في ميكروفيزيا التوازنات السياسية: I - تونس الكبرى: تقدم كبير للنهضة

• 22 رئاسة للنهضة و 8 للمستقلين و 5 للنداء وبلدية واحدة لكل من حركة الشعب والتيار الديمقراطي
تتشكل تونس الكبرى من خمس دوائر انتخابية (تونس 1 وتونس 2 وأريانة وبن عروس ومنوبة).
تحتوي تونس الكبرى على 38 بلدية تقدمت لها 246 قائمة لتتنافس على 1020 مقعد.


لقد تم التنصيب النهائي لـ 37 مجلس بلدي بينما قضت المحكمة الادارية بابطال انتخاب رئيس بلدية رادس (ولاية بن عروس) ومساعديه.
وتقدمت النهضة بوضوح في جهة تونس الكبرى وكان تفوقها واضحا على النداء والمستقلين في كل الدوائر الانتخابية باستثناء تونس 2 حيث حصل نداء تونس على ثلاثة بلديات فيما لم تتحصل الحركة الاسلامية إلا على اثنتين وآلت رئاسة البلدية السادسة للمستقلين.
والملاحظ هنا أن حزبين تمكنا من الحضور في حوالي 50 ٪ من البلديات وهما الجبهة الشعبية بـ 18 قائمة منها 9 في دائرة بن عروس والتيار الديمقراطي بـ 17 منها 7 في دائرة منوبة.
لو احتسبنا معدل نسب التصويت على امتداد تونس 1 لوجدنا أن النداء قد حصل على 26،85 ٪ من الأصوات في حين أنه كان قد حصل في تشريعية 2014 على 35،87٪ أما النهضة فقد حققت في البلديات 33،58 ٪ مقابل 31،74 ٪ في التشريعية وهذا المعطى سيرافقنا في جل الدوائر الانتخابية: النداء يتراجع عن نسب 2014 والنهضة في مستوى ما حققته في 2014 أو أفضل بقليل.

• تونس 1:
«شيخة المدينة»: الشجرة التي لا تخفي الغابة


تحتوي الدائرة الانتخابية تونس 1 على بلديتين فقط وهما تونس المدينة (60 مقعدا) وسيدي حسين (36 مقعدا) وقد تقدمت في هاتين البلديتين 17 قائمة منها 5 مستقلة.
لقد احتل انتخاب رئيسة قائمة حركة النهضة على رأس المجلس البلدي بالعاصمة اهتماما بالغا وخطف كل الانظار وتم تقديمه على أنه حدث تاريخي واستثنائي والحال أنها المرة الأولى التي تحصل فيها انتخابات بلدية ديمقراطية في تاريخ تونس والنهضة لم تفز فقط في العاصمة وسعاد عبد الرحيم ليست كذلك رئيسة البلدية الوحيدة بعد هذه الانتخابات.

