حركة النهضة: تحفظ متواصل على المساواة في الإرث.. في انتظار المبادرة التشريعية مع المراهنة على عامل الوقت

أكد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في خطاب ألقاه أمس بقصر قرطاج بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة

أن موقف حركة النهضة بخصوص مضامين تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة فيه اعتبارات ايجابية واحترازات وهو أمر طبيعي، معربا عن قلقه بشأن احترازها من النقطة المتعلقة بالمساواة في الإرث، ورفض الكشف عن فحوى الرسالة التي تسلمها من رئيس الحركة راشد الغنوشي المتضمنة لموقفها من تقرير الحريات، قائلا «من حق النهضة أن تنشرها وأن تعلن عن موقفها للعموم «.

حسب رئيس الجمهورية فإنه من الطبيعي أن تبدي النهضة بعض الاحترازات بشأن هذا التقرير بما أنها حركة لها مرجعية دينية، مبرزا في المقابل سعيها للتطور من أجل أن تصبح حركة مدنية، معربا عن أمله في أن تقوم الحركة بدور ايجابي، عندما يحال مشروع قانون المساواة في الإرث على مجلس نواب الشعب، في اتجاه تجميع كل الحساسيات في تونس، مشددا على أن النهضة عنصر بارز ولها دور قوي في أخذ القرارات في البرلمان. وكان رئيس الجمهورية اقترح في ذات الخطاب سن قانون يضمن المساواة بين الجنسين في الإرث، مع احترام إرادة الأفراد الذين يختارون عدم المساواة إلى جانب مراجعة مجلة الأحوال الشخصية.

تعمق الفجوة
بالرغم من الجدل الكبير الذي أحدثه تقرير لجنة الحريات على امتداد الأسابيع الأخيرة وتعبير كل الأطراف عن مواقفهم منه سواء بالتأييد أو الرفض، فإن حركة النهضة خيرت ملازمة الصمت وعدم الكشف عن موقفها إلا عبر رسالة سلمها الغنوشي إلى رئيس الجمهورية ولم يتم الكشف عن فحواها إلى اليوم، حتى أن موكب الاحتفال أمس قد تغيب عنه الغنوشي والذي عوضه نائبه الثاني علي العريض، ويعود السبب حسب ناطقها الرسمي عماد الخميري إلى تواجده خارج البلاد. ولئن ثمنت حركة النهضة خطاب رئيس الجمهورية، حسب تصريح الخميري، فإنها مازالت لم تعبر عن موقفها في بيان رسمي، حيث أكد عضو مجلس الشورى والقيادي في الحركة عبد الحميد الجلاصي في تصريح لـ»المغرب» أن مؤسسات الحركة لم تجتمع للتداول بشان الخطاب الرئاسي، وأضاف حسب رأيه الشخصي أن خطاب رئيس الجمهورية يمكن أن يقرأ من أكثر من زاوية من ناحية المضمون وحتى من ناحية الشكل ومن نوعية الحضور، فهو مشهد يمكن أن تبدى حوله ملاحظات بشأن مدى استيعاب القصر الرئاسي للتونسيين في تنوعهم ، بل إن مخاطبة الرئيس أحيانا لنساء القاعة كانت وكأنه يخاطب صنفا منسجما معه .

كما أفاد الجلاصي أن الخطاب حرص على الاستناد للدستور وهذا متوقع من الرجل الأول في الدولة غير أن الدستور يبدأ بالتوطئة ثم الفصل الأول قبل الفصل الثاني الذي كان مرتكز الحجاج، مشيرا إلى أنه من حق رئيس الدولة أن يبادر وهو قد فعل وقسم التقرير إلى جزء سيخضع إلى نقاش مجتمعي و جزء سيكون محل مبادرة تشريعية مع إبراز شيء من تفاصيلها، وعبر عن خشيته من أن تواصل البلاد الغرق في نقاش فكري غير بسيط في حين أن أولوياتها تنموية مع الشروع بمجرد العودة السياسية والبرلمانية في مناقشة ميزانية لن تكون أسهل من ميزانية السنة الماضية . هذا وبين الجلاصي المبادرة قانونيا، في صلب صلاحيات الرئيس الدستورية ، ولكن سياسيا الخشية من أن تتعمق الفجوة بين نخبة لها أولوياتها وشعب يكتوي بجمراته.

