و عزل الحكومة الكاتالونية. وهو ما يفتح الباب لتطبيق البند 155 من الدستور الإسباني لأول مرة في تاريخ المملكة. وكان الملك فيليبي السادس قد أكد من قبل في بيان ملكي على وحدة تراب المملكة الإسبانية بما فيها كاتالونيا ورفضه القاطع لعملية الاستقلال. إعلان الاستقلال الذي صفق له الشارع الكاتالوني يدخل اسبانيا في أعمق أزمة سياسية و اجتماعية منذ دخولها في النظام الديمقراطي في ثمانينيات القرن الماضي.

إجراءات راديكالية
اعتبر الملاحظون أن إعلان الاستقلال موقف راديكالي لا يحترم انقسام الرأي العام الإسباني والكاتالوني بالذات حيث أن الاستفتاء حصل على 90 % من أصـــــوات 42 % من الناخبين المسجلين فقط وأن 58 % من المواطنين في كاتالونيا لم يشاركوا في عملية التصويت. أقرت حكومة كاتالونيا الاستفتاء بالرغم من إبطاله من قبل المحكمة الدستورية ورفض الحكومة المركزية و القصر الملكي. قرار البرلمان الإقليمي بالشروع في تنظيم مرحلة انتقالية تأسيسية و كتابة دستور صاحبته دعوة للحكومة بإقرار بطاقات تعريف و جوازات سفر خاصة و مناشدة الاعتراف بالجمهورية الكاتالونية من قبل الدول الأخرى مع مطالبة حكومة مدريد بالتمتع بازدواجية الجنسية والتمسك بعضوية الإتحاد الأوروبي.
في المقابل بعد التحذير الذي أطلقه ماريانو راخوي مع تنظيم الإستفتاء، أعلن رئيس الوزراء الإسباني عن جملة من القرارات الراديكالية تمثلت في عزل الحكومة و رئيسها بتهمة العصيان و حل البرلمان و استرجاع كل السلطات الإقليمية من قبل الحكومة المركزية. و أعلن ماريانو راخوي عن تنظيم انتخابات سابقة لآوانها في 21 ديسمبر المقبل. و قد جندت الحكومة 5000 حرس مدني متواجدين على متن باخرة في ميناء برشلونة للتدخل في صورة دخول السلطة الإقليمية في عملية عصيان مدني.

رفض دولي لاستقلال كاتالونيا
قوبل قرار الاستقلال برفض قاطع من قبل فرنسا و ألمانيا و بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي. و توالت التصريحات الرافضة لإعلان الاستقلال و مساندتها لحكومة مدريد المركزية و تمسكها بوحدة اسبانيا الترابية. شبه الإجماع الدولي الذي قابل الموقف الراديكالي لحكومة كاتالونيا يفسر بخشية الإتحاد الأوروبي من حمى الاستقلال التي تهز بعض الدول الأوروبية مع تصاعد الحركات الانفصالية والقومية المتطرفة . و أكدت كل الدول الأوروبية عن ضرورة احترام دولة القانون واعتبرت أن الاستفتاء غير قانوني و غير دستوري.
الموقف الفرنسي كان صارما في لهجته و محتواه إذ عبر الرئيس إيمانويل ماكرون عن رفضه لاستقلال كاتالونيا و مساندته المطلقة لحكومة ماريانو راخوي و أعاد الرفض وزير خارجية فرنسا جون إيف لو دريان. وهو ما فسره الملاحظون بخشية فرنسا من استفاقة الانفصاليين الفرنسيين، خاصة أن جزءا من فرنسا متاخما لإسبانيا ترابيا يحتوي على مجموعة من الكاتالان و أخرى من الباسك. وهما مجموعتان لهما بعد استقلالي منذ عقود. زد على ذلك رغبة جزيرة كورسيكا في الحكم الذاتي الذي يفتح الباب أمام استرجاع الانفصاليين قدراتهم السياسية.
الموقف الأوروبي الحازم الرافض للاستفتاء بحجة عدم احترامه لدولة القانون و قرار رئاسة الإتحاد بعدم الاعتراف بكاتالونيا واستحالة تواجدها في صلب الإتحاد الأوروبي يسد الباب أمام الانفصاليين و يضعهم في مأزق يعمق الأزمة دون إعطاء أي فرصة لحل توافقي. الإتحاد الأوروبي الذي يشكو من خروج بريطانيا وصعود الحركات القومية يخشى من العدوى الانفصالية التي يمكن أن تهز أركانه في فرنسا و بلجيكا و إيطاليا .

إنقسام و مواجهة قبل الحل؟
كل المؤشرات تدل على أن زمن التوافق قد ولى لاتخاذ الجانبين موقفا متصلبا رافضا للحوار. الأسابيع القادمة قد تفضي إلى مواجهة بين الطرفين. بوادرها بانت في تنظيم المظاهرات المساندة للاستقلال في برشلونة و أخرى لرفضه في مدريد. انقسام الرأي العام في كاتالونيا بين مساند و معارض أضفى في الأسبوع الماضي إلى مواجهات بين مواطنين في مقاهي و حانات برشلونة. وصل الخلاف إلى حد تسرب الانشقاق إلى صلب العائلات.
من جهة أخرى أصدر المدعي العام الملكي أمرا بإحالة رئيس حكومة كاتالونيا كارلس بيغديمون على التحقيق بتهمة العصيان التي تصل عقوبتها إلى 30 سنة سجنا. وأعلنت مصادر قضائية في مدريد أنها سوف تقاضي كل النواب في برلمان كاتالونيا الذين صوتوا للاستقلال. هذه السيوف المسلطة على أعناق السياسيين الانفصاليين سوف تشعل النار في صورة تطبيقها. لكن بعض الأصوات في اسبانيا و أوروبا طالبت الجانبين بالتعقل و بالدخول الفوري في مفاوضات من أجل التوصل إلى حل خاصة أن البرلمان الانفصالي طالب بالتمسك بالجنسية الإسبانية. رهان ماريانو راخوي في تنظيم انتخابات في الإقليم و إعلانه أن تعليق الحكم الذاتي لا يتجاوز ستة أشهر هما مؤشران يمكن استغلالهما للدخول في مفاوضات لتوسيع صلاحيات الإقليم دون الإقرار بالاستقلال. لكن ذلك يبقى سيناريو من جملة السيناريوهات الممكنة في مسلسل الأزمة الإسبانية التي سوف تكون العنصر الأهم في مشاغل الإتحاد الأوروبي في الأشهر القادمة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115