ولكن الأهمية السياسية لهذا الحدث لا تناقش فتونس المدينة هي عاصمة البلاد وكان النداء يمني النفس بالفوز بها عساه بذلك يهون من تراجعه الكبير في غيرها.
انتصار النهضة في تونس المدينة لم يكن أمرا حتميا، حتى بعد التأخر النسبي للنداء في الانتخابات (27،32 ٪ من نسبة الأصـــوات و 17 مقعدا مقابل 32،26 ٪ من نسبة الأصوات للنهضة و 21 مقعدا) كان من السهل نسبيا ايجاد تحالف ينتصر على النهضة خاصة اذا ما علمنا بأن كل القائمات الفائزة بمقاعد قد وعدت بأنها لن تصوت لمرشحة الحركة الاسلامية ويبدو انه لو تم ترشيح رئيس قائمة «مدينتي تونس» الحائز على أربعة مقاعد لفاز بالرئاسة دون عناء ولكن تصويت نصف الحلفاء الطبيعيين للنداء (خمسة من الأصوات العشرة للاتحاد المدني (6) ولمدينتي تونس) لسعاد عبد الرحيم أوضح عدم قدرة النداء على نسج التحالفات الفاعلة وهي هشاشة بعض مستشاري الاتحاد المدني الذين صوتوا ضد تعليمات الاحزاب التي رشحتهم (آفاق تونس والمشروع).
لقد عمق فوز سعاد عبد الرحيم جرح النداء وأضاف الى هزيمته على الميدان هزيمة أخرى معنوية بخسارته للعاصمة بعد أن كان خسر قبلها بأيام قليلة المدينة الثانية في البلاد (صفاقس).
ما ينبغي الانتباه اليه هنا هو النتيجة الهامة التي حققها التيار الديمقراطي: 12،38 ٪ من الأصوات وثمانية مقاعد في ما كانت نسبته في 2014 دون 4 ٪ (3،42 ٪).
ولقد حققت الجبهة الشعبية بدورها تقدما نسبيا اذ انتقلت من (3،21 ٪) في 2014 الى 6،18 ٪ في 2018.
في 2014 حقق النداء في المعتمديات المكونة لتونس المدينة 37٪ من الأصوات مقابل 31،23٪ للنهضة وهكذا يكون النداء قد تراجع بعشر نقاط في تونس المدينة مقابل شبه استقرار للنهضة.
ولئن كان فوز النهضة برئاسة مدينة تونس مفاجئا نسبيا فإن فوزها في بلدية سيدي حسين كان متوقعا إلى حد ما فالحركة الاسلامية كانت قد تفوقت على النداء بـ 35،28 ٪ مقابل 27،97 ٪ ولكن الفارق تعمق بين الحزبين في 2018 اذ حصلت النهضة على 43٫88 ٪ من الأصوات في حين اكتفى النداء بـ 24٫28٪ وهكذا تفوز النهضة برئاسة المجلسين البلديين في تونس 1: في الأولى بسبب نيران صديقة وفي الثانية دون عناء يذكر.
مع الملاحظة أن حركة النهضة قد احترمت التناصف الأفقي في تونس الأولى: امرأة في تونس المدينة ورجل في سيدي حسين في حين قدم النداء رجلين لرئاسة قائمتيه.

• تونس 2:
«النداء في الصدارة رغم تراجعه الكبير


تتكون تونس 2 من ست بلديات آلت رئاسة ثلاث منها لنداء تونس (حلق الوادي وقرطاج وسيدي بوسعيد) فيما فازت النهضة ببلديتي الكرم وباردو وآلت رئاسة بلدية المرسى الى مستقل.
تقدمت في هذه البلديات الست 37 قائمة منها 17 مستقلة لتتنافس على 144 مقعدا.
دائرة تونس هي أرض ندائية بامتياز اذ حقق فيها الحزب الفائز في 2014 آنذاك 54،93 ٪ وصوت له 115045 من الناخبين بينما لم تتحصل الحركة الاسلامية الا على 42250 صوتا بنسبة 20،17 ٪.
وكالعادة تبرز النهضة في نفس المستوى تقريبا اذ تحصلت في 2018 على نسبة 19،69 ٪ ولكن بـ 10846 صوتا فقط فيما خسرالنداء أكثر من مائة ألف صوت اذ لم يحصد الا 13821 صوتا بنسبة 25،09 ٪.
نسبة المشاركة الاجمالية كانت دون المعدل الوطني بقليل (33٫63 ٪) وكانت أعلاها في سيدي بوسعيد 53،11 ٪ وأدناها بـ 27،08 ٪ في الكرم.
لا نجد في تونس 2 حضورا يذكر لبقية الأحزاب والائتلافات فلقد تقدم التيار الديمقراطي في بلديتين فقط: المرسى وباردو ولئن حقق في هذه الأخيرة نتيجة ممتازة بـ 14٫03 ٪ إالا أن نتيجته في المرسى كانت ضعيفة للغاية (3،14 ٪).
وقدم الاتحاد المدني بدوره قائمتين: الأولى بسيدي بوسعيد وحصل على 9،71 ٪ أما الثانية فقد كانت في المرسى وكانت مخيبة للآمال بـ 2،46 ٪.
يمكن أن نقول بأن النداء رغم تقدمه في تونس 2 الا أنه خسر ثلاث بلديات كان ينتصر فيها بيسر لو لم يبتعد كثيرا عن النسب التي حققها في 2014.
ففي دائرة المرسى حقق النداء في 2014 62،69 ٪، (17،17 ٪ في 2018) وفي الكرم 53،23 ٪ (38،60٪ في 2018) باردو 47،58 ٪ (19،37 ٪ في 2018).
في المرسى تضرر النداء كثيرا بصعود قائمات مستقلة استحوذت على جل مخزونه الانتخابي.
أما في الكرم فالوضعية غريبة الى حد كبير اذ تقدم النداء على النهضة بوضوح وحصلت قائمته على 12 مقعدا مقابل 9 للحركة الاسلامية ولكن النداء لم يتمكن من التفاهم مع القائمتين المستقلتين اللتين تحصلتا على تسعة مقاعد لكليهما فاهدر رئاسة بلدية في متناوله< في تونس 2 قدم النداء قائمات متناصفة 3 رئاسات للرجال و3 للنساء، أما النهضة فقدمت 4 نساء ورجلين.