صريحة في الاصداع بما تراه خاطئا
وعن موقف الحركة من مبادرة رئيس الجمهورية المتمثلة في مشروع قانون المساواة في الإرث يعرض على مجلس نواب الشعب، قال عضو مجلس الشورى انه من الزاوية الشكلية لا إشكال في ذلك، أما من زاوية المضمون وخاصة مقترح التخيير فالخشية من أن يفتح الباب لمراجعة بعض الفصول في مجلة الأحوال الشخصية وفي غيرها نعتبرها في حركة النهضة ويعتبرها التونسيون مكاسب لهم . وشدد على أن حركة النهضة كانت وستكون دائما عنصر تجميع و بناء ، و لكنها ستكون صريحة في الاصداع بما تراه خاطئا أو لا يحتمله السياق .
وبخصوص احترازات الحركة حول تقرير لجنة الحريات وسعيها للتطور من أجل أن تصبح حركة مدنية، حسب تعبير رئيس الجمهورية في خطابه أمس، أكد الجلاصي أن حركة النهضة لا تسعى إلى أن تكون حركة مدنية، فهي بالفعل حركة مدنية، مشيرا إلى أنه في الوضع الديمقراطي لا مرجعية إلا الدستور والإرادة الشعبية مع التفاعل مع كل رسائل الشعب . أما الأحزاب السياسية والأطراف المدنية فهي جهات متنافسة ولا احد منها حكم على غيره. وبالنسبة إلى تفاعل الحركة مع مشروع القانون الذي سيحيله رئيس الجمهورية على البرلمان حول المساواة في الإرث بين الجنسين، أوضح الجلاصي أن تفاعل الحركة مع مشروع القانون سيكون بما يناسب في البرلمان، أما بقية التقرير فستثمن ما يستحق، وستتحفظ على ما يستحق، وستعلن عن رفضها لما تراه غير متناسب مع السياق أو معارض للدستور .

مبادرة تشريعية.. محتكمة إلى الدستور
الناطق الرسمي باسم الحركة عماد الخميري أكد في تصريحات إعلامية أن النهضة حزب مسؤول وستتعاطى بكل مسؤولية مع أي مبادرة تشريعية ولكن لا بدّ أن تكون محتكمة إلى الدستور وليست مخالفة له وأن تكون فيها مراعاة وضمانات للهوية العربية الإسلامية للشعب وكذلك أن يكون فيها ما لا يغضب التونسيين في مشاعرهم الدينية، وشدد على أن البرلمان هو المرجع لجعلها تنسجم مع الدستور ومع الهوية العربية للبلاد. أما بالنسبة للنائب عن الحركة الصحبي عتيق فقد عبر عن موقفه في تدوينة كتبها على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك» جاء فيها أنه « رغم اعتراض حركة النهضة على موضوع المواريث ( الرسالة التي سلمها له رئيس الحركة بعد نقاش في المكتب التنفيذي ) فقد مضى في اعتبار الأصل هي المساواة والاستثناء هو ما ورد في الشرع الإسلامي . الخطاب متوازن سياسيا ومازال محافظا على علاقة جيدة بالحركة واحتلت النهضة حيزا كبيرا في خطابه ولكن بطريقة إيجابية . تقرير لجنة الحقوق والحريات أحيل على الحوار ؟! ويبقى الآن الدور لمجلس نواب الشعب وربما نقلب المعادلة ليصبح الاستثناء هو المقترح الجديد أو يسقط المشروع برمته. القانون أساسي ويحتاج إلى 109 صوتا ليمر».

المراهنة على النقاشات صلب البرلمان
أما النائب الثاني لرئيس الحركة على العريض فقد أكد في تصريح إعلامي له «رسالتنا إلى رئيس الجمهورية أوضحنا فيها اتفاقنا مع عدد من النقاط الواردة بتقرير لجنة الحريات وتحديدا المتعلقة بدعم الحريات الفردية…كما أوضحنا له أن هناك قضايا آخري قابلة للنقاش مثل وضع المزيد من التضييق فيما يتعلق بعقوبة الإعدام …وقضايا أخرى قلنا بوضوح أن الوقت غير ملائم لها خاصة وأنها ليست مطلبا شعبيا بل وتمثل أيضا إشكالا من الناحية الدستورية والدينية ومن بينها موضوع المساواة في الإرث وأبلغناه تحفظاتنا عليه ..ولا نزال على ذات الموقف». والمح العريض إلى أن الحركة تراهن على عامل الوقت وتحديدا ما سيستغرقه النقاش داخل البرلمان وربما بالمجتمع ككل حول المقترح التشريعي للرئيس، موضحا «على كل حال لا يزال أمامنا وقت… فما طرح هو مبادرة تشريعية وربما تصير كثير من المفاوضات والمناقشات داخل لجان البرلمان حوله …وتلك النقاشات يمكن أن تؤدي إلى خيار ومقترح جديدين يحظيان بدعم قاعدة عريضة، فالمهم هو ما سيصدر نهاية الأمر عن البرلمان..»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115