أحزاب المعارضة والأزمة السياسية الراهنة: التمايز عن الحكومة والائتلاف الحاكم والبحث عن «تحالف» حاكم جديد

إذا اعتبرنا الأزمة السياسية الراهنة في تونس، جزءا من مشهد سينمائي، فسيكون لدينا مشهد جد معقد

ومتداخل بين الشخصيات، في وسط حيث الحدث الرئيسي يقف اللاعبون الأساسيون يحيط بهم عن اليمين وعن الشمال لاعبون لا يقلون أهمية عنهم فهم جزء من الصورة العامة ولكن لهم دور في المشهد القادم، وهؤلاء هم أحزاب المعارضة التي كانت اليوم بعيدا عن «الضوء والكاميرا» فهم أبطالها في الأسابيع القادمة خاصة وان لكل منهم نهم للعب دور مهم في المشاهد القادمة التي تستهل بالسنة الانتخابية وما بعدها.

الصورة خلال الأسابيع الفارطة كانت تضم جل اللاعبين في المشهد، لكن الأنظار لم تتجه إلى مركز أحداثها، أي اللاعبين الأساسيين فيها، وهم أطراف نقاشات قرطاج وحكومة الشاهد وبدرجة اقل مجلس نواب الشعب، فيما يظل بقية اللاعبين في الهامش غير لافتي الأنظار إليهم.
من هؤلاء ابرز الفاعلين في المعارضة التونسية، الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي وحركة مشروع تونس، أفاق تونس ولبديل والجمهوري والمسار دون اغفال حراك تونس الإرادة. كلهم في الصورة و كل منهم له مطامح كبرى ورهانات يعمل على تحقيقها انطلاقا من تموقعه من الأزمة الراهنة.
تموقع يكشف عنه كل لاعب بطريقته، فالجبهة الشعبية التي تتموقع في أقصى يسار الصورة، تقف في الأزمة الراهنة في موقع خاص بها، عبر عنه الناطق الرسمي حمة الهمامي في أكثر من مناسبة. ويقوم على التمايز عن كل أطراف الأزمة الرئيسيين.

فالجبهة تعتبر ان الأزمة لا تقتصر على الحكومة، بل على الائتلاف الحاكم برمته، حيث تدعو كل مكوّنات الشارع التونسي وكل القوى الحية فيه، إلى التكتل بكل الأشكال المشروعة من أجل رحيل الحكومة الحالية والائتلاف الحاكم، باعتبار أن كليهما فشل بكل مؤسساته، برلمانا وحكومة ورئيسا.

تغيير هذا الثنائي حدد الهمامي طريقته بانه يتم بالانتخابات التي اقترح ان تتجمع فيها كل القوى الوطنية والديمقراطية في مشروع وطني وجامع قادر على كسب ثقة التونسيين والوصول إلى الحكم. ليشير الى ان الجبهة الشعبية في مرحلة نقاش هذا المشروع البديل قبل صياغته وطرحه على بقية الاحزاب والكيانات السياسية.

تصريحات الهمامي تكشف بشكل صريح ان الجبهة تعتبر ان الازمة لا تقتصر على حكومة الشاهد بل كذلك على الاحزاب السياسية المكونة لها، النهضة والنداء، أي انها تتخذ موقفا معاديا للحكومة وللثنائي الحاكم، وهذا يمكن فهمه من موقع الجبهة كطرف سياسي له علاقات جيدة باتحاد الشغل الذي يعادي الحكومة فعادتها ولكن لتجنب ان يكون موقفها محصورا في خانة معاداة الحكومة لصالح نجل الرئيس تمسكت بمعادتها للائتلاف الحاكم.

موقع تتخذه الجبهة وليس بالبعيد كليا عن موقع التيار الديمقراطي الذي يتبنى ما تتبناه الجبهة من تحميل لمسؤولية الازمة الى الطرفين، حكومة وائتلاف حاكم، لكن الفرق بين الطرفين من هو الأقرب من اتحاد الشغل، حيث يقف التيار الذي يراهن على تحقيق نتائج جيدة في انتخابات 2019 مثله مثل الجبهة، فالطرفان كانا من ابرز المستفيدين من تقدم ملحوظ في النسبة العامة للتصويت لكليهما.

استفادة جعلتهما قادرين على لعب ادوار اكبر في الانتخابات القادمة وتحقيق نتائج ايجابية قد تصل بهما إلى ما فوق الـ10 % من الأصوات لكل طرف منهما، أي انهما مرشحان لتجاوز عتبة 20 نائبا في البرلمان لكل طرف اذا استمرت حالة الصعود في الشعبية لكل منهما.

هذان الكيانان هما من بين ابرز اللاعبين في الصورة الحالية وهما حريصان على الاستفادة من موقعهما من الازمة الراهنة التي قد تقرب اكثر بينهما وبين بقية الاحزاب الاجتماعية الديمقراطية، التي تتشارك معهما في ملء المساحة الواقعة بين الوسط واليسار، إذا وقع اعتبار ان نداء تونس يشغل الوسط والجبهة تشغل اليسار.
مساحة يشترك فيها عدد لا باس به من الاحزاب من بينها المسار الديمقراطي والجمهوري وغيرهما لكن لا يقتسهما معهم كل من حركة مشروع تونس والبديل، اللذين لكل منهما تصور لتموقعهما في الأزمة وفي الخارطة.

فان كان البديل اتخذ خيارا مشابها للجبهة والتيار وغيره من الأحزاب التي تعتبر الحل في تغيير الطبقة الحاكمة برمتها وليس الحكومة فان المشروع اقتصر موقفه على رفع طلب تغيير حكومي شامل مع تحميلها لمسؤولية الأزمة.

تحميل للمسؤولية مرده البحث عن التقارب مع نداء تونس، خاصة بعد تحليل نتائج الانتخابات البلدية وإدراك المشروع أن حظوظه اقوى ان اقترب من النداء وخاض معه الانتخابات سويا. أي ان موقف المشروع هو «فاتحة» لتطوير العلاقة مع نداء تونس، الذي بدوره يعتبر ان بقاءه بمفرده، دون استعادة من انشقوا عنه، سيكون في غير صالحه في الانتخابات القادمة. خاصة وان منافسة عديدون، ومن ابرزهم يوسف الشاهد الذي يعد لمشروعه السياسي القادم والبحث من خلاله عن ملء الفراغ الذي تسبب فيه النداء في ظل فشل كل المحاولات السابقة.

الصورة اليوم مجزأة الى قطع بعضها تحت الضوء والأخر بعيد عنه، لمعرفته بشكل جلي وجب النظر بعيدا عن مكامن الضوء والبحث عن تحركات الاخرين وما المراد بها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115