المساواة في الميراث ومواقف «شيوخ»: في «إسلامهم» كل شيء مباح عدا المساواة

يوما عن يوم يضاف اسم شيخ او مؤسسة دينية الى قائمة المشاركين في الجدل المحتدم

في تونس بشأن المساواة والحريات الفردية، ومع اتساع القائمة يتضح اكثر الفرق بين الاراء.

منذ ان أعلن قبل سنة وأكثر عن مشروع مبادرة لإقرار المساواة في الميراث بين الجنسين وحماية الحريات الفردية، لم يتوقف الجدل في تونس حتى مع إعلان الرئيس عن مبادرته بشان قانون للمساواة في الميراث مع ترك هامش اختيار للمورث، كل هذا كان جيدا لكن النقاش انحرف عن محوره الرئيسي.

انحراف انطلق من جر النقاشات من الجانب القانوني والحقوقي الى مربع الدين وتاويل النص القرآني والاستعانة باحاديث نبوية حتى مع ادارك ضعف سندها، المهم كان لدى من جر النقاش الى مربع الدين تبيان ان كان الاسلام يقر بالحريات والمساواة ام يضع لها حدودا.

اول من اعلن عن موقفه، كان ديوان الافتاء قبل سنة حينما ثمن المبادرة في رد غير مباشر على شيوخ وائمة اعتبروا ان الاقتراب من هذه المواضيع «إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة». في تغافل عن ان النقاش يتعلق بقوانين وضعية وليس بالنص القرآني.

الايهام بان مناقشة مسألة المساواة في الميراث هو مس من الدين وتغيير له لم يتوقف مع اعلان رئيس الجمهورية في 13 من اوت الجاري عن مضمون مبادرته، التي شدد اثناء تقديمها على ان الدستور عرف تونس على انها دولة مدنية اي ان قوانينها وضعية، ووضع النقاش في اطاره الاول الذي غاب منذ سنة، وهي ان النقاشات تتعلق بقانون وليس بنص ديني.

لكن حتى هذا لم يكن كافيا لرجال الدين ليفسحوا المجال امام نقاش اعمق، ليطل فريد الباجي، ويعلن انه « لا فرق بين تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وبين الوهابية وأنه لا فرق بين مضامين التقرير وبين الدواعش، دون ان يشرح نقاط الالتقاء باستثناء قناعته بان «الوهابيين والدواعش يحملون السلاح ليحكموا العالم والدولة تستعمل سلطة القانون» لتفعل هذا.

غيرة فريد الباجي على الاسلام لم تشمل الا مسألة الميراث، خاصة بعد هو إقرار المساواة بين الجنسين كمبدإ مع ترك حرية الاختيار للمورث ان اراد اعتماد النظم الإسلامية، فالرجل اعتبر ان رئيس الجمهورية بمبادرته «فرض دين جديد» وهو ما يرفضه الشيخ بقوله ان «الرئيس أو أي مخلوق اخر ليس من حقه فرض «دين جديد» باعتبار ان التونسيين على «دين محمد».

فريد الباجي وهو يدافع عن الزحكام الاسلامية في المواريث لم يغفل مرة اخرى عن الاستنجاد بمعرفته القانونية والدستورية ليعلن ان الدستور يكفل «حرية المعتقد والضمير» وهذا يشمل الخيارات الجنسية للتونسيين، التي لم يبد الشيخ اي موقف سلبي منها، بل اعتبرها تندرج تحت خانة المشرع وليس الشرع.

الشيخ ورجل الدين الشهير، فريد الباجي كشف في تسجيل له نشر على شبكات التواصل الاجتماعي عن «دراية» بالدستور التونسي ومرّ سريعا ليعلن ان «المبادرة» باطلة دستوريا وسياسيا، وتشنج وتوعد النواب انهم سيفقدون اصوات ناخبيهم، وفعل كل ما يستطيع ليبين ان القول بالمساواة إعلان عن دين جديد.

هذا ما يأتيه المشايخ هذه الأيام، وما يفعلونه بالفضاء العام من حشد وشحن عاطفي عبر التلاعب بالحقائق والمعطيات، لتصبح مبادرة قانونيا، دينا جديدا، ويصبح الوضع في تونس صراع بين دين جديد اسماه فريد الباجي «دين بشرى» وبين الإسلام وأهله.

كل هذا يتم مع تشديد المشائخ، وهابيهم وزيتونيهم، على انهم لا يحرضون ولا يكفرون، فقط هم يدافعون عن الدين الذي بات في خطر، كل هذا والدولة تغيب ومعها النخب تاركين الفضاء العام بيد هؤلاء الذين يقدم كل منهم «إسلامه الخاص ويدعونا الى اتباعه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115