• أريانة:
فوز ساحق للنهضة


تحتوي دائرة أريانة على سبع بلديات فازت النهضة بخمسة رئاسات لمجالسها البلدية وآلت اثنتان منها للمستقلين: أريانة وسيدي ثابت.
تقدمت في أريانة 48 قائمة منها 22 مستقلة للتنافس على 210 مقاعد وكالعادة تقدم النداء والنهضة في كل الدوائر وفي المقابل تقدم التيار الديمقراطي بثلاث قائمات والجبهة الشعبية بقائمتين.
نسبة المشاركة في ولاية أريانة كانت دون المعدل الوطني بأربع نقاط (٪31،63) وقد كانت أعلاها بـ 47،40 ٪ وأدناها في التصامن بـ 20،19 ٪ وهي من أقل نسب المشاركة في كل بلديات الجمهورية.
لقد صوتت ولاية أريانة بصفة مشابهة للغاية للبلاد قاطبة اذ أعطت لحركة النهضة 28،32 ٪ من الأصوات مقابل 20،91 ٪ للنداء أي تقريبا نفس معدلاتهما الوطنية.
وان حسنت النهضة نسبتها بأربع نقاط مقارنة بـ 2014 (24،12 ٪) فإن النداء قد فقد 26 نقطة كاملة (٪47،01) فهي ولاية ذات هوى ندائي واضح تحولت أريانة الى هوى نسبي نهضوي بعد ثلاث سنوات ونصف.
وكما انهار النداء في بلدية المرسى في دائرة تونس 2، انهار ولنفس الأسباب (قائمة مستقلة قوية وذات اشعاع) في اريانة المدينة اذ لم يحصل الا على 16،50 ٪ من الأصوات في حين حصد 61،06 ٪ في 2014 أما حركة النهضة فبقيت -كالعادة- في المستوى تقريبا : 13٫99 % في 2018 مقابل 14٫03 % في 2014.
في سكرة انتقل من 46٫80 % في 2014 إلى 23٫35 % في 2018 وفي رواد خسر النداء 25 نقطة كاملة (من 41٫85 % إلى 16٫89 %) و11 نقطة في قلعة الأندلس و12 في سيدي ثابت و19 في التضامن و9 في المنيهلة.
أما حركة النهضة فحينت من نسبهاإذ تقدمت بأربع نقاط في سكرة وثماني في رواد وأربع عشرة في المنيهلة مع تراجع في التضامن بثلاث نقاط.
على مستوى التناصف كان حزبا النداء والنهضة سيان إذ قدم كل واحد منهما لرئاسة البلديات السبع أربعة رجال وثلاث نساء.

• بن عروس:
بين النهضة والمستقلين


تتكون دائرة بن عروس من 13 بلدية وتقدمت لها 89 قائمة من بينها 32 مستقلة للتنافس على 336 مقعدا.
النداء والنهضة حاضران في كل الدوائر وتمكنت الجبهة من الترشح في 8 بلديات بينما اكتفى التيار الديمقراطي بخمس.
نسبة المشاركة الاجمالية كانت في حدود 34٫07 % كانت أعلاها في الخليدية بـ 40٫99 % وأدناها في مدينة بن عروس 27٫11 %.
حصدت النهضة رئاسة 7 بلديات وآلت 4 للمستقلين بينما اكتفى النداء ببلدية واحدة وهي مدينة حمام الأنف في انتظار إعادة انتخاب رئيس بلدية رادس.
تقدم الحركة الاسلامية كان واضحا إذ تحصلت على نسبة 32٫01 % من الأصوات في عموم الدائرة بينما كان النداء قريبا من معدله الوطني بـ 20٫41 %. وبالعودة إلى نسب تشريعية 2014 نجد أن النهضة قد ربحت أربع نقاط إذ كانت نسبتها آنذاك 28٫40 % بينما خسر النداء 19 نقطة ـفي 2014 كانت نسبة النداء (39٫01 % ) وقد تقدمت النهضة على النداء في كل البلديات باستثناء بلدية حمام الأنف.
في 2014 تقدم النداء على النهضة في المعتمديات الإثنتي عشرة لولاية بن عروس باستثناء معتمديتي المحمدية وفوشانة.
حققت الجبهة الشعبية نتائج متواضعة في الدوائر الثماني التي ترشحت فيها إذ تراوحت بين 4٫96 % في المحمدية و 10٫44 % في رادس بينما تجاوز التيار الديمقراطي عتبة 10 % في 4 بلديات من أصل الخمسة التي ترشح فيها وحقّق أفضل نتائجه في بومهل البساتين (14٫77 %) وحمام الشط (14٫19 %) والمروج (15٫14 %).
رؤساء البلدية في دائرة بن عروس جاءت قائماتهم الأخرى باستثناء قائمة مستقلة في بومهل البساتين تمكنت من الفوز رغم تأخرها على حركة النهضة بثماني نقاط ولكن النداء والاتحاد المدني رجحا كفتها ففازت برئاسة البلدية
رئاسة قائمات النهضة والنداء كانت متناصفة في بن عروس، قدر الإمكان، فقدمت النهضة 6 رجال و7 نساء، بينما قدم النداء 7 رجال و 6 نساء.

• منوبة:
6 رئاسات للنهضة ورئاسة لكل من النداء والتيار الديمقراطي وحركة الشعب والمستقلين


تتكون ولاية منوبة من 10 بلديات تقدمت لها 55 قائمة منها 14ِمستقلة للتنافس على 234 مقعدا.
نسبة المشاركة ضعيفة إلى حدّ ما في ولاية منوبة إذ نزلت تحت 30 % (29،84 %) إذ كانت أدناها 23،79 % بدوار هيشر وأفضلها 40،32 % بالبساتين.
تقدم النهضة على النداء واضح جدا في منوبة إذ تحصلت الحركة الإسلامية على نسبة 36،90 % من الأصوات مقابل 22،48 % ببنداء ولو عدنا إلى انتخابات 2014 للاحظنا مرة أخرى أن موازين القوى قد تغيرت إذ كانت تميل نسبيا للنداء آنــذاك بـ 33،66 % مقابل 29،28 %.
في بلديات 2018 تقدمت النهضة على النداء في كل الدوائر باستثناء برج العامري والتي آلت رئاسة مجلسها البلدي للنداء.
في 2014 لم تتقدم النهضة على النداء إلا في الجديدة والمرناقية ودوار هيشر ووادي الليل.
خصوصية ولاية منوبة بالنسبة لتونس الكبرى تكمن في كونها الدائرة الانتخابية الوحيدة التي فازت بها أحزاب معارضة برئاسة مجالس بلدية: حركة الشعب في البطان والتيار الديمقراطي في البساتين ولكن المفارقة تكمن في أن هذين الحزبين لم يتقدما على النهضة والنداء في هاتين البلديتين. ففي بلدية البطان تقدمت فقط ثلاث قائمات: النهضة (40،11 %) والنداء (36،66 %) وحركة الشــعب 23،23 %) وآلت الرئاسة الى حركة الشعب. وفي البساتين تقدمت أيضا ثلاث قائمات فقط<: النهضة 46،86 %) والنداء38،35 %) والتيار الديمقراطي (14،79 %) وآلت كذلك الرئاسة إلى التيار الديمقراطي !
الواضح إذن أن الصراع الوطني والمحلي بين الحليفين المتخاصمين جعلهما يفضلان حزبا معارضا لمنظومة الحكم ولو كان أقليا في تلك البلدية بالذات. وسوف نشاهد وضعيات مماثلة سواء كان ذاك مع قائمات حزبية أو مستقلة تفوز برئاسة بلديات رغم وضعها الأقلي فيها.
في منوبة احترم النداء التناصف بالكلية إذ قدم خمس نساء وخمسة رجال كرؤساء لقائماته بينما غلبت الصبغة الرجالية عند النهضة: 7 رجال و3 نساء.

• في عدد قادم:
في ميكروفيزياء التوازنات السياسية:
الشمال الشرقي والشمال الغربي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115