لقاء قائد السبسي والغنوشي: النهضة مع استئناف مشاورات قرطاج 2 وفق «هندستها»

يوم امس كانت كلمات رئيس حركة النهضة مقتضبة لكنها تعبر حقيقة عما يختمر في «العقول»

المفكرة في الحركة عن كيفية مسايرة الساحة السياسية والتحكم في ايقاعها ونسقها، بمبادرة تدرك انها لن تجد القبول كثيرا، لكن تطرحها لتحقق ما هو ابعد، اعادة تشكيل التحالفات في المشهد بما لا يضرها.

لفهم الخيارات السياسية التي تتخذها بعض الاحزاب السياسية، هناك اكثر من طريقة أولها الاستماع لما يصدر عنها علنا وفي الكواليس، ثانيها البحث عن «المصلحة/المنفعة» من الخيار، ثالثا البحث عما «يخيفهم»، كل هذه الطرق وغيرها تساعد على فهم ما ياتيه اي فاعل سياسي. تطبيق هذا على الخيارات الاخيرة لحركة النهضة يساعد على معرفة ما تريده الحركة حقيقة، فان انطلقنا من كلمات رئيس حركة النهضة امس بعد لقائه برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ستتضح بعض تفاصيل الصورة.

اذ قال رئيس الحركة، إن لقاءه برئيس الجمهورية «تناول الأوضاع العامة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأزمة السياسية المتمثلة في توقف اتفاقية قرطاج وبتعليق العمل بوثيقة قرطاج» دون ان يغفل عن القول ان «البلاد دخلت منذ ذلك الوقت في ازمة سياسية».

أزمة سياسية بحث الغنوشي عن تجاوزها في لقائه مع رئيس الجمهورية وذلك بـ«تأكيده مع رئيس الجمهورية على أهمية التوافق الذي انقذ البلاد وجعل منها استثناء في الربيع العربي وأكدنا ان البلاد مازالت تحتاج الى التوافق وهذه قناعة مشتركة والأحداث تزيدها تأكيدا» ليضيف انه «عمل على أن ياخذ من السيد الرئيس فرصة أخرى لتجديد العمل بالتوافق وتفعيل هذه المنهجية في حل هذه المشكلات» اذ ان «تونس أمامها افاق كبيرة للنمو والنجاح ويجب ان نضع البلاد على سكة انتخابات 2019 وهذا يحتاج الى تجديد العمل بالتوافق وتفعيله بين كل الاطراف السياسية والاجتماعية».

قبل ان يختم «الشيخ» تصريحه الذي نشر على صفحة رئاسة الجمهورية بالتاكيد على أن «هناك فرصة اليوم لتفعيل كل هذه النقاط والزام الحكومة بها والانطلاق مجددا لهذه الاتفاقية تحت اشراف رئيس الجمهورية».

هذا التصريح الذي جاء اثر لقائه برئيس الجمهورية في ظل توتر خفي في العلاقة بين الطرفين، حاولت حركة النهضة التخفيف من حدته بالتزامن مع صدور موقفها من مبادرة الرئيس الداعية للمساواة في الميراث، والتخفيف كان عبارة عن «تخيير الشاهد بين مستقلبه الانتخابي او الحكومي» او هذا ما اردت الحركة ان توحي به بعد ان بات شبه اكيد لديها ولدى الفاعلين

في المشهد ان ايام الشاهد معدودة بخيار من الاخير الذي سيكون هو صاحب القرار في موعد مغادرته للقصبة والتفرغ لمشروعه السياسي.

أي ان الحركة تدرك ان خطوتها ليست الا «إرضاء» شكليا للرئيس في انتظار «الثمن» الفعلي وهو تعديل موقفها من مبادرة المساواة، وهذا امر لا يبدو انه سيكون عاجلا، على عكس طرحها لتصورها لكيفية مغادرة الأزمة السياسية الراهنة.

تصور مفاده استئناف نقاشات قرطاج 2 -التي سبق ان دعا نداء تونس لاستئنافها مع تشديده على ان موقفه لا يزال التمسك برحيل الشاهد- ليشرح عماد الخميري، الناطق الرسمي باسم الحركة،تصور حركته بالتشديد على انه قائم من «حرصها على التوافق» باعتباره مبدأ أساسي للحركة كما انه امر جوهري لإدارة البلاد في ظل صعوبات إدارة الانتقال الديمقراطي التي

بين التوافق انه كان مخرجا لعدد من الأزمات التي مرت بها تونس.
إقرار الناطق الرسمي بوجود أزمة ليس بالأمر الجديد، وقوله ان الخروج منها لا يتم الا بالحوار بدوره ليس بالأمر الجديد، بل الجديد قوله ان الحوار يجب ان يشمل كل الأطراف بما فيها الحكومة، التي اكد ان حركته «ترغب في ان تكون الحكومة طرفا في الحوار» خاصة وإنها شاركت في اجتماع الكبار السبعة بعد ان غيبت عن نقاشات وثيقة قرطاج .

هذا القول الصريح من الناطق الرسمي الذي يعني ان النهضة تريد ان تكون حكومة الشاهد طرفا في النقاشات ان استؤنفت، اي انها تريد ان تتسع قائمة المشاركين من 9 الى عشرة اطراف، ويبدو انه طرح على رئيس الجمهورية في اللقاء ورده جعل «الشيخ» يتجنب الاشارة الى الامر في تصريحه.

الرد الذي قد يدفع بالغنوشي لتجنب الاشارة لرغبة حركته بان تكون الحكومة جزءا من الحوار هو احد الامرين، رفض رئاسة الجمهورية الامر او طلب التريث الى حين مناقشة الامر مع بقية الاطراف، وهذا مرجح، في ظل رفض متوقع من ثلاثة اطراف على الاقل لمشاركة الحكومة وهم النداء اتحاد الشغل ومنظمة المرأة.

رفض ينطلق من ان الثلاثي يتذكر جيدا ان اللقاء الاخير في المشاورات انتهى لانقسام المجموعة الى ثلاثة فرق، 4 ضد رحيل الحكومة، هم النهضة واتحاد الفلاحين والمبادرة والمسار، وطرف وحيد محتفظ وهو الاعراف فيما وقف 4 مع رحيل الحكومة وهم اتحاد الشغل واتحاد المرأة والنداء والاتحاد الوطني الحر. لكن مع تطور الاحداث التحق الوطني الحر بفريق دعم الحكومة وهو ما يعنى ان التوازنات لن تكون في صالح الداعين لمغادرة الحكومة، او هذا ما يبدو.

لذلك قد يكون مقترح النهضة مجرد عملية «الهاء» او احراج لحلفائها الهدف منها ليس جعل الحكومة تجلس إلى الطاولة لتناقش مصيرها بل الاعلان عن ان الحركة باتت بشكل صريح وان بمجاملات لرئيس الجمهورية، هي من يريد ان يهندس شكل الساحة السياسية في هذه السنة الانتخابية.
بحث عن التحكم في المقاليد انطلق منذ دعوة مجلس شورى الحركة للشاهد الى اختيار احد الامرين البقاء في الحكومة دون الترشح في 2019 او المغادرة والترشح، وسيستمر الى حين حلول موعد الانتخابات. التي تريد الحركة ان تصل اليه دون ان تفرض عليها معارك «خاسرة» تكلفها اما الصورة المسوقة لها كحزب مدني او ناخبيها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115