خاص: في سابقة من نوعها قد تجدد أزمة الهيئات الدستورية في تونس إعفاء رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري من مهامه !!

قرر مكتب مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المنعقد يوم أمس،

إعفاء رئيسها الحالي محمد التليلي المنصري من منصبه باعتماد الفصل 15 من القانون المحدث للهيئة المتعلق بحالات الإعفاء. أزمة جديدة تشعلها هيئة الانتخابات، بعدما عرفت تذبذبا في أعمالها منذ أكثر من سنة نتيجة الخلافات بين أعضائها حول كرسي الرئاسة وعمليات التجديد.

كنا قد نشرنا في عدد سابق يوم 12 ماي 2018، تحت عنوان «وتتجدد الخلافات مع إعلان نتائج الانتخابات البلدية: ماذا يحصل داخل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات؟»، وذلك مباشرة بعد الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات البلدية. تحدثنا حينها عن التشنجات الحاصلة في اجتماع مجلس الهيئة والتهديد بإعفاء الرئيس محمد التليلي المنصري من قبل الأعضاء، إلا أنه تم الزعم بحل الخلاف حينها. الخلافات تتعلق بالاساس بكثرة الضغط والانتقادات الموجهة ضد أداء رئيس الهيئة من قبل المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية، حتى صلب الهيئة ذاتها.

مسلسل الخلافات داخل هيئة الانتخابات، دائما ما يتجدد من حين إلى آخر منذ إعلان الرئيس السابق للهيئة شفيق صرصار استقالته رفقة عضوين آخرين، فعلى غرار كرسي الرئاسة والجدل الحاصل بين الأعضاء من أجل الفوز به، ثم حول تجديد ثلث الأعضاء وإجراء القرعة. تجددت الخلافات من جديد بين الأعضاء بالتزامن مع يوم الاقتراع للانتخابات البلدية، بعد رفض رئيس الهيئة محمد التليلي المنصري إسقاط أية قائمة مترشحة بالرغم من ارتكابها لجرائم انتخابية، بل اكتفى باحالة الملفات على أنظار النيابة العمومية.

التصويت بإجماع الحاضرين
لكن في المقابل، فقد احتدت الخلافات بين الأعضاء التسعة في مجلس الهيئة المنعقد يوم أمس من أجل مناقشة العملية الانتخابية الجزئية في دائرة المظيلة، حيث ولأول مرة يتم تطبيق الفصل 15 من القانون الأساسي المحدث للهيئة المتعلق بكيفية اعفاء رئيس الهيئة، وذلك بتصويت أغلبية الحاضرين دون تسجيل أي صوت رافض أو محتفظ، لتكون بذلك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أول هيئة دستورية تتخذ مثل هذا القرار.

وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 15 ينص على « تم إعفاء رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أو أحد أعضاء مجلسها في صورة ارتكابه لخطأ جسيم في القيام بالواجبات المحمولة عليه بمقتضى هذا القانون أو في صورة الإدانة بمقتضى حكم بات من أجل جنحة قصدية أو جناية أو في صورة فقدانه لشرط من شروط العضوية بمجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. يرفع طلب الإعفاء من قبل نصف أعضاء مجلس الهيئة على الأقل ويعرض على الجلسة العامة للمجلس التشريعي للمصادقة عليه بالأغلبية المطلقة لأعضائه.

بالعودة إلى الخلافات الحاصلة في مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي ساهمت في اتخاذ مثل هذا القرار فهي تتمثل بالأساس في تشبث عضوين اثنين بضرورة فرز ودراسة كافة المحاضر وإسقاط القائمات التي تجاوزت القانون، لكن رئيس الهيئة رفض ذلك واعلن عن النتائج مثلما هي دون اي تغيير يذكر. كما أنّ بعض الأعضاء طالبوا بضرورة إجراء تقييم شامل لكافة العاملين في الهيئات الفرعية والادارة المركزية وتغيير ما يجب تغييره خصوصا الأشخاص الذين ارتكبوا أخطاء خلال المرحلة الانتخابية، وتشكيل لجنة تدقيق في ميزانية سنة 2017 والقائمات المالية بالاضافة إلى مراجعة الموارد البشرية، الأمر الذي يرفضه المنصري.

في اسباب القرار
مجلس الهيئة أصبح صوريا هكذا علل أعضاء الهيئة قرار إعفاء المنصري من منصبه، حيث اعتبروا أن القرارات تتخذ مسبقا من قبل رئيس الهيئة وبعض المقربين منه من الموظفين، ليقتصر الاجتماع على المصادقة دون مناقشة. وتطورت المسألة إلى حد تعطيل دواليب العمل في الهيئة برفض المنصري المصادقة على القرارات المنبثقة عن اللجنة المصغرة التي تتكون من الأعضاء نبيل بفون، نبيل العزيزي، فاروق بوعسكر، عادل البرينصي، التي تم تكوينها من أجل النظر في تسيير الإدارة. وهدد أعضاء الهيئة الرئيس بضرورة المصادقة على هذه القرارات، أو إعفائه في حالة تشبثه بموقفه المتمثل في اعتبار أن مثل هذه القرارات غير قانونية.

إعفاء رئيس الهيئة من مهامه وتنحيته من منصبه، لم يكن مفاجئا بالنسبة للجميع، باعتبار أن بوادر الأزمة بارزة منذ تصريح عضو الهيئة أنور بن حسن قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات البلدية، حين اعتبر أن أداء الإدارة التنفيذية للهيئة خلال الانتخابات البلديّة كان ضعيفا وباهتا مؤكّدا أنّه كانت هناك فجوة بين الإدارة المركزية والإدارات الفرعية. وأشار بن حسن أنّ ضعف الهيئة كان على مستوى القيادة أي في شخص رئيسها محمد التّليلي المنصري قائلا: «رئيس الهيئة استفرد بالرّأي في عدّة مناسبات وكان متعنّتا ولم يكن بالكفاءة المطلوبة في حدث تاريخي عاشته البلاد». لكن التوقيت الحالي بدا مفاجئا للجميع، في وقت تستعد الهيئة إلى إعلان النتائج النهائية للانتخابات البلدية فور انتهاء مهلة الطعون، ومع وجود بعض المطالب من قبل منظمات المجتمع المدني بضرورة إشراف هيئة الانتخابات على عملية انتخاب رؤساء البلديات.
من جهة أخرى، يبدو أن محمد التليلي المنصري قد تلقى ضربة موجعة من قبل زملائه في وقت حساس، حيث أن الهيئة لا يزال أمامها عديد الأعمال بحاجة إلى الاستقرار الإداري والتسييري، خصوصا وأن الهيئة عاشت تقطعات لمدة طويلة بعد استقالة شفيق صرصار إلى حين انتخاب من سينوبه. وصرح رئيس الهيئة محمد التليلي المنصري لـ«المغرب» أن الغاية من قرار الإعفاء تتمثل في تنحيته من كرسي الرئاسة لا أكثر لا أقل، مشيرا إلى أنه مستعد للذهاب إلى مجلس نواب الشعب من أجل المحاسبة والمساءلة والتصويت على إعفائه إن لزم الأمر. كما بين أن هذه المسألة لا تقلقه بتاتا، حيث سيواصل اعماله من خلال استكمال مرحلة الانتخابات البلدية والمصادقة على 352 قرارا تتعلق بهذا المسار، إلى حين اتخاذ البرلمان القرار المناسب سواء بالإبقاء عليه أو تنحيته.

إعادة نفس السيناريو
ازمة الهيئات الدستورية، واهمها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يبدو انها لم تنته بعد بل يمكن أن تتواصل، لتعيد سيناريو الصائفة الفارطة حين عجز البرلمان عن التوافق بخصوص الأسماء المرشحة لخلافة الأعضاء المستقيلين. هذه الأزمة قد تؤرق البرلمان من جديد، خصوصا وأنه انطلق فعليا بالنظر في تجديد ثلث أعضاء الهيئة بعد إجراء القرعة التي أفرزت خروج الأعضاء أنور بن حسن، نجلاء ابراهم، رياض بوحوض، وفي حالة تنحية الرئيس فإن سيناريو الصائفة الفارطة سيعاد من جديد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن البرلمان صادق مؤخرا على مشروع القانون المتعلق بالاحكام المشتركة للهيئات الدستورية بعد الطعن في دستوريته الذي قد يساهم في تغيير آليات الاعفاء في حالة عدم الطعن في دستوريته للمرة الثالثة.
في إنتظار إحالة القرار على مجلس نواب الشعب، ستتواصل الأزمة داخل مجلس الهيئة وقد تتسبب في تعطيل أشغالها في علاقة بالانتخابات البلدية، أو أن تعاد المسألة برمتها من أجل التفاوض بتدخل الهياكل الرسمية أي الطرف الحكومي أو البرلمان من أجل فض الخلاف وتجنب سيناريو يسيء لصورة هيئة الانتخابات